آخر الاخبار

وثيقة مسربة تفضح أخطر أزمة تواجهها المليشيات حالياً وتزداد حدة في كل يوم يمر تفاصيل لقاء (حوثي - إيراني) تم اليوم في دولة خليجية الكشف عن سر دقة هجمات المسيرات الأخيرة لحزب الله ضد إسرائيل الريال اليمني يسجل انخفاضاً كبيراً أمام الدولار والريال السعودي مباحثات يمنية أمريكية بواشنطن لدعم الجيش الوطني والتصدي لهجمات الحوثيين تعرف على ديون أفقر 26 دولة بأعلى مستوى منذ 18 عاما ... بينها اليمن رئيس مؤسسة الشموع للصحافة يكشف عن قيام 14 قاضيا برفع شكاوي لا أساس لها ضده ويصف القضاء بأنه تحول إلى ساحة صراع سياسي لتصفية الحسابات الفريق علي محسن: ثورتا 26 سبتمبر و14 أكتوبر توحدتا لتمزيق قيود الإمامة والاستبداد والاستعمار ومضتا نحو اليمن الكبير توكل كرمان: لن ننسى الغدر بالوحدة في حرب 1994 والإخلال بشراكة دولة الوحدة.. والجنوب اليوم غافل عن ثورة أكتوبر ومناضليها وزير الدفاع: قوات الجيش جاهزة للتحرك باتجاه صنعاء .. تصاعد نبرة التهديدات فهل يقترب اليمن من استئناف الحرب الداخلية؟

صلاح القاعدي والحنشان
بقلم/ راشد القاعدي
نشر منذ: 7 سنوات و 6 أشهر و 11 يوماً
الإثنين 03 إبريل-نيسان 2017 04:22 م


في قريتنا الشاهقة التي تنتعل السحاب لتطاولها على النجوم في السماء يغدو فصل الصيف ساحرا ماهرا يحيل قريتي فردوساً..
ويجعلني أنا وصلاح بالذات صَيفين آخرَين نمارس كل شيئ في حضرته ببذخ صارخ ، السهر ، الشعر ، الضحك، التفكير .. إلى درجة نكاد فيها أن نتحول إلى سحابتين تنداحان غيثا حتى تملآن سد وادي الثور .. 

ذلك الغربال المعلق بين قرني الثور والذي تمر مياه الأمطار من تحته وجوانبه دون أن يحتفظ بقطرة منها ليبقى شاهدا أن ما تم تشييده في عهد صالح ليس سوى سراب .. واستنزاف للأموال إلى جيوب عصابته .. 

****

كان صلاح يسمعني بضع كلمات بالإنجليزية مع معانيها بالعربية وكنت أسمعه بيتين من الشعر .. على أن يفاجئ كل منا الآخر بطلب تسميع ما قرأه عليه بعد ساعات أو أيام .. هذا نوع من التحدي الذي كنا نمارسه فيما بيننا قبل أن تطغى الصرخة والزوامل على الشعر والانجليزية والتعليم و..و.. وتحيلها جميعا إلى الفعل ( كان )

ذات صيف .. وبعد الانتهاء من حصاد مزارعنا في الجبل ، قررنا النزول إلى وادي الثور لقطيف (حصاد ) مزرعته هناك .. 
ومن على القلعة الموازية لبيتنا هبطنا إلى الوادي مهرولين بعد العشاء كالهَبوب .. مؤخرة نعالنا تصطك بالأرض وتسحب الحصى من ورائنا كحوثي يحشد ما تيسر إلى ميدان السبعين ..

وصلنا قاع الوادي ، الحشائش بنوعيها اللينة والشائكة تمتد إلى ما فوق ركبتينا .. أصوات الحشرات والطيور على كثرتها لا نفقه تسبيحها .. 

نحن في وادي الثور وليس وادي طوى .. لو نادانا الله لقال لنا : انتعلوا إلى نعالكم نعالا أخرى . .

في أول خطوتين ببطن الوادي تسمرت قدماي ، واجتاحتني القشعريرة وكأن الشَعَر على جلدي استحال أمةً من النمل تدب على جسدي .. وفجأة أمسكت بصلاح : أوبه من الحنشان .. عندي احساس غريب الليلة .. أحدنا سيبكي الآخر .. 

صلاح، لم يتسع الوادي لضحكته بعد سماع تحذيري كعادته عند سماع تنبؤاتي.. 

لقد كان صيفي الضحك في اللحظة التي استحلت فيها أنا إلى شتاء قارس .. أخذ يمشي في الوادي مترنحا يمنة ويسرة لشدة سخائه بالضحك .. 

لم تكن ضحكته نتاج عدم إحساس بالخطر .. كلا .. فهو أيقظ من عرفت .. غير أنه يسخر من الأخطار بطريقته .. إنه فوق الأخطار . 

حينها أخذت أنا أمشي بحذر ، انتقي خطواتي انتقاءً كمقاوم في جبال نهم يحاذر أن يطأ لغما حوثيا .. يتقدم خطوة خطوة محتفظا بالخطوة الأخيرة التي يطأ بها الرأس الذي يزرع الألغام ..

في مزرعة جدي ( علي بن علي ) التي هي بجوار زرعهم ، كررت التحذير لكي يأخذ الأمر بجد وينقطع عن ضحكه الذي بدأ يغيضني به .. لكنه يستمر في سخريته من الأخطار .. 

ولجنا مزرعة والد صلاح ولا يزال صيفا ضاحكا ولا أزال أنا شتاء قارسا منذ الخطوة الثالثة في بطن الوادي ..

شرعنا وكشافات الضوء على رؤوسنا في ( تطويف ) القات وتفحصه غرسة غرسة لنعرف من أيهن نبدأ الحصاد حسب العادة في البلاد ..

القشعريرة التي أحالت شعر جسدي إلى نمل يدب على جلدي قبل لحظات هي نفسها التي أحالت النمل إلى عقارب تنهشني ولكن هذه المرة تحت جلدي .. 

بدأت أعرق رغم أنف الشتاء الذي استحلته قبل قليل .. 

متوترا .. أضرب بضوء الكشاف في المغارس واحدا تلوا الآخر ... 

وأخيرا ..

يالهول ما رأيت ..

تخشبت واقفا أو وقفت متخشبا ، لا يهمني أي العبارتين أبلغ تعبيرا ..

انتفضت حتى كدت أسمع أزيز مفاصلي ، ازدردت نصف كرة القات التي كنت ألوكها في فمي .. همست بصوت متوسط : صلااح .. ثعبان والله والله أنه ثعبان .. . صلاح يواصل ضحكه ، ألححت عليه ،سببته برفق ،، أحسَّ بجديتي .. فاقترب مني فإذا به يرى ثعبانا يطغى .. وعلى بُعد شبرين منه عِشٌ به بيضتان وبين العش والثعبان تقف عصفورة منتفشة الريش ، منهارة، تذود عن بيضتيها .. يا لها من صورة رهيبة لأم المختطف في سجون المليشيات ، تفتك حنشان الضما بأكبادها في الزنازين ..

في هذا الموقف الرهيب الفضيع بالوادي يهذي صلاح متلعثما :

_ أوووووه يا الله يا الله يا الله ..

الثعبان لم يكن من فصيلة حنشان الضما ( الحوثيين ) فهو لا يزال مترددا عن الإجهاز على العصفورة وبيضتيها .. ضميره يناديه بالتوقف عن ارتكاب المجزرة ..

كل شيئ في الغابات والوديان والصحاري يرفض أن يكون كحنشان الضما الحوثيين مهما تفاقمت وحشيته ..

ظللت أنا مسلطا الضوء على رأس الثعبان .. الثعابين تعمى من الأضواء كالحوثيين .

صلاح يلتمس عصا غليظة وما أكثرها في مزارع القات ، يمسكها بقوة ، يهزها تقديما وتأخيرا لإحكام ضربته القاضية .. صلاح أحكم ضربته .. طارت العصفورة فورا .. وتدلى الثعبان ممسكا بثلثه الأخير بساق شجرة القات الممتد أفقيا في الهواء ..

لا زلت أنا مسلطا الضوء على رأس الثعبان .. صلاح يسدد ضربته الأخرى .. يسقط الثعبان أرضا لافظا أنفاسه الأخيرة ..
وانتصر صلاح ..

وعادت العصفورة إلى بيضتيها وعشها ..

بعد أعوام في صنعاء .. أقول لصلاح : أوبه من الحنشان .. هناك خطر يقترب منك .. لكنه يواصل سخريته من الأخطار .. فهو أصلا لم يفعل شيئا يستوجب الحذر .. غير أنه صحفي يحب الحبر والنور والحوثيون كالحنشان تكره وتعمى من الأنوار ..

صلاح - الآن - يقبع في سجون مليشيات الإنقلاب منذ ما يربو عن عام ونصف من الزمن ودهرا من الألم ..

كل ما أتمناه أن أراه وأطبع قبلة على ناصيته الشامخة ورفاقه الصحفيين المختطفين .. وأتلو عليهم بيتين شعريين من نور، يطربون لها كثيرا .. ولكن هل سيسمعني صلاح ؟؟

ربما علي الجلوس في جهة معينة لأُسمعه من أذنه السليمة .. إذ أن إحدى إذنيه تلفت مؤخرا جراء تعذيب الحوثيين ..

كيف أتلفوها ؟؟

هل تتوقع أن أحد حنشان الضما دخل أذنه وأتلفها ؟؟ !!

ربما أو قد يكون ..