تحولات الحرب في اليمن صناعة الإرهاب وتضخيم الحوثيين
بقلم/ د. لمياء الكندي
نشر منذ: 3 أشهر و 21 يوماً
الأربعاء 10 يوليو-تموز 2024 08:31 م
  

لم يكن من المتوقع بعد تسع سنوات من الحرب ضد مليشيات التمرد الحوثية ان نشهد مايمكن وصفه بميلاد جديد لفتوة الحوثيين العدائية تجاه اليمن ومحيطها العربي وبالأخص المملكة العربية السعودية.

 

يحرص الحوثيين رغم ما تعرضوا له من خسائر إلى الظهور بمظهر القوي المتحكم بخيوط اللعبة والحرب ولعل من أهم أسباب تنامي ظاهرة التعنت والاستبداد وإظهار هذا الكم من العدائية والمواقف الحوثية هو ثبات منظومتهم العقائدية التي لا تقبل التفاوض ولا تقبل الآخر الا بشروطها وهي سياسة مستمده من روح النظام العقائدي للثورة الإيرانية التي تغذيها منهجية دينية وسياسية متسلقة على نقاط ضعف الاخر المواجه لها. 

 

فما يجري اليوم من تصعيد سياسي واعلامي للحوثيين تجاه من يصفونهم المرتزقة و تجاه المملكة العربية السعودية هو رهان على سياسة الفشل المتراكمة في إدارة الحرب ومشروع استعادة الدولة التي تتحمل الحكومة الشرعية ومعها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة نتائجها وتزايدت وفق هذه النتائج مخاطر الحوثيين. 

 

إن الحديث عن فشل قوى التحرير اليمنية ومعها دول التحالف العربي في استعادة الدولة لا يعني القول بقدرة الحوثيين المطلقة على تجاوز آثار الحرب او الصمود فيها ففي الحقيقة انهم باتوا اليوم يواجهون مهددات حقيقية بالانهيار هذا الانهيار الذي يحاولون اخفائه وراء تسونامي عدائي من التهديد والوعيد والندية التي يحاولون من خلالها قلب الطاولة على الجميع في سلوك انتحاري يجر المملكة العربية السعودية إلى حرب تتفادى دخولها قدر الإمكان بنفس طويل من الحكمة والسياسة. 

 

يدرك الجميع مخاطر تحولات الحرب في اليمن والآثار التي تركها الهجوم الحوثي المستمر على خطوط التجارة الدولية في منطقة البحر الأحمر والعربي وإظهار العجز الدولي في مواجهته فالإخفاق في ردع الحوثيين في البحر الأحمر لا يعني التسليم بقدرات الحوثيين الهجومية ولا بامتلاكهم منظومة دفاعية وهجومية قادرة على فرض تهديدهم. 

 

فحقيقة الأمر يكمن في وجود رغبة دولية أمريكية بريطانية في تضخيم قوة الحوثيين على غرار سياسات أمريكية وغربية سابقة في تضخيم القاعدة وداعش في العراق وسوريا اثبت الوقت لاحقا رعايتهم لهذه الكيانات والتنظيمات وتشجيعها ومن ثم الدخول معها في حرب واسعة.

 

يدرك المجتمع الدولي ان بقاء اليمن تحت وضع أمني وعسكري منفلت وفي قبضة قوى إرهابية عدائية لا يمكن له ان يطول أكثر ولكنهم يسعون في الوقت ذاته إلى الاستثمار فيه وفق قواعد واستراتيجيات سياسية تحولية تدفع من خلالها المملكة العربية السعودية الفاتورة الأكثر تكلفة سوا تم تعاطيها مع التهديدات الحوثية عبر تبني حلول ترقيعية لانهاء الحرب او من خلال وقوفها القوي تجاه هذا التهديد ولو اضطرت إلى خوض حرب منفرده لمواجهة التهديدات الحوثية. 

 

إن تحولات الوضع في حرب اليمن تشير إلى محاولة اغراق السعودية في ملف الحرب في اليمن لتكون حرب سعودية حوثية مباشرة يمكن تفاديها وفق متطلبات سياسية وأمنية وصفقات سلاح ومشاريع ابتزاز أمريكية واسرائيلية على المملكة وفق تسويات خاصة لفرض واقع تنتجه هذه المعادلة لكنه قد يقضي على المكانة السياسية والدينية للمملكة كونها بلاد الحرمين وعلى حساب المسؤولية التاريخية التي تقع على عاتقها مقابل ضمانات اقتصادية وآمن يظل تحت طائلة التهديد طالما تعرضت السياسات السعودية مع المشاريع السياسية والأمنية والاقتصادية للغرب.

 

إن اقتصار التصور حول سر ادعاء القوة والتهديد الحوثي على الدعم الإيراني وعمليات تهريب السلاح الإيراني إلى المليشيات الحوثية هو رأي كاذب ومظلل في الوقت ذاته فليست إيران وحدها المسؤولة عن تنامي قوة الحوثيين فهناك شركاء دوليين لها في هذا المجال وياتي الامريكان والبريطانيين على قائمة الداعمين لهم بناء على معطيات تساعدنا في فهم الغاية من تضخيم العدائية الحوثية تجاه المملكة العربية السعودية. 

فالحرب في اليمن لا تعني فقط حرب استعادة الدولة وانهاء الانقلاب وفق اللاعب الدولي بقدر ما تعني محاولة ارضاخ السعودية وجرها في صراع طويل يجعلها عرضة لابتزاز سياسي نفعي من قبل القوى الدولية وعلى المملكة ان تعي ان فاتورة اي تسوية سياسية مع الحوثيين تضمن بقائهم كركيزة امنية وعسكرية متحكمه من موقع جغرافي ملاصق لها يحمل وتهديدا مستمرا حتى وان ابدا الحوثيين تفاهمات حول ذلك حيث لا بديل لا للمملكة ولا للحكومة الشرعية في اليمن من حرب القضاء على الحوثيين وإضعاف قوتهم حتى اخضاعهم للقبول بالسلام وفق مشروع استعادة الدولة حتى وان بدا ذلك الامر مستبعد التحقيق للبعض وفق تجارب سابقة لكنه الخيار الوحيد الذي سيترتب عليه بناء أمن يمني وسعودي واقليمي ضامن للاستقرار وبناء السلام. 

 

إن ظهور زعيم المليشيات الحوثية مطلقا تهديداته ضد المملكة لا يوحي بالندية ولا بقوة الحوثيين بقدر ما يعبر عن توجه دولي مضاد ضد المملكة يتبناه الحوثيين وهذا هو سر الخطر في المشروع الذي يتم حياكته ضد المملكة تزامنا مع بعض الإجراءات الحكومية التي اتخذتها الحكومة الشرعية المتعلقة بالملف الاقتصادي والاجراءت البنكية الأخيرة التي سوف تقضي على حالة التماسك الاقتصادي الهش لمناطق سيطرة الحوثيين ويدركون فعليا جديتها في انهيار منظومتهم المالية والاقتصادية الورقة التي قد تنهي سلطتهم الفعيلة على اقتصاديات البلد والتحكم فيها مما سهل على اللاعب الدولي توجيه السياسة الحوثية لتكون أكثر عدائية وتهديدا للمملكة لجني ثمار هذا التهديد على حساب أمن اليمن والمملكة المشترك عبر تبني الإرهاب الحوثي وتضخيمه وتوجيهه لخدمة هذه السياسات. 

 

وتبقى المملكة وحدها القادرة على تجاوز هذه المشاريع عبر خلق أولويات تشاركيه حقيقية مع القوى اليمنية قد تتغير فيها قواعد واليات الشراكة والدعم وفق متطلبات المرحلة لخلق شراكة حقيقية لبناء الدولة واستعادتها وفق توجهات حقيقية بعيدا عن ثقافة الفيد والنفع والاستثمار في ملف الحرب وفق مصالح جهات وفئات يمنية وسعودية واماراتية بعينها كون التهديد متعاظم وأكثر خطورة.