من يتابع واقع مفاوضات السلام اليمنية في الكويت منذ 21 نيسان/ أبريل الماضي، ويطّلع على ما يدور في جلساتها وأحاديث أعضاء وفد الحكومة وكذلك وفد الحوثي وصالح وتصريحاتهم؛ يدرك أن وفد الحوثي وصالح أصبح يجني ثمار مفاوضات الكويت من الآن، حيث أراد من مفاوضات الكويت ضرب عدة عصافير بحر واحد، وتحقيق عدة مكاسب وإنجازات من خلال هذه المشاركات. وقد تحقق للحوثيين وصالح بالفعل إنجازات هامة ومكاسب كثيرة سنتحدث عنها بالتفصيل في ثنايا المقال.
الحوثيون وصالح يريدون من خلال مفاوضات الكويت على المدى القريب؛ إيقاف قصف طيران التحالف لمواقع المليشيات في جبهات القتال باليمن، حتى يتسنى لها التحرك وإعادة التموضع واستقدام التعزيزات بكل حرية، وهو ما تحقق بالفعل ويجري بشكل يومي في جبهات القتال. كما يريد الوفد من المفاوضات رفع عملية التفتيش على الموانئ والمنافذ من قبل قوات التحالف، وهو ما يعد في طريقه إلى التحقق، حيث أحالت وزارة النقل اليمنية مهمة تفتيش السفن والبواخر في الموانئ التي يسيطر عليها الحوثي وصالح، كميناء الحديدة والصليف وميدي، إلى الأمم المتحدة بدلا من قوات التحالف.
والأهم من هذا كله، يسعى وفد الحوثي وصالح من خلال هذه المفاوضات إلى شرعنة واقعه الانقلابي، عبر استئناف عملية سياسية في بقائه متمسكا بالسلاح الثقيل، ومسيطرا على المدن بمسلحين، ومتحكما بمؤسسات الدولة من خلال من عيّنهم فيها أثناء فترة الانقلاب. ومن خلال هذه العملية السياسية الديكورية التي بالقطع سيكون فيها مشاركا فيها بنصيب الأسد وستكون بقية القوى مجرد ديكور يشرعن وجوده، سيسعى الحوثي وصالح لتأمين مكاسبهم وحماية إنجازاتهم في الواقع، حيث يسعون للفوز بوزارة الدفاع وتسليم السلاح الثقيل والمتوسط على دفعات إلى الوزارة نفسها التي يديرونها هم عبر من ضمنوا ولاءهم واشتروا ذممهم، بينما يسعى فريق الحكومة في مفاوضات الكويت لتطبيق القرارات الدولية بخصوص اليمن، وفي مقدمتها نزع سلاح المليشيا والانسحاب من المدن قبل استئناف العملية السياسية، لكن لا توجد أي ضمانات دولية جادة لتحقيق هذا الغرض.
ومن يتأمل كذلك ما يحث في أرض الواقع في اليمن يدرك أن إجراء هذه المفاوضات هو لصالح الحوثيين وصالح؛ الذين حققوا منها حتى الآن مكاسب ميدانية كبيرة وإنجازات هامة جدا منها:
مكاسب كبيرة للحوثيين وصالح في جبهات القتال
1 - إيقاف قصف طيران التحالف لمواقعهم وتعزيزاتهم، فخلال هذه الفترة من التوقف عن القصف، تم الاستيلاء على معسكر العمالقة بعمران، أو بالأحرى إكمال الاستيلاء عليه. وخلال توقف الطيران عن القصف تم تعزيز الجبهات بالسلاح الثقيل وبالمقاتلين في تعز ومأرب ونهم والجوف وحرض وميدي ولحج وشبوة وأبين والبيضاء والضالع؛ بأكثر من 100 دفعة من التعزيزات لكل الجبهات. وفي جبهة مأرب فقط عززوا بأكثر من 20 مرة من كل الجبهات. فهذا التوقف أتاح لهذه المليشيا التحرك بحرية في الجبهات، وإعادة تموضع لفرض واقع جديد على الأرض وتقوية موقف الوفد المفاوض في الكويت. وقد يقول البعض لكن طيران التحالف ما يزال يقصف ولم يتوقف بشكل تام. هذا صحيح، ولكن طيران التحالف يقصف الآن بشكل نادر جدا، بحيث يقصف ما نسبته 2 في المئة من التعزيزات والمواقع، وهي نسبة غير مؤثرة على الإطلاق، بل تكاد تكون من باب ذر الرماد على العيون ليس إلا.
مكاسب مادية وإعلامية
2 - فتح الموانئ والمنافذ للتجارة العامة دون تفتيش قوات التحالف، كما قال وزير الخارجية الدكتور عبد الملك المخلافي بتغريدة على تويتر بتاريخ 14 أيار/ مايو الحالي، حيث ذكر أن "هناك آلية جديدة ستسمح بتدفق البضائع والمواد التجارية والاستهلاكية إلى اليمن". وهذا الأمر بحد ذاته إنجاز كبير ستجني منه جماعة الحوثي وحزب صالح الكثير. وقد يقول البعض: كيف يستفيدون منها والشعب من يستفيد من تدفق البضائع وفتح المنافذ بشكل كلي؟ والجوب أن أبناء اليمن لا يريدون الحصار، ولكن هناك مخاوف كبيرة في الشارع اليمني الذي لم يعد يثق بالأمم المتحدة، كونه ينظر إليها كجهة دولية غير محايدة، ومنحازة بشكل كبير للحوثيين، وبالتالي قد تكون عملية انتقال مهمة تفتيش السفن والبواخر والمنافذ من قوات التحالف إلى الأمم المتحدة؛ يعني وجود نوع ما من التساهل مع الحوثيين، ما قد يؤدي إلى استيرادهم للسلاح، وخصوصا عبر ميناء الحديدة الذي يسيطرون عليه.
هذا أولا. وثانيا، تدر الموانئ والمنافذ على الحوثيين عائدات بمبالغ خيالية جدا تصل إلى مليارات الدولارات، تذهب في أغلبها إلى حساباتهم وجيوبهم.
وثالثا، سيعتبرون فتح المنافذ والموانئ إنجازا وانتصارا لهم، وسيروجون لهذا الأمر بأنهم هزموا قوات التحالف، وأنهم كسروا بصمودهم الحصار وأوقفوا العدوان، بحيث يكسبون شعبية في الشارع اليمني ويوفرون مادة لخطابهم الإعلامي.
المفاوضات اعتراف إقليمي ودولي بالانقلابيين
3 - مشاركة وفد الحوثي وصالح في المفاوضات بحد ذاتها هي شرعنة لواقعهم الانقلابي. فهم يتحركون كطرف يمني وكمكون يمني أصيل وقعت السعودية معه اتفاقا في ظهران الجنوب، وتحولت إلى دولة راعية للمفاوضات، وبعدها التقوا بالأمراء والسفراء والوزراء، ويلتقون مع المسؤولين ومع وزراء خارجية، ويطرحون عليهم مطالبهم. وهم بهذا يكسبون شرعية في الواقع، شأنهم شأن الحكومة والرئاسة المعترف بهما إقليميا ودوليا.
وهذا فضلا عن الجهود الأمريكية وجهود المجتمع الدولي للتمكين لهم وشرعنة انقلابهم. فها هم يشرعنون انقلابهم في المحيط الإقليمي، فيلتقون بأمير الكويت ويلتقون بأمين عام مجلس التعاون عبد اللطيف الزياني، وبسفراء الدول الأوربية لدى اليمن، وغيرهم، ويلتقون بالأمراء والسلاطين، ويعترفون لهم بأنهم "جيرانهم"، بحسب قول وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، حيث قال لصحيفة لوفيغارو الفرنسية بتاريخ 11 أيار/ مايو الحالي: "الحوثيون جيراننا وبيننا وبينهم اتفاقيات"، وأن أولوية السعودية في اليمن لم تعد محاربة الحوثيين الذي قال إنه يمكن التفاوض معهم، وإنما ملاحقة القاعدة وتنظيم الدولة. أليس هذا بحد ذاته شرعنة لواقعهم واعتراف رسمي به؟!
ضمانات غامضة وامتيازات للحوثيين وصالح
4- الضمانات التي قُدمت للحوثيين وصالح حتى يشاركوا في المفاوضات، إضافة إلى الامتيازات. وقد تحدثت قيادات حوثية لمرات عديدة عن ضمانات قدمت لهم حتى يشاركوا في هذه المفاوضات، ولم تفصح عن ماهية هذه الضمانات. كما تحدثت مصادر عن زيارة لمسؤولين خليجيين إلى صنعاء لإقناع وفد الحوثي وصالح بالمشاركة في المفاوضات، وتقديم ضمانات وأموال لهم مقابل هذه المشاركة.
إن هدف الأمم المتحدة في الشأن اليمني هو توفير الغطاء السياسي للتوسع والانقلاب الحوثي. فهي تشرعن بالسياسة ما حققه الحوثيون وصالح بقوة السلاح على أرض الواقع، وهذا بات واضحا للجميع، وهو ما حدث من عهد بن عمر في اليمن إلى زمن ولد الشيخ في الكويت. وما أشبه الليلة بالبارحة.