في وداع «راهبة الفن الشقراء»
بقلم/ عاد نعمان
نشر منذ: 13 سنة و 3 أشهر و يوم واحد
الأحد 14 أغسطس-آب 2011 02:04 ص
 
هند رستم
 

هاههـ هاااااااااا ... ضحكة استثنائية، ليست لها أخت، هي لواحدة دون غيرها. حتى وهي ترقص بفرح دائم كانت تضحك أو على الأقل تبتسم، المهم أن شفتيها لا تعرفا التلاقي. يتحرك جسدها بليونة حركة غصون البان لحظة مرور الرياح من خلالها، ترتخي شفتها السفلى لتكشف عن صف لؤلؤ وتستطيل عينيها لتضحك الأخرى بدورها، وتظل ترقص لتمنح من حولها لحظات من السعادة والفن، وشعور بالإغراء... إغراء بعيد كل البعد عن الابتذال، إغراء نظيف كما وصفه الكثير من السينمائيين والنقاد، إغراء هذب أرواح كثير من الرجال الذين عاشوا عشاقًا للسينما المصرية ولفنها الراقي والجميل.

هند رستم ... (مارلين مونرو الشرق) أو كما عرفت في الوسط الفني والشعبي بداية ظهورها بـِ (شقراء الشرق)، هند التي كانت وما زالت وستظل ملهمة كل ممثلة واستعراضية ومغنية وراقصة تبحث عن المجد وتريد التربع على عرش الإغراء العفوي لتسجل رقمًا صعبًا لا يمكن الاقتراب منه، وكثرت المحاولات ولكن بقيت هند وحدها هناك دون غيرها. ولعل أشهر تلك المحاولات والأكثر وضوحًا مؤخرًا الدور التمثيلي الذي لعبته المغنية والاستعراضية اللبنانية هيفاء وهبي بفيديو كليب أغنيتها (تيجي إزاي؟) بعدسة المخرج المصري هادي الباجوري كمحاولة لمحاكاة أحد أبرز أدوار السيدة هند في السينما المصرية (هنومه) في فيلم(باب الحديد) الذي أخرجه وشارك بتمثيله المخرج المصري العملاق يوسف شاهين.

هيفاء وهبي وغيرها العديد من الفنانات والممثلات المصريات والعربيات تأثرن كثيرًا بشخصية هند وطريقة تمثيلها والخط الذي التزمت به وتميزت فيه، فصرن يقلدنها بقصد وبدون، بطريقة لبسها للفساتين السواريه ( soirées ) الضيقة واللصيقة بجسد منحوت بإتقان وارتداها للجونتي ( gloves ) في إحدى يديها ومن طريقة مشيها المتبخترة الدلوعة أو طريقة وقفتها وهي تدكي بيدها التي تمسك بالسيجارة على الطاولة بينما الأخرى تضعها على خصرها. كابرن طويلًا، وقلة هن من اعترفن بسحر جمال هند، ففي الجهة الأخرى كانت الغيرة من جمالها الرباني وأداءها التمثيلي المبهر الآخذ للعقل والذي جعل الكثير من الرجال يقعون في غرامها في التمثيل والحقيقة.

لن أكذب وأقول أنني أعرف هند عن قرب أو أنني من متتبعي خطها السينمائي من خلال ما كتب وقرأته عنها في الصحف والمجلات الفنية، أو ما وصلني عن جمالها وإغرائها في أحاديث الأهل والأصدقاء، كان يكفيني أن أحضر لهند دور واحد فقط - بطولة أو ثانوي -، كي أتولع بهند الممثلة وأصير واحد من عشاقها وأظل اسأل من بعدها وأهتم بالتأكيد عن اقرب فرصة يعرض فيلم مثلت فيه. كيف لي أن أنسى دور(هنومه) في واحد من أهم 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية، فيلم (باب الحديد) أمام وحش الشاشة فريد شوقي والمخرج الكبير يوسف شاهين أو استعراضاتها الملونة بألوان الربيع في فيلم (شفيقة القبطية) أو دورها الشرير كزوجة أب لعوب في فيلم (لا أنام) تقاسمت البطولة فيه مع نخبة من كبار ممثلي وممثلات السينما فاتن حمامة ومحمود مرسي، ومع شكري سرحان ورشدي أباظه واحمد مظهر وزهرة العلا ومريم فخر الدين في فيلم (رد قلبي)، أو خفة دمها مع صانعي الضحك في السينما المصرية إسماعيل ياسين وزينات صدقي وتوفيق الذقن في فيلم (ابن حميدو)، أو رقصها الجميل في القطار على أغنية فريد الأطرش (يا مجبي يوم وليلة) وفي البادية على أغنية(زينة) بثنائية فريد وشادية في فيلم (أنت حبيبي)، أو مناجاتها بالسؤال لرشدي أباظة(ريس مجاهد،،، إمتى المركب هتوقف؟) في فيلم (صراع في النيل) مع عمرو الشريف.

عدد محدود من الممثلات العربيات عامة والمصريات خاصة قدمن شخصيتهن الحقيقة عبر أدوار لعبنها في الأفلام، وهند هي من أوائل الممثلات اللاتي قدمن بشجاعة شخصيتهن الحقيقية في الأفلام، لم يكن عليها سوى أن تطلق العنان لنفسها لتقدم حياتها الطبيعية، هنا فقط يتحد الإنسان في حياته الخاصة مع الإنسان الفنان ليقدم الحقيقة وليس التمثيل. هند التي جمعت بين خفة الظل وروح النكتة والجمال الذي يشع حيوية لينعش من حوله، ليتعلق بغرامها الرجال. حتى وهي تتحدث إلى حبيبها في الفيلم، للكلام عمق ونغمة حب خاصة، فكلمة أحبك من شفتي هند تعني الكثير في عالم العشق، لتثير غيرة الضرة أو من تنافسها على حب ذلك الرجل الذي يقف بينهما، لتموت غيضًا وقهرًا، طبعًا في التمثيل.

باعتقادي أن فيلم (إشاعة حب) قدم هند رستم للجمهور العربي كما هي بكافة نواحيها الشخصية والفنية، هند الممثلة والاستعراضية والراقصة المشهورة، التي يلحق بعدها الرجال ليتسابقون على كسب حبها والفوز بقلبها، ظهر ذلك واضحًا على وجه كل من يوسف وهبي وعمر الشريف أو على وجه كل من استقبلها من عشاقها في الميناء وأمام الفندق في ذلك الفيلم، فقد أخذتهم هند برحلة سريعة إلى عالم الجمال والإثارة، حتى ذلك الطفل الذي قدمته للجمهور في العرض المسرحي، قد وقع في غرامها ليقبلها كما قبلها الكبار من قبل. لم تخفي كل ممثلة في ذلك الفيلم غيرتها من جمال هند وتعلق الرجال بحبها، بعضهن حاول منافستها وتحديها في حب الرجال والسعي بعدهم لإغاضتها وهزيمتها، نعم لقد أشعلت أنوثتهن وأطلقتهن في مسابقة معها دون أن تفتعل ذلك. فالشغالة قلدت هند في لبسها المغري وحديثها السالب للعقل ومشيتها المتقصعة - كما تصفها أخرى احترقت غيرة منها في الفيلم – حتى سندريلا الشاشة سعاد حسني قلدتها في كل تفاصيل أناقتها وبطريقة إمساكها بالسيجارة بإحدى يديها بينما تصفف وتطبطب على لمة شعرها باليد الأخرى، لترمي الرجل الذي يقف أمامها (عمرو الشريف) بنظرة حب مغلفة بنكهة إغراء بريئة. إلا أنه في نهاية الفيلم تعود كل واحدة منهن إلى حياتها الطبيعية لتكون امرأة أخرى وتبقى لا تشبه هند.. (ملكة الإغراء النظيف).

إذا كان الرقص هو لغة الجسد كما قال الفيلسوف اللبناني جبران خليل جبران، فإن هند هي لغة الجسد، فكل جزء من جسدها يحكي قصة مختلفة لممثلة لم يكن لها منافس فيما قدمته. استغربت من رأيها ولكنني أثق به جدًا كون صاحبته واحدة من أهم الكتاب في اليمن عن السينما العربية والعالمية وأحد المهتمين بذلك المجال، تقول الكاتبة هدى جعفر «قدرات هند التمثيلية بسيطة، ولا أجدها بذلك الجمال الذي يتحدثون عنه، إلا أن وجهها فوتوجونيك تحبه الكاميرا، وتبقى هند مهمة لأي سينما في العالم», وتضيف «ليس من المفروض أو الصحيح أن نقول ممثلة إغراء، لأن الإغراء كالفرح والحزن والكثير من غيرها حالات لا تصنف الممثل وتبقى حالات تمثيلية متعددة. ما نحترمه في هند أنها اكتفت في عمر معين بما قدمته واعتزلت الفن وليس ككثيرات غيرها نسفن بأدوار جديدة ما قدمن في مراحل سابقة».

ويقول أحد عشاقها الصحفي نعمان قائد «ودعت السيدة هند رستم الحياة, ولا أظن بأنها ستغادر يومًا ذاكرة من أعجبوا بأدائها الإغوائي/العاطفي الرفيع, فقد لعبت (تمثيلًا طبعًا) بعقول نجوم ومشاهدين والأرشيف حافظ أمين لتاريخ فنها الجميل».

«لم يكن إغراء هند بالتعري، ولكن بفهمها لفلسفة الإغراء، الإغراء نظرة والصمت مثير، وهي بذلك ابتعدت عن سذاجة عرض الجسد» هذا ما قاله مخرج الروائع حسن الإمام بشهادته عن هند، والذي يعود له الفضل بتقديمها بالصورة التي عرفت بها، وهو الذي تنبأ لها بأنها ستلمع في أدورا فتاة الليل، ابتداءً من مشهد وحيد في فيلم (الملاك الظالم)، الذي كان سبب انتباه حسن الإمام لموهبة وإمكانات هند، الذي شعر أنها مختلفة ونادرة، لا تقلد أحد، لا شبيه لها في السينما المصرية، فهي نموذج صارخ للمرأة الجميلة المثيرة وتمتلك طاقة فنية هائلة، وأقتنع بها أكثر بعد أن شاهدها وهي ترقص باحتراف في إحدى المناسبات، ليكتب لها خصيصًا فيلم (بنات الليل)، ومن ثم قدمها في أفلام (بنات حواء) و(الجسد) و(حب في الظلام). نجاح هند في كل تلك الأفلام أغرى حسن الإمام، بعد أن أصبحت هند منافسة وندة قوية لجميلات السينما المصرية بسبب تحقيق أفلامها أعلى الإيرادات في شباك التذاكر، مما جعل المنتجين يتهافتون عليها لكسب ودها، وهذا ما جعل حسن الإمام يصر على الاستمرار مع هند، فقدمها بعد ذلك في 5 أفلام متتالية، أهمها على المستوى النقدي فيلمي (شفيقة القبطية) و(الراهبة). دور الإغراء الذي قدمته في فيلم (الجسد) عام 1955م جعل النقاد يعجبون بها بشدة ويكتبون عنها أنها ريتا هيوراث الشرق التي كانت في قمة مجدها ذلك الوقت، ليطرح أسمها بقوة في الوسط الفني، وبعد أن قدمها المخرج الكبير صلاح أبو سيف في فيلم (لا أنام) بكثير من الجاذبية شبهها السينمائيين والنقاد والجمهور بنجمة الإغراء العالمي مارلين مونرو. لم تكن هند نجمة سينما عادية، فقد كانت تتقن التمثيل والرقص وتجيد اللغتين الإنجليزية والفرنسية بالإضافة إلى قوامها الجميل ووجهها الأجمل وشعرها الأشقر.

ومثلما كان للإمام الفضل بتقديمها كممثلة إغراء، كان له الفضل أيضًا بإخراجها من جلدها وساعدها على تغيير خطها السينمائي بأدوار مختلفة مع مخرجين حولت معهم دفتها ليكتشفوا في هند مواطن وجوانب مختلفة، سجلت هند علامات مضيئة في تاريخ السينما المصرية بتلك الفترة. أستغل فطين عبدالوهاب هذه التنوع في هند فأخرج لها (نساء في حياتي) و(اعترافات زوج)، وأستغل حركتها الأنثوية وابتسامتها الشقية في فيلم(ابن حميدو)، وعاطف سالم في(جريمة حب) وحسام الدين مصطفى في(بفكر في اللي ناسيني)، وسيف الدين شوكت في(رجل بلا قلب)، وعزالدين ذو الفقار في(رد قلبي)، وحسن الإمام في(قلوب الناس) عام 1954م، حتى أدوار هند الإغرائية تعددت وظهرت بأكثر من صورة، ولن ننسى هنا أن نذكر فيلم (إسماعيل يس في مستشفى المجانين) لعيسى كرامة، والذي قدمت فيه دور الإغراء العفوي والنظرات البريئة، والذي يختلف كثيرًا عن دور الإغراء الذي قدمته في (صراع في النيل) لعاطف الطيب.

يضيف حسن الإمام «لم تعتمد هند على أنوثتها الطاغية ولا على مناطق الإثارة بالتمثيل، بل قدمت نفسها بوصفها ممثلة تمتلك كل طاقات وإمكانات النجمات الكبار»، لتثبت من بعدها هند أنها ليست ممثلة الدور الواحد ولا تلعب على تنويع الشخصية الواحدة من خلال فيلم (كلمة شرف) أمام وحش الشاشة فريد شوقي، ذلك الفيلم الذي أثر في الحياة الاجتماعية المصرية وكان السبب في تغيير قوانين السجون في مصر. وفي فيلم (الراهبة) قدمت جزء من حياتها الخاصة عن المرأة المشهورة التي ضحت بحبها في سبيل العمل الاجتماعي.

كانت هند تعشق الأفلام المصرية والأمريكية، توقفت طويلًا أمام أدوار أمينة رزق وريتا هيوراث، داعب خيالها وأحلامها أن تتصدر أفيشات ودعايات الأفلام إلى أن وصلت واحتلت أدوار البطولة، إلى أن أكتشفها المخرج عزالدين ذو الفقار، الذي حسبها في أول لقاء بينهما أنها أجنبية، لتقول بكل فخر "أنا مصرية"، وليقدمها بعد ذلك في أفلام أمام عمالقة التمثيل ومن كانت تهواهم وتتابع أعمالهم باستمرار عماد حمدي ومديحة يسري.

32 عامًا في محراب الفن والتمثيل، 75 فيلم من العلامات المميزة في السينما المصرية، ظهرت في مشهد أو مشهدين على الأكثر في 17 منها، كانت تقول دائمًا (أنا متجوزة الفن)، لم تعش لحظة واحدة في الظلام، لم تتكبر على دور ولم تضع شروطًا في أي فيلم، سوى أن يكون العمل كبير ويضم نجوم لامعة يضمن نجاحه، أما مساحة الدور لم تناقشه مع أي مخرج ولم تساوم عليه أي منتج. في فيلم(غزل البنات) بطولة نجيب الريحاني ويوسف وهبي وليلى مراد قدمت هند دورًا صامتًا ككومبارس راكبة الخيل خلف كروان الشرق ليلى مراد وهي تغني (إتمخطر يا خيل)، بعد أن حذف المخرج الكثير من المشاهد الصغيرة التي لا تتجاوز دقيقتين لفارق السن بين ليلى وهند، وظهورها كومبارس في مشهد صغير جدًا في فيلم (أزهار الشوك) الذي قامت ببطولته شادية. وبقت من بعدها تقدم الأدوار في مشهد واحد فقط في كل فيلم تطل منه، أدوار مساحتها صغيرة وبأجر زهيد لا يتجاوز 2 جنيه مع وجبة غذائية بسيطة بعد كل يوم تصوير، إلى أن التقت المخرج حسن رضا الذي قدمها بدور أكبر قليلًا في فيلم(خيال امرأة) ومن بعدها دور البطولة في فيلم (العقل زينة)، بعدها توقفت وابتعدت عن الأضواء لفترة لتكون مؤسستها العائلية مع رضا، ولكنها لم تتبرأ من الفن وعادت من جديد في سلسلة من الأفلام، قدمها يوسف شاهين في أفلام (بابا أمين) و(أنت حبيبي) و(باب الحديد) في عام 1958م، وأحمد بدر خان في (عايزة أتجوز) وبركات في (رسالة غرام) أمام أهم نجمات السينما المصرية فاتن حمامة وسامية جمال ومريم فخر الدين وغيرهن.

توفيت راهبة الفن هند رستم أثر أزمة قلبية مفاجئة صباح الاثنين الماضي نقلت علي إثرها إلي برج الأطباء بالعجوزة في العاصمة القاهرة، بعد يوم كامل في العناية المركزة، ووارى الثرى جسدها بعد صلاة الظهر في مسجد السيدة نفيسة في القاهرة.

فقدت السينما المصرية والعربية واحدة من كبار روادها برحيلها عن عمر يناهز 82 عاما، لتترك ورائها تاريخا طويلا وأفلاما رائعة. ولدت هند في حي محرم بك في الإسكندرية عام 1929م، ورغم أن أمها مصرية ووالدها ضابط الشرطة من أصل تركي إلا أنها لم تذهب إلى تركيا سوى مرتين فقط في حياتها، ولم تشعر بحب كبير لبلد والدها، وورثت عن والدتها الجمال الفائق، بينما ورثت عن والدها الشخصية القوية والعزيمة، عانت كثيرا في طفولتها التي تشبه طفولة نجمة الإغراء العالمي مارلين مونرو بعدما افترق والديها، واختار كل منهما طريقا منفصلا في الحياة وشريكا جديدا، واختارت الابنة أن تعيش مع والدها لكنها واجهت قسوة زوجة الأب، كل يوم في طفولتها كانت تحلم بالخلاص من ظروفها الصعبة حتى باتت تحلم بأن تصبح ممثلة، كانت تعتقد أنها فقط مجرد أحلام.

لم تكن تتوقع هند أن وقوفها صدفة أمام إحدى دور صناعة السينما سيجعلها نجمة تسطع في سماء الفن، بعد أن أخبرتها إحدى الفتيات الكومبارس في الأفلام المصرية بأن هناك مخرج كبير يقوم بعمل اختبار كاميرا لبعض الفتيات لاختيار كومبارس لفيلمه السينمائي المقبل، كان ذلك المخرج عزالدين ذو الفقار. على الرغم من خوفها الشديد من عدم موافقة أمها، إلا أن والدها شجعها وكان يصطحبها إلى مواقع التصوير والاستوديوهات. كان الفن طريق لخلاص هند من أزمتها الحياتية للوصول إلى النجومية التي سهرتها ليالي طويلة لم تذق فيها النوم تحلم بأدوار البطولة في الأفلام. اعتزلت هند التمثيل في عام 1979م، بعد أن شاركت في آخر فيلم لها (حياتي عذاب) للمخرج علي رضا، كما تم تكريمها في مهرجان القاهرة السينمائي عام 1993م.

تزوجت هند من المخرج حسن رضا في بداية مشوارها الفني الذي ساعدها كثيرًا وأسند لها أول دور بطولة في حياتها السينمائية، وأثمر عن زواجهما عدد من الأفلام وابنتهما بسنت، التي كانت رفيقتها في رحلتها الفنية الطويلة، لم يدم زواجهما طويلًا لينفصلا ولتتزوج من الطبيب الراحل محمد فياض، الذي من أجله تركت الفن. لم تكن حياة هند رستم العائلية والفنية سهلة، فقد عانت كثيرًا ومرت بمنحنيات صعبة فبعد معاناتها من عذاب افتراق الأب والأم، عانت في الزيجة الأولى كثيرًا.

تقول الممثلة شمس البارودي «قدمت مع هند أول أفلامي وهو "الراهبة" وكانت تعتبرني مثل ابنتها بسنت، أقيم معها بصفة مستمرة وأتعلم منها كل شيء، كما قدمت معها فيلم "الجبان والحب" من إنتاج وإخراج حسن يوسف»، ويقول كاتب السيناريو وحيد حامد «رغم ابتعاد هند رستم عن الساحة الفنية منذ سنوات، ستظل أهم النجمات في تاريخ السينما المصرية، فأعمالها إلى وقتنا الحالي مازلت محفورة في أذهان المشاهدين مثل دور "هنومه" الذي قدمته في فيلم "باب الحديد"، ودورها الأكثر من رائع في فيلم "شفيقة القبطية"».

ربما لم تكن هند متعمدة بتقديم تلك الصورة التي رسمتها عنها لدى الجمهور من خلال أدوار قدمتها عبر أفلامها، ولكن المتتبع الجيد لخطها السينمائي والمهتم بفنها الانفرادي الذي لا يشبه غيره، سيجد أن ذلك التراكم الذي صنعته بأدائها هو كفيل بإعداد مادة ممتازة لعدة كتب تناقش إحدى الجوانب الاجتماعية المهمة في الأسرة بين الزوج والزوجة أو الحبيب والحبيبة، لعل أنسب الأسماء لتلك الكتب (كيف تحافظين على زوجك؟) أو (الطريق لتكوني أنثى مكتملة)، لتوصل رسالة ضمن عدة رسائل مهمة ومركبة. ولمن يريد أن يعرف أكثر فليشاهد فيلم(الزوج العازب) أمام وحش الشاشة فريد شوقي التاجر الغني والمتزوج بثلاث نساء ولديه كثير من الأولاد في الفيلم، والذي سعى طويلًا خلف المعلمة الأرملة(هند رستم) مالكة القهوة والمخبز التي أعلنت إضرابها عن الزواج بعد موت زوجها، لتتزوجه وتعلم بعد فترة قصيرة من أنه كذب عليها بعزوبيته، لم تسكت المعلمة عن كبرياءها وغشه لها ولم توافق على هجرانه لزوجاته وأولاده الذين كان يزورهم في الأعياد والمناسبات فقط، فراحت بالخفاء تتعرف على زوجاته وبالتعاون معهن قاطعنه وأجبرنه على التراجع عن نزواته، ليفهم التاجر (فريد شوقي) الدرس ويعود لزوجاته وأولاده، وتعود المعلمة لتجلس خلف مكتبها في القهوة وتدير المخبز. باختيار هند لهذا الدور وأدوار أخرى شبيهة له تقريبًا تضرب هند مثلًا جميلًا للنساء اللاتي يهملن أزواجهن على ضرورة الاهتمام بهم بالمتابعة، وليفهم الرجال أنه لا بد من المحافظة على التكوين الأسري بمراعاة حقوق زوجاتهم وأولادهم، بعيدًا عن الوقوع في نزوات الشقراوات.

قد أكون مقصرًا في حق هند الفنانة القديرة والإنسانة الجميلة في هذا المقال الذي لم يوفيها حقها الكامل، ولكنها مشاعري التي أبت أن تختبئ. فبعد وفاتها توقعت أن تتناول وسائل الإعلام مسيرتها الفنية أو على الأقل نقل عزاءها على القنوات الأفلام السينمائية، ولكنهم اكتفوا بخبر وفاتها بتفاصيله الصغيرة، لذلك كانت تلك السطور آنفًا ردًا لجزء بسيط من جميلها وصنيعها الذي ندين له بالكثير. وداعًا هند رستم ،،، وداعًا يا راهبة الفن، يا مارلين مونرو الشرق، يا شقراء الشرق، يا من تعلق بكل خصلة من شعرها الأشقر رجل. آية وداع تتلى على روحك الجميلة التي هذبت أرواح الكثير من الرجال وأشعلت غيرة وعقلت العديد من النساء.

al-meena1920@hotmail.com