دراسة منهجية لظاهرة الحوثية 2
بقلم/ أ. د/أ.د.أحمد محمد الدغشي
نشر منذ: 15 سنة و 6 أشهر و 19 يوماً
الأربعاء 29 إبريل-نيسان 2009 11:43 ص

عوامل الظهور وجذور التشيّع السياسي

يمكن تقسيم عوامل ظهور الحوثية وبلوغها هذا المدى من التأثير والانعكاس على الوضع العام في اليمن إلى عوامل ذاتية داخلية، انسجاماً مع المنطق القائل: إنه لا يمكن لأية فكرة قادمة من الخارج أن تجد لها قبولاً أو ترحيباً مالم يكن ثمّة استعداد ذاتي داخلي لدى أهلها وقابلية لاحتضانها ورعايتها ، وأخرى خارجية طارئة، مع الإشارة إلى أنّه يتعذر الفصل الكامل بين العاملين،كما يتعذّر إطلاق أحكام جزافية غير محقّقة من مثل أن العامل الخارجي هو الأساس، والفكر الحوثي نسخة مطابقة لغيره، فالحق أن ثمة تداخلاً لا يخفى على متابع جيّد- كما سيتضح لاحقاً. ويبدأ الباحث بالعوامل الذاتية الداخلية، وذلك على النحو التالي:

أولاً العوامل الداخلية:

1-جذور التشيّع السياسي:

لا شك لدى المؤرخين أن الفرقة الزيدية المشار إليها آنفاً تمثِّل واحدة من فِرق التشيّع، وإن كان السائد في أدبيات أهل السنّة أنها الأعدل والأكثر قربا،ً من بين فرق الشيعة الأخرى. وإذا غضضنا الطرف عن التراثين الجعفري الإثني عشري الإمامي والزيدي بما فيه الهادوي،من حيث الخلاف الكلّي الشهير بين المذهبين، لتتجه أنظارنا صوب الواقع السياسي - على مدى العقود الثلاثة الماضية تحديداً- فسنلفى تقارباً ملحوظاً بين فرقة الزيدية الهادوية المعاصرة حيناً، والزيدية الجارودية حيناً آخر، وبين الفرقة الأشهر والأكثر اتساعاً وهي الشيعة الإمامة الجعفرية الإثني عشرية، من خلال أرضية التشيّع بصرف النظر عن اختلافه طبيعة المذهبين وفلسفة كل منهما .أجل إن مسألة حصر الخلافة أو الإمامة- على سبيل المثال- من المسائل المشتركة بين الفرقتين الكبريين في العالم الإسلامي وهما أهل السنة والجماعة من جهة والجعفرية الإمامية الإثني عشرية من الجهة الأخرى، من حيث عدم الالتفات إلى معايير العدالة والكفاءة والمساواة والحرية من الأساس لدى الإمامية، إذ تعدّها محصورة في اثني عشر إماماً معصوماً، أولهم علي بن أبي طالب- رضي الله عنه-( ت:40هـ)، وآخرهم محمّد بن الحسن العسكري المختفي- حسب اعتقادهم- في سرداب بسامراء العراق، لحين خروجه( يقال إنه ولد: 255هـ، ولا يُعرف تاريخ دقيق لاختفائه)، فيملأ الأرض عدلاً، بعد أن ملئت جوراً، وبذلك فهو المهدي المنتظر عندها، في حين لا يلتفت جمهور فقهاء أهل السنة إلى تلك المعايير إلا بعد توافر شرط القرشية أولاً في الخليفة أو الإمام. لكن سيغدو- في نظر الباحث- من قبيل تسطيح الأحداث استنتاج أن الأمر كذلك بالنسبة للزيدية الهادوية المعاصرة – دعك من الجارودية- في سياق الحديث عن تداخل العوامل الداخلية بالخارجية، حين تحصر حق الخلافة أو الحكم في البطنين (الحسني والحسيني)، في ضوء جملة من المعطيات التي تؤكّد قيام علاقة تأثر معاصرة بالفكر الإثني عشري في بعض الجوانب، وأبرزها الجانب السياسي.

 ما يريد الباحث أن يخلص إليه في هذا السياق أن أرضية التشيّع بين المذهبين الجعفري الإمامي الإثني عشري وبين الزيدي الهادوي قد ساعدت على تقارب في الوجهة بين المذهبين في الجانب السياسي – على سبيل المثال على نحو ما سيتم تناوله بقدر من التفصيل عند الحديث عن العوامل الخارجية الطارئة-. ومع أنه من المقرّرات السائدة في الفكر السياسي الزيدي الهادوي مسألة الحصر في البطنين تلك؛ إلا أن ما يتردّد أحياناً من أحاديث على ألسنة بعض رموز التيار الحوثي أو الذين يعلنون تعاطفهم مع أطاريح الحوثي ومطالبه، ممن يؤكِّد انتسابه إلى المذهب الزيدي، وإصرارهم على أن تلك مسألة تاريخية، وأن الدستور والقانون هما اليوم المرجعان الحاكمان لمسار العلاقة بين الحاكم والمحكوم، أمر يثلج الصدر حقّاً، بيد أنه لا يستقيم مع تصريحات أكبر تلك الرؤوس وهو المرجع الشيعي الزيدي الأعلى بدر الدين أمير الدين الحوثي (والد حسين) - على سبيل المثال-، حين صرّح بمسألة الحصر تلك،رغم محاولاته- في حوار صحفي شهير- تجنّب ذلك، كلما حوصر بسؤال، لكنه اضطر للإعلان بما يعتقد صحته، ولم يقوَ على المداراة، والتعلّق بأهداب نصوص الدستور والقانون.

وحين أبدى مرونة نسبية في إجازة حكم غير الهاشمي وجّه إليه الصحفي سؤاله قائلاً:" أعتبرها فتوى منك، أنه يجوز أن يحكم أيَّأً كان، ولو من غير آل البيت؟" فأجابه بدر الدين الحوثي بتفصيل ذلك قائلاً :": هناك نوعان، نوع يسمّى الإمامة وهذا خاص بآل البيت، ونوع يسمّى الاحتساب، وهذا يمكن في أي مؤمن عدل،أن يحتسب لدين الله، ويحمي الإسلام ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ولو لم يكن من البطنين" فسأله الصحفي :كيف توفِّق بين هذين النوعين ؟فأجاب:" لايوجد تعارض لأنه إذا انعدم الإمام يكون الاحتساب"( حوار صحيفة الوسط مع بدر الدين الحوثي ، مرجع سابق ).

إن هذا الحوار يمثّل مصدراً هاماً في معرفة منهجية الفكر السياسي الحوثي، إذ يقدّم المرجع الشيعي بدر الدين الحوثي فكرة أقرب ما تكون إلى ولاية الفقيه- وإن لم يقصد حقيقة هذا المدلول وأبعاده ومآلاته بالضرورة- تلك التي أتى بها الإمام الخميني للخروج من السلبية التي ظلت ترزح تحتها الإمامية الإثني عشرية طيلة تاريخها المديد، حيث عطّلت الحياة، فلا إقامة صلاة جمعة، ولا جهاد، في ظل غيبة الإمام (الشرعي) الثاني عشر، فارتأى الخميني أن يقدّم نظريته المعروفة بـ( ولاية الفقيه)، ليتمكن مذهبه من التفاعل الإيجابي مع الواقع السياسي والاجتماعي ، عوض الانكفاء الداخلي إلى حين يخرج الإمام الغائب من سردابه، وليس ثمّة تاريخ محدّد لذلك! ومهما يكن في ذلك من معالجة مؤقتة لمشكلة تاريخية ودينية مؤرقة، سواء لأتباع الإثني عشرية أم الهادوية القائلة بحصر الإمامة في البطنين؛ فإن ذلك لايعدو إجراء استثنائياً لا يغيّر من حقيقة أن الأصل هو الحصر في اثني عشر إماماً عند الإثني عشرية أو البطنين عند الزيدية الهادوية، وفي ذلك إشكال حقيقي عبّر عنه العلامة الحوثي بقوله "الانتخاب والديمقراطية طريقة لكن الإمامة طريقة ثانية". بل أجاب في موطن لاحق من الحوار ذاته إجابة ذات دلالة جليّة حين سئل :"أنت كمرجع شيعي موجود : هل تقرّ بشرعية النظام القائم؟" فأجاب:" ما علينا من هذا الكلام لا تحرجني "( المرجع السابق).

والباحث وإن كان لاينازع في أن بعض الاجتهادات التاريخية لدى السنة والشيعية – على حدّ سواء- مما فرضته أحداث أو وقائع تاريخية معيّنة، تدفع الفقهاء الواعين،من الفئتين، لأخذ العبرة منها، لا الدعوة إلى إحيائها وإعادتها جَذِِعة اليوم، وكأننا لا نعتبر، بل نريد أن يَعتبر بنا الجيل القادم- لاقدّر الله-، بيد أن حديث المرجع الزيدي الأعلى عن أمر الولاية بهذا الوضوح والصراحة، مما لا يجوز التقليل من شانه، بوصفه مرجعاً دينياً لايصدر أتباعه في أي من حركتهم العبادية أو السياسية التي تثير الجدل أو النزاع إلا وقد اطمأنوا إلى موافقته على ذلك. من هنا يتفهم الباحث ذلك الحرج البليغ الذي أوقع بدر الدين الحوثي أولاده وأتباعه فيه بعد هذا الحوار، مما دفع ولده عبد الملك ليبعث رسالة إلى رئيس الجمهورية -بعد نشر حوار والده وما أحدثه من تداعيات سلبية على الفكر الحوثي ودعاته أمام الدولة والنخبة وعموم المتابعين- حتى من المتعاطفين مع حركته- يؤكّد فيها التزامه وحركته بالنظام الجمهوري والدستور والقانون، وأن ماصدر عن والده في حوار صحيفة الوسط إنما هو حديث عن نظرية زيدية ،دون أن يقصد السعي من وراء ذلك إلى تحقيقها على أرض الواقع، نظراً لخطورة المرحلة. وأبدى استعداده وأتباعه لمد يد السلام والوئام إلى الرئيس( راجع نص رسالته بتاريخ 25\5\2005م في: عادل الأحمدي، ( وثيقة)، مرجع سابق، ص 373-375)، كما نوّه في آخر رسالته إلى أنه- أي عبد الملك- كان قد أرسل تعقيباً على مقالة والده نشرها في صحيفة الوسط ذاتها، بعنوان (المرحلة ليست مرحلة الإمامة)(يمكن مراجعة مقالته في الوسط نت).

* أستاذ أصول التربية وفلسفتها المشارك كلية التربية- جامعة صنعاء