|
مأرب برس - خاص
1-
الشيخ عبدا لله الأحمر –رحمه الله – كما قيل عنه رجل بأمة ، هو شيخ حاشد ، لكنه شيخ الجزيرة واليمن ، شيخ المشايخ وشيخ الرئيس هكذا استقر في الأذهان ، وجه اليمن وعنوانها عبر كل مراحل حياته ...جمع بين التاريخ والمعاصرة ، وتمازجت في ظله مؤسستي الحكم والقبيلة .
كان الشيخ ضابط إيقاع العمل السياسي في اليمن عبر مختلف المراحل بصورة ارتفعت بالأداء إلى مستوى الوفاق والتكامل بين أطراف جبلت على الحدة والانفعال .
سار مع الحركة الوطنية للإصلاح منذ بداية خطوها وحتى استوت بثمارها فكان لها نعم الراعي والحامي .
لم يكن يوما عليها عبء أو يسألها استحقاقات شخصية ، وتكمن عظمة الرجل –رحمه الله- في سمو أخلاقه وعلو همته فلم يحدث أن من الشيخ عبدا لله على الوطن أو حزبه أو الحركة الوطنية إجمالا بثمة موقف أو دور خصوصا تلك التي في أحلك الظروف.
وانتقل الشيخ إلى جوار ربه بحجمه ورسمه وعظيم مواقفه وبخاتمة مرضية .
فبرغم ثقل وخطورة الأحداث الأخيرة التي نكبت بها الأمة والتي طأطأ وانبطح لها الكثيرون إلا أن الشيخ ظل منتصبا شامخا بجنبيته وعمامته وعصاه .
فمواقفه تجاه فلسطين هي كمواقفه الأخرى تجاه العدوان الأمريكي على أفغانستان والعراق وكذلك قضايا الأمة المختلفة.
لم يهتز أو يداهن رغم شدة الضغوط عليه وقد كان يمكن أن تبحث له الأعذار من قبيل [إلا أن تتقوا منهم تقاة].
وقد اكرمه الله سبحانه وتعالى ببياض صفحته الأخيرة تماما كتلك التي في صدر حياته ، وهذه من أعظم نعم الله على عباده ، وثمة حقيقة هنا أن العبد إن صح في ولائه مع الله ورسوله فان الله يختم له بالنهايات الطيبة والمرضية وبحسن الخاتمة ويتجاوز عنه الكثير من المعاصي والتقصير بعكس من خلط وشاب ولاءه انحراف فانه لو أتى الله بجبال من الأعمال الصالحة يجعلها الله هباء منثورا ما دام انه يفتقد الولاء الحق ويختم الله له بسوء الخاتمات .
ولقد ظل الشيخ رحمه الله عصيا وشامخا لم تلن له قناة بشأن فساد الأوضاع وسوءها في الداخل رغم عمق العلاقة واقتراب الصحبة مع القرار وكثافة أدوات الترهيب والترغيب معه ، حيث كانت صيحته مدوية وستظل تاريخية بشان تحذيره من النفق المظلم الذي تدفع إليه البلاد اليوم .
2- طبيعتنا كبشر أننا نبهت الكريم في حياته فإذا ولى وضمنا انه لن يعود حضرنا الصدق والإنصاف وقلنا عنه ميتا ما كتمناه وهو حيا ، ونفينا عنه بعد موته ما بهتناه به في حياته وهذا لعمري من سوء الطباع عند الإنسان.
والصواب لو كان يملك –بضم الياء -..أن معرفة المناقب والإشادة بها في حياة الكريم من الناس وهو حيا أفضل وأكرم وأرجى للاستزادة منها وتوظيفها في البناء التنموي وتوليد واجترار القيم ، فمناقب الكريم تشد إليه مثلها وتشد إلينا أمثاله..
3- بشان حزب الإصلاح
لا احد يجهل أن قيادة الشيخ عبدا لله لحزب الإصلاح كانت رائعة وراقية وذات أفق حضاري ، ذلك أن الرجل رغم كاريزميته وثقله وحجمه إلا انه لم يتماه في الحزب أو يتملكه أو يصنعه على عينه كما يشاء بل ترك له الفرصة والمجال ليمضي في الطريق المؤسسي والهيكلي .
ولقد ابتنى الإصلاح مؤسساته بعمق وطورها باطراد على ضوء النظرية والمنهاج وارتسم خطوطه ولوائحه المختلفة ومن ثم فلا فراغ سيتركه غياب الشيخ رحمه الله فآثاره على حد قول الانسي أمين عام الإصلاح ستسد ما تركه الشيخ من فراغ .
السلطة والنظام
رغم أن هناك من كان يقول أو يعتقد أن اسعد أمنية كانت للسلطة هي أن تستيقظ فلا تجد الشيخ عبدا لله ، وبصرف النظر عن صحة هذه المزاعم أو عدمها فان حقيقة من الوجه الأخر نعتقدها هنا ونستجليها من قراءات مختلفة جوهرها ..أن فراغا كبيرا تركه الشيخ عبدا لله بالنسبة للنظام إجمالا ، هذه الحقيقة إن لم تتكشف قريبا فإنها ستتبدى في المدى المنظور إن لم تبنى على العاجل خطة عميقة لملا هذا الفراغ بحيوية وصدق وحسن توجه.
الصورة التي كانت غائبة والتي قل من يقرؤها في السابق حتى النخبة الحاكمة نفسها هي في أن الشيخ رحمه الله كان بمثابة الدفيء والسور والرافعة وقاعدة القبول الاجتماعي والقبلي .
اليوم والنظام يعيش في هذا المعترك وقد ترهل ذاتيا وتوالت في جدرانه الشقوق وقد عادت كل فتوحاته عليه فان غياب الشيخ في هذا الظرف والتوقيت سيؤدي تباعا إلى تداعي دراماتيكي بإيقاع سريع ومتلاحق وتفسير ذلك في :-
-أن الدولة اليمنية وحتى الآن لم تبنى على مقوم مؤسسي مدني وإنما على كاريزما الأشخاص ثم على التوافق الاجتماعي والقبلي الذي كان يغطي دور وفراغ المؤسسية ، وقد الشيخ رحمه الله القطب القبلي والاجتماعي الوحيد الذي تلتقي حوله كل الأطراف الاجتماعية والقبلية حتى تطورت هذه التوافقات تلقائيا فوصلت مع التواتر والاستمرارية إلى إنتاج شيء من المؤسسية والمدنية ، غير أن الأوضاع الأخيرة في داخل النظام ومن حوله التهمت هذا الشيء من المدنية والمؤسسات فحصل الذي نجده الآن من الاختناقات والفرز الاجتماعي والقبلي .
-أن اليمن في مجموعها ومنذ كتبها التاريخ خارطة قبلية عصية وحادة فاعلها القبلي يظهر بسفور حينما يتراجع دور الدولة أو يغيب.
والقبيلة اليمنية إن استعرت واستنفرت فهي صعبة وضروس وذات مراس ومن الصعب جدا إذا تفاقمت الأمور معها أو بينها أن تروض وتسلم زمامها ، زد على أن التنافر بينها قائم وموروث فان سكن فإنما هو كامن ومستتر لان القضية تتعلق بشرف السيادة والسبق وموروث اجتماعي هو عندها في خط الثوابت والأصول فضلا عن أن مخزون متراكم من الخبرات والأحداث والصراع هو الذي يصوغ الكثير من سلوكها اليوم .
كما أن لكل قبيلة من هذا الحشد تقاليدها ومراسيمها وتاريخها الخاص الذي تعتز به ولو كان على سبيل داحس والغبراء .
وقد كان الشيخ – رحمه الله- الوحيد الذي لم يشبهه حتى الآن أحدا ممن عاصروه هو المؤهل والمتمكن في مسك خيوط كل مركب القبيلة اليمنية ، بل ويسلم له الجميع بالمرجعية شيوخا ومجتمع .
- فإذا كان الشيخ عبد الله يحسن إدارة وتوجيه الشحن والتنافر الاجتماعي فان دوره في المرحلة الأخيرة تراجع بسبب ظروفه الصحية وتجاوز السلطة له على مزاعم أنها ابتنت مؤسسات وأساس ديمقراطي فكان أن نفذت قضية صعدة وتبلورت الآن إلى ما يشبه المشروع وتبعتها قضايا أخرى لا تقل عنها من حيث الأهمية وأخيرا وليس آخر شرعب في الطريق ، في الوقت الذي بدأت القبائل تتبلور في اصطفا فات وما يشبه البرامج في حضور ودور كا ستجابة لحصول فراغ بصورة تدعو إلى الفزع والقلق الحاد على مستقبل غامض .
- الأخطر اليوم أن السلطة وهي في مكونها قبلي زجت بنفسها في صراع مع مركب القبيلة بصورة مباشرة أو غير مباشرة ووكأن هناك حاشد الكبرى وحاشد الصغرى أو حاشد القديمة والجديدة ، وكل قبيلة أخرى بدأت تتحسس نفسها ووجودها ودرجة قيادتها .
-مجالس قبلية تتشكل ، صراع حول الرمز كمرجعية قبلية ، بعض القبائل تعلن عمليا تدخلها على ارض قبائل أخرى لحماية رعاياها المسئولين كا لحداء مع شرعب .
-القوى والأحزاب السياسية المختلفة تتقي هي الأخرى بالقبائل كما هو حاصل في شبوة والضالع ..الخ
عموما القبيلة اليوم تعوم وتستعر على ارض الواقع ما نخشاه في ظل الافتقاد إلى المؤسسية هو في غياب الضابط المرجعي لمجموع هذه القبائل التي إن وصلت مع بعضها إلى مستوى التوازن من حيث مكانة رموزها القيادية فهنا يتعكر السبيل إذ كان الشيخ هو الجامع والرأس الأكبر بإقرار الجميع .
بطبيعة الحال فلسنا نزعم بان اليمن قحطت ، فما زالت بفضل الله ممتلئة بهامات كريمة وقديرة يمكنها أن تسد الفراغ وتغطي الدور.
كما انه ليس الهدف تعرية أو نبز النظام ، أو أنها نظارة سوداء كقولهم لا تقف إلا على المعتمات أو البقع السوداء .
إنما بقصد أن تجرب السلطة الرؤية بنظارة وعين الآخر
فالكيس من دان نفسه الآن واستعد لأسوء الاحتمالات بتريث وروية ثم جمع المتاحات والممكنات والطاقات والحيويات المختلفة .
وكم الحاجة اليوم عاجلة لترقيع كل هذه الثقوب وإزالة هذا الصدأ والحيلولة دون التشظي والتآكل ..
فهل أحدا يدرك حجم خسارة الشيخ عبد الله رحمه الله
alhager@gawab.com
في الإثنين 31 ديسمبر-كانون الأول 2007 07:21:03 م