الزوجة العربية والثقافة الجنسية
بقلم/ متابعات
نشر منذ: 12 سنة و 10 أشهر و 24 يوماً
الخميس 22 ديسمبر-كانون الأول 2011 06:34 م
 
 

من المتوقع أن هناك الكثير ممن يرون الموضوع لا يستحق الطرح، ليس من باب العلم بتفاصيله، وإنما تعبيرا وهميا على الترفع وتمثيلا مزيفا ومسفا للورع، المفارقة لدى هؤلاء أنهم أول من يستقطبه هذا الموضوع، يطالعون مقالاته أو يدققون في كتبه خلسة كأنما يرتكبون جرما؛ بل لو وقفوا في لحظة صدق مع الذات لوجدوا أنه يتناول جزءا مركزيا من حياتهم في غاية الحساسية، قد يعالج بعض نقاط الظل، أو يفك بعض العقد التي يتخبط فيها المجتمع العربي.

كنت أستمع لحوار بين سيدتين طاعنتين في السن، تتحدثان عن فلان الذي عاد من دولة غربية حيث كانت له زوجة أوروبية، وأجبره والده على الزواج من ابنة عمه، سرعان ما وقع الخلاف ورمى عليها يمين الطلاق، والسبب كان مقنعا بالنسبة لهاتين العجوزين، ففلان هذا يقول: مع زوجتي الأوروبية كنت حين آوى إلى فراشي وابتغي منها ما يبتغي الرجل من المرأة، أجد جسدا لا يحجبه عن بصري ويدي إلا لباس شفاف ناعم، سرعان ما ينفلت عنها، تداعبني مثلما أداعبها، تلاعبني تستفز كل شبر من جسدي، كأنما هي في شوق ليس لكلي ولكن لكل جزء مني، تعرفت بذكائها الفطري وتجربتها معي، لنقاط في جسمي تستنفر طاقاتي وتفجر حاجتي إليها، وأحيانا كثيرا هي التي تبادرني، فنقضي معا أمتع لحظات الحياة وأسعدها، أشعر بعدها كأنما ولدت من جديد، كل الهموم قد هوت بأناملها من على كاهلي، وأما هذه ابنة عمي، فحين آوى لفراشي أجد بيننا خزانة ملابس، ترادف أثوابها كأنما سريرها القطب الشمالي، لأجدني مضطرا لدخول معركة انتزاعها، تخور طبعا على إثرها قواي، فضلا عن تبخر الرغبة إليها أصلا، فأقع عليها كالبهيمة وحالها معي كعجز نخل خاوية، جثة لا حراك ولا حياة، والأدهى ذلكم الحياء الصناعي المفتعل، والحال أني لا أريد إلا ما أحل الله لنا، فتمنع الإضاءة الخفيفة الرومانسية وتحرمني النظر إلى تفاصيل جسدها، وتتمنع كذبا من النظر إلي، والأحلى من كل ذلك حين تقول لي: 'عيب يا رجل'، وحين أعيت الرجل الحيلة بعد ستة أشهر من الزواج طلقها وعاد لزوجته الأولى.

قد يبدو الأمر للوهلة الأولى سخيفا وتافها، لدى من يتصنعون الورع، ومنهم من يستنكر على فلاح مثلي تطفله بهذا الشأن، غير أن هذا الموضوع تحديدا لا يشترط ذلك، ثم لو أن هناك دراسات جدية على أسباب الطلاق في العالم العربي لوجدوا نسبا عالية، كما تذكر الصحف، مردها الجهل المطبق بأصول وقواعد السلوك الجنسي الإنساني. ذلك على الأقل ما أشارت إليه صحيفة المدينة 15/11/2011 في دراسة جامعية انتهت الى نسبة الطلاق في السعودية تجاوزت 55 بالمائة لأسباب جنسية بحته استدعت الرجال لعلاجها بفتوى التعدد، التي وافقت عليها الهيئة القضائية بنسبة 35 بالمائة ؛ كما استعرضت صحيفة ' الشروق' الجزائرية قبل ذلك في 10/02/2009، ما أكده مدير أول عيادة جزائرية مختصة في إعادة التأهيل، بأن أكثر من 50 ألف علاقة زوجية دمرت تماما نتيجة مشاكل جنسية لا غير، يعني 100 ألف ضحية دون اعتماد الأبناء وبقية أفراد محيط الطرفين. ومن يستهين بهذه الأعداد التي تزيد باضطراد، فإنما يعبر فعلا عن جبن لمواجهة الواقع وانعدام المسؤولية الاجتماعية.

والمفارقة هنا أن رسول هذه الأمة صلى الله عليه وسلم قد أشبع هذا الموضوع أحاديث تفصيلية، ترقى بسلوك الزوجين إلى أعلى المستويات، تربية وتعليما وتوجيها ما يغني عن الحاجة لغيره، وفيما ورد في سنته الشريفة عن أمهات المؤمنين ما يكفي كل متنطع لغيرها، وكذلكم ما جاء عن الصحابة الكرام، والكل يصب في ذات النقد الذي جاء على لسان الرجل في مقدمة المقال؛ ولعل المرء يكتفي بما ورد عن عطاء بن رباح وهو من أئمة التابعين حين سأل أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، عن جواز التمتع بالنظر قالت: 'كنا نغتسل مع رسول الله في إناء واحد'؛ وهو ما أكدته كذلك أم سلمه وميمونة رضي الله عنهما؛ ولكم أن تتصوروا هذه اللوحة البديعة، التي أعطاها رسول هذه الأمة في المعاشرة الزوجية، والتي يستحي بعضنا من ذكرها فضلا عن ممارستها جهلا وبلادة؛ أما عن جواز الملامسة ومداعبة كل أعضاء الجسد، فقد اعتبرها صاحب المذهب الإمام أبو حنيفة أعظم أجرا، واستدل بعض العلماء عن ذلك بالحديث:' وفي 'بضع أحدكم صدقه '. ويمكنني هنا القول بان رسول الله لم يترك صغيرة ولا كبيرة بشأن العشرة الزوجية إلا وفصلها، وضرب أبدع الصور الرومانسية مع زوجاته، وارتقى بسنته رافعا السلوك البشري بهذا الخصوص إلى أعلى درجات المتعة وإشباع الحاجة، جامعا بين اللقاء الروحي والجسدي في تلاحم ما كان ليكون إلا من نبي متميز حقا.

ختاما أقول للزوجة العربية، إن شهوة الجنس أقرب مثلا بشهوة الأكل، فكما يقتضي الطعام إعدادا جيدا وطهيا وبهارات وعقاقير، ثم عرضا جيدا وروائح زكية، تفرض على من يوضع بين يديه أكله بشهية ونهم، ويمكنه بتوفر تلك الشروط أن يستلذه فعلا؛ والمواد ذاتها لإعداده لو اجتمع بغير توفر تلكم الشروط من الطهي الجيد والعرض الجذاب والروائح الطيبة، لعافه صاحبه ولن يتناول منه إلا القليل ليبقى في النهاية جائعا، وبالضرورة الفطرية يبحث عن حاجته في أي مطعم. أذكى النساء وأكرمهن تلكم التي تنزع عنها الحياء كليا كلما خلعت ثوبها في خلوتها مع زوجها، وتطلق عنانها معه كأنما طفلين لا يعكر لحظتهما تلك خجل ولا حياء وحدود الا التي بينها الله نصا، تكون مقدمتها منظر يأخذ ببصر الزوج، يمحو منه ما لقيه خارج عالمه الصغير، وما أوسعه وأكثر فتنه، وروائح كريمه يعبق بها محيطه وسكنه؛ واسألي نفسك : إذا تناولتي طعاما شهيا حد الشبع، ثم خرجتي الى الشارع وصادفتي رائحة شواء تنبعث من أحد زواياه، هل تثور فيك شهوة الأكل ثانية، أم كما يعرف الجميع تضعين يدك على أنفك كراهة؟

* اسماعيل القاسم الحسني