22-4=7 والاشكالات القانونية لتسمية أعضاء لجنة الانتخابات من القضاة
بقلم/ د.خالد عبدالله علي الجمرة
نشر منذ: 16 سنة و 10 أشهر و 30 يوماً
السبت 01 ديسمبر-كانون الأول 2007 09:48 م

مأرب برس – خاص

لم
تكن بنود مشروع الحكومة المقدم إلى مجلس النواب بشأن تعديل قانون الانتخابات فيما
يتعلق باختيار اللجنة العليا للانتخابات مفاجئة،ً فهي في مجملها فقرات طُرحت في
لقاءات سابقة جمعت بين ممثلي أحزاب اللقاء المشترك والحزب الحاكم المؤتمر الشعبي
العام، بل وقد وقع الفريقين اتفاقاً مبدئياً يحتمل معنى ذلك، هذا قبل أن تتحلل منه
تكتل أحزاب اللقاء المشترك بتصريحات سابقة لبعض قياداته نشرتها صحفهم الناطقة بحال
أحزابهم، وبعض الصحف المستقلة، بحجة أن القضاء في اليمن جزء من منظومة الفساد الذي
تغرق بها سياسة المؤتمر الشعبي العام باعتباره الحزب الحاكم المؤسسات الدستورية،
ورغم هذا ترك الرئيس تصريحات أحزاب اللقاء المشترك هذه وراء ظهره، وطعّم مبادرته
الأخيرة لإصلاح النظام السياسي بفقرة مفادها تعيين أعضاء اللجنة العليا للانتخابات
من مجموعة قضاة يرشحهم مجلس القضاء الأعلى وقد استعرضت هذه المبادرة في موضوع نشره
موقع مأرب برس على شبكة الانترنت في وقت سابق يمكن العودة إليه لمراجعته بتتبع
اللاين التالي:

: http://marebpress.net/articles.php?id=2683

بنود
المشروع ذهبت إلى ما عرضه رئيس الجمهورية في مبادرته من أن تسمية أعضاء اللجنة
العليا للانتخابات يجب أن يكون من بين قضاة يختارهم الرئيس من مجموعة قضاة يكون
مجلس القضاء الأعلى ملزماً بتقديم قائمة بهم، ومشروع التعديل تضمن تفصيلاً لكيفية
اتمام ذلك حيث جاء فيها أن مجلس القضاء الأعلى يرشح قائمة بأسماء عدد22قاضياً لا
تقل درجاتهم عن قاض استئناف، يقدمها لمجلس النواب بعد أن يطلب منه ذلك، وعلى مجلس
النواب اختيار عدد 14 قاضٍ منهم وتقديمهم لرئيس الجمهورية الذي يسمي بدورة سبعة
منهم ويصدر قرار رئيس الجمهورية بتعيينهم أعضاء للجنة العليا للانتخابات، بعدها
يجتمع هؤلاء الأعضاء لاختيار رئيساً لهم ونائبا له من بينهم، ثم تجري عملية توزيع
بقية المهام عليهم .

ورغم أن اتفاق احزاب اللقاء المشترك مع الحزب الحاكم كان
يقتضي أن يتم ترشيح القضاة مباشرة من مجلس القضاء الأعلى إلى رئيس الجمهورية، كما
كان يقتضي أن لا تقل درجة هؤلاء عن قاض محكمة عليا على غير ما جاء في مشروع التعديل
المعروض على مجلس النواب والذي كما سبق تفصيله يشترط تقديم الترشيح أولاً لمجلس
النواب، إلا أن ذلك لا جدوى منه، ولن يغير في الآمر شيئ حالياً، باعتبار أن مجلس
النواب بالغالبية الحالية يستطيع تهميش الأصوات الأخرى، وبالتالي فإن الحزب الحاكم
سيسمي أعضاء اللجنة العليا للانتخابات ضمناً حتى قبل ترشيحهم من مجلس القضاء
الأعلى !!!

من المعلوم أن مجلس القضاء الأعلى معين من رئيس الجمهورية وهو لذلك
خاضعاً في توجهاته للرئيس بفعل قوة سلطة التعيين، وهنا ستتكرر تماماً عملية اختيار
اللجنة الوطنية العليا لمكافحة الفساد، فكما كان للحزب الحاكم تأثيره في اختيار
مرشحي لجنة مكافحي الفساد وفق إرادته القائمة على أجندته الخاصة، فإن الحزب الحاكم
يمتلك رصيد كبير من القضاة المتعاطفين معه بتأثير سلطة التعيين من ناحية، و بتفاعل
نشاط وانتماء حزبي سابق جُمد لأسباب قانونية لكنه لم يلغى من ناحية أخرى، وإذا كان
اختيار أعضاء لجنة مكافحة الفساد قد تم مدعوماً بالأغلبية البرلمانية الآمنه، فإن
اختيار اعضاء لجنة الانتخابات من القضاة سيكون مدعوماً بقوتين قوة سلطة التعيين
وسيكون محلها حال اختيارهم مجلس القضاء الأعلى، وبقوة الأغلبية البرلمانية الآمنة
وسيكون محلها مجلس النواب
.

ورغم حنق تكتل أحزاب اللقاء المشترك على هذا المشروع،
وتفضيلهم ترك ساحة الاختيار منفردة لحركة الحزب الحاكم، إلا أنه يمتلك حلولاً
احتياطية تمكنه من اللحاق بقطار المشروعات حتى وهوى يسير على سكة الحديد، فلديه
كذلك عدد لا بأس به من القضاة الذين هم كذلك جمدوا نشاطاتهم الحزبية لكنهم لم يلغوا
انتمائاتهم الحزبية أيضاً، لاسيما أولئك الذين كان لهم وقع مسموع، وطرقات مؤثرة في
السلطة القضائية في فترات سابقة والذين برزوا بشكل ملحوظ ابان فترة وزير العدل
الإصلاحي الديلمي، وقبله الوزير الاشتراكي سلام، كما أن ماجرى من عمليات تنقيح
وتطعيم عشوائي للسلطة القضائية من أساتذة الجامعة في الفترة السابقة قد ضمن وجود حد
أدنى من لاعبين ماهرين سيتحركون ببهلوانية سياسية بارعة في هذا المضمار، ولذلك فإن
تكتل أحزاب اللقاء المشترك وإن أدار ظهره لمشروع التعديلات المقدمة من الحزب الحاكم
إلا أن عينه ستظل مفتوحة تدور وتترقب عن كثب الوقت المناسب الذي يستطيع من خلاله
كالعادة الظفر ببقايا الغنيمة !!

ويدرك أقطاب الحزب الحاكم وفي مقدمتهم الرئيس
أنه ليس مناسباً المضي في إنفاذ هذا المشروع بعيداً عن القوى السياسية الأخرى وفي
مقدمتها أحزاب اللقاء المشترك، باعتبار أن طريقة وأسلوب اختيار اللجنة العليا
للانتخابات ليس هو المشكلة، إذ أن المشكلة تكمن في الاستحواذ على حصص مقاعد أعضاء
لجنة الانتخابات مع هذه القوى، وبالتالي فإن الحزب الحاكم سيدعم هذا المشروع
وسيمرره متخطياً في ذلك مراحل كثيرة أي نعم، لكنه لن يتجاوز الخط الأحمر وسيقف تحت
سقف معين يعرض قسمة ضيزى فيها يضمن على الأقل موافقة هذه القوى باعتبارها الشريك
الإلزامي غير المرغوب فيه للعملية الانتخابية على خوض المعترك الانتخابي، وهي
موافقة تزايد بها أحزاب اللقاء المشترك دائماً عند كل استحقاق انتخابي، وتعرض بشكل
أو بأخر بضاعتها الرابحة على كروت سياسية راقية جداً لدعوات مقاطعة هذه الانتخابات
وترك الصناديق وحدها تعاني رفس الحصان
...

ويعلوا طرح يتساءل به البعض بصوت حائر
عن مدى قانونية أن يكن القضاة هم أعضاء اللجنة العليا للانتخابات، وإن مثل هذا لو
حدث سيضع عقبة أمام الطعن ضد النتائج التي ستعلنها لجنة الانتخابات أو الطعن ضد
مقرراتها مثل إعلان جداول الناخبين، إذ أن الطعن سيكون موجه بالعموم ضد قرارات
يصدرها القضاة أعضاء اللجنة العليا للانتخابات، فكيف سيتم الطعن ضد قرارات القضاة
وأين!!!؟

للإجابة على هذا التساؤل يجب أولاً الإشارة إلى أمرين؛ الأول: أن
القضاة عند مباشرتهم لأعمالهم كرئيس وأعضاء للجنة الانتخابات سيخلعون عن أنفسهم جبة
القاضي، وسيرتدون ربطات العنق، بمعنى أوضح أنهم سيباشرون اختصاصاتهم باعتبارهم
الشخصي لا باعتبار صفتهم القضائية، والثاني: أن مشروع تعديل القانون المقدم لمجلس
النواب قد أشار إلى أن اختيار القضاة في لجنة الانتخابات سيكون من باب (الانتساب )
طوال فترة العضوية التي ستكون وفق القواعد القانونية السارية فترة ستة أعوام
كاملة(شمسية)، وبالمرور على ماجاء في هذه الفقرة من مشروع التعديل سنلاحظ أن لفظ
الانتساب الذي جاء به نص المشروع لم يكن موفقاً نهائياً باعتبار الانتساب مصطلح
غريب على الأوضاع القانونية المبينة في القوانين ذات العلاقة والمنظمة للحالة
الوظيفية للموظف والمبينة حصراً بقانون الخدمة المدنية في(النقل، الندب، الإعارة،
الإنابة، التفرغ) فمعدي مقترح مشروع التعديل استعان بهذا المصطلح لمراد القول أن
القضاة سيكونون صالحون من جديد لممارسة مهامهم القضائية بعد انقضاء فترة عضويتهم
بانتهائها، أو بسقوطها أو كما جاء في تعديلات القانون فصلها عنهم، وهذا يعني أن
أوضاع القضاة الوظيفية أثناء فترة عملهم باللجنة العليا للانتخابات ستكون بحكم
الانتداب ليس إلا، حيث سيظلون محتفظون بصفة ودرجة القاضي وما يترتب عليها من
استحقاقات معاشية، وهنا كان الأولى بمهندسي مشروع التعديلات استبدال لفظ الانتساب
بلفظ الانتداب وفي قانون السلطة القضائية النافذ ما يدعم هذا الاتجاه حيث جاء لفظ
الانتداب في نص المادة (66) من قانون السلطة القضائية مفاده: (( يجوز بقرار جمهوري
بناء على عرض وزير العدل وموافقة مجلس القضاء الأعلى ندب القضاة لشغل وظائف غير
قضائية بموافقتهم ويحتفظ لهم بكافة الامتيازات
.))

ومن ظاهر النص السابق يتضح أن
القانون منح الحق للقضاة في شغل وظائف غير قضائية ولفظ غير قضائية لا يفيد الحصر
بقدر ما يذهب للعموم بمعنى أوسع فإن النص لم يحدد وظائف معينة غير قضائية للقاضي حق
شغلها، بل ذهب فحوى النص إلى أنه يجوز للقاضي أن يُندب ليشغل أي وظيفة غير قضائية
بما فيها عضوية لجنة الانتخابات، وهنا لامانع قانوناً من انتداب القضاة لعضوية لجنة
الانتخابات، ولا يشترط لذلك سوى خمسة شروط الأول: إصدار قرار جمهوري بذلك، والثاني :
عرض بذلك يقدمه وزير العدل، والثالث: موافقة مجلس القضاء الأعلى، والرابع أن يكون
شغل هذه الوظيفة بالندب، والخامس موافقة هؤلاء القضاة على ذلك، ولا إشكال قانوني في
الشروط الثاني، والثالث، والخامس، أما الاشكالات القانونية الحقيقية فهي في الشرطين
الأول، والرابع وتفصيلها كما يآتي
:

  قبل تناول هذه الاشكالات يجدر القول: أن
الشرط الثاني المتعلق بضرورة أن يسبق القرارالجمهوري بالندب رفع من وزير العدل
بذلك، يمكن القول بوقوعه ضمناً حال رفع مجلس القضاء الأعلى لأسماء القضاة المرشحون
إلى مجلس النواب باعتباره عضو في المجلس، وفقاً لمحتوى المسؤولية بالتضامن، ومن حيث
الإشكالات القانونية
التي قد تعيق تسمية أعضاء لجنة الانتخابات من القضاة، فإنه
يستحب وكغير العادة أن نبدأ من الإشكال الثاني باعتباره إشكال يقبل ترجيحات متعددة،
يتمثل هذا الإشكال القانوني في أن قانون السلطة القضائية شرط لاشتغال القضاة في
أعمال غير قضائية بأن يكون هذا الاشتغال(ندباً)، وهي حالة وظيفية لم ينظمها بالخصوص
قانون السلطة القضائية من حيث شروطها وأركانها وماهيتها، ومادام الآمر كذلك فإنه
نظرياً يلزم في هذه الحالة الرجوع لقانون الخدمة المدنية ولائحته التنفيذية
باعتباره في هذه الوضع القانون عام الذي يجب أن يرجع أليه بهذا الخصوص، حيث يتبين
أن الندب وفق هذه القانون لا يجوز في كل الأحوال أن يتجاوز عام وفق ماجاء في المادة (68)
من قانون الخدمة المدنية النافذ وكذا المادة (129/أ) من لائحته التنفيذية،
ويمكن تجاوز هذا باعتبار أن قانون الانتخابات في هذا الموطن سيكون قانوناً خاصاً
مقدماً في أحكامه وقواعده على غيره، كما أنه بالتعديل الذي سيجرى عليه سيكون لاحقاً
من حيث تاريخ إصداره وبالتالي ناسخاً لما قبله، وهنا تسقط هذه الإشكالية

أما
الاشكال القانوني الأول والعويص الذي يواجه تسمية أعضاء لجنة الانتخابات من القضاة
هو في أداة تسمية هؤلاء القضاة، ففي حين نص قانون السلطة القضائية السابق ذكره على
أن ندب القضاة لشغل أعمال غير قضائية يستلزمه صدور قرار جمهوري، نص قانون
الانتخابات النافذ، وكذا مشروع التعديل المقدم لمجلس النواب على أن أعضاء لجنة
الانتخابات يجب أن يصدر بتعيينهم قرار رئيس الجمهورية، مما يعني نظرياً تصادم
النصين بالتعارض، وهذا ربما ما صرف واضعي مشروع التعديل عن استخدام مصطلح (
الانتساب) بدلً عن مصطلح (الانتداب)، وهو في حقيقة الآمر هروب بتجاوز، أكثر منه
تحايل باحتراف، ولا يمكن في هذه الحالة القول بترجيح القانون العام على الخاص أو
السابق على اللاحق كما سبق في الحالة السابقة، باعتبار أن هذا النص الوارد في قانون
السلطة القضائية والذي يشترط لانتداب القضاة في أعمال غير قضائية صدور قرار جمهوري
بذلك، نص آمر في قانون خاص يجب احترامه .....

 إن إهدار النصوص والتغافل عن ذلك
أمر يجب أن لا يحدث نهائياً في نظام يدعي أنه يحكم وفق مؤسسات دستورية، وما يزيد من
خطورة هذا الإهدار أن محله يقع على نصوص قانونية متعلقة بالسلطة القضائية، وبالخصوص
متعلق بالقاضي، والذي يجب أن يكون في حقوقه ووضعه محمي بنصوص بعيدة عن الاختراق،
والتهديد، والقلق، والاضطراب في الاجتهادات، باعتبار أن وضعه الوظيفي يجب أن يكون
مؤشراً واضحاً لمدى الإستقلال القضائي الذي يتمتع به القضاء إدارة وحكما، وأن يكون
تطبيق هذه النصوص من أهم ضماناته، إذاً لابد أن يعدّل أولاً هذا النص في قانون
السلطة القضائية بحيث يسمح بانتداب القضاة بقرار يصدر من رئيس الجمهورية، وهنا
سيكون اللفظ أكثر مرونة وسيكون المجال مفتوحاً أمام انتداب القضاة في أعمال غير
قضائية بكلا الحالتين؛ بمعنى أنه قد يكون بقرار رئيس الجمهورية، وقد يكون بقرار
جمهوري، هذا باعتبارها جميعاً قرارات صادرة فعلاً من رئيس الجمهورية، مع اعتبار أن
القرار الجمهوري يصدر من رئيس الجمهورية وعليه توقيع الوزير المختص ورئيس مجلس
الوزراء، بينما قرار رئيس الجمهورية يوقع عليه رئيس الجمهورية فقط، والحقيقة أن هذه
الأدوات يجب أن تكون مواضعها واضحة، وغايتها أوضح، وكذا يجب أن تكون محددة تحديداً
دقيقاً بحيث ترفع اللبس عند استخدامها

إذاً ومما سبق يتضح أن مشروع تعديل قانون
الانتخابات المقدم لمجلس النواب من الحكومة، وفحواه تسمية أعضاء اللجنة العليا
للانتخابات من قضاة لاتقل درجتهم عن قاض استئناف اشتمل في بعض فقراته على تسميات
ومصطلحات غير قانونية يجب تصحيحها، كما أنه ولأجل قانونية هذا المشروع في حال
إقراره يجب تعديل المادة (66) من قانون السلطة القضائية بحيث تسمح في نصها بانتداب
القضاة في أعمال غير قضائية بقرار يصدر من رئيس الجمهورية وليس كما جاء في النص
النافذ بقرار جمهوري، هذا والدعوة مفتوحة لجميع القانونيين من قضاة، وأساتذة،
وباحثين، لمناقشة قانونية تسمية أعضاء لجنة الانتخابات من القضاة وفق المعطيات
القانونية الحالية والله من وراء القصد