كان الحوثيون..ومن هنا مروا
بقلم/ كاتب/مهدي الهجر
نشر منذ: 15 سنة و 3 أسابيع و 5 أيام
الأربعاء 21 أكتوبر-تشرين الأول 2009 05:37 م

يشهد الله أننا كنا ــ ولم نزل ــ نتألم بحرقة ومرارةإزاء كل قطرة دم تراق في صعدة وما جاورها سيان أكانت للحوثيين أو من أبنائنا في المؤسستين الأمنية والعسكرية .

فهي في النهاية دم من لحم يمني على ارض يمنية .

فبالنسبة للحوثيين ووقوفا عندهم فإنهم مهما باعدوا , وأفرطوا ، وخرجوا عن المسار ، واجتزوا ، ولعنوا ، فإننا لم نغايرهم بعد حد الشعور بالغربة ، بل نحس تجاههم بالنبض والتوليفة القريبة ذات الحميمية ، وكم كنا نرجوهم ونتمنى عليهم اليوم أكثر من أي وقت مضى أن لا يؤخذوا كأداة على حين تضليل لمشاريع أخرى ، وتقاطع مصالح مختلفة ، هم في النهاية من يدفع الثمن بكونهم وقودها .

في تقديري الشخصي من خلال المراجعة للمشهد الحاصل واستقراء المجموع المتراكم أن الحوثيين (المجاميع المقاتلة ) بسطاء ومساكين أقرب للبداوة وعقلية الأعراب ، وقعوا فريسة للخبثاء من أجناد الشيطان فغرروا بهم واستولوا على عقولهم من خلال البناء المتراكم والمتلاحق في اللاشعور أولا ،ومنهجية منظمة ومتتابعة من الإيحاءات ، كلها أحقاد وتزييف ، وبناء كراهية وصولا إلى النار الذي تشتعل بهم الآن وبغيرهم .

وأن التبعة في الأساس والجرم والجريمة تقع على مرجعياتهم الفكرية والسياسية القابعة في العاصمة صنعاء والمتغلغلة ــ بجزء كبير ــ في خاصرة النظام ، ومفاصل الحزب والسلطة ، بل وعلى بعد خطوات من كبد القرار .

هذه المرجعيات أو قل آيات الشيطان مع وسائطها المختلفة أعماها الحقد والكراهية وفتنة المذهب والسلالة عن استبصار الواقع ، بفقه استعادة المحطات المختلفة للتاريخ واستلهام الدروس ، فكانت في واقع الحال عمياء ،شمطاء ، بكماء ، مشوهة في كل شيء وهي تخطط وتبني وتنظم .

ليس القصد هنا الجانب العقدي والتغايرات الأخرى ، إنما ما يتعلق باستراتيجيتها ــ مصلحتها ــ هي، ومسارها ، ووجودها على الواقع بذات المشروع .

فالحصيف يدرك ولو بخلفية محدودة ، أن هذا ليس زمان الشيعة ذات الحدة ( الاسماعلية ، أو الإُثني عشرية) وأن هذه الأرض والبيئة لا يمكن البتة أن تكون ذات قابلية .

كما أن التاريخ في أكثر من محطة وبيئة يعطي نهايات كارثية لهكذا أنماط ، من عند الحشاشين ، والقرامطة، وعبدالله الشيعي في بلاد المغرب ، وحركات الخوارج ، وغيرها من ذات الراديكالية العمياء آخرها فتنة الشيوعية والماركسين في هذه البلاد وغيرها ، ويكرر نفسه أيضا وبذات الصيغة إن تكررت النمذجة .

وهي كلها نماذج من أوعزت وقضت على نفسها بالاستئصال وحملات التطهير ، فلم تعد لها من باقية ، وإن كان البعض منها استأسد لحين من الزمن لا يقاس في أعمار الشعوب ، إلا أن النهاية كانت عليها مروعة كما بدأتها وسنتها هي ، وقصها علينا كان يا ما كان .

هذه الحدة والجنون في حركة أي فكرة ، أو معتقد ، أو انتماء عرقي ، تلفظها الفطرة ،والمجوع أيضا ، فلا تستقيم لها ارض ، أو يبسق نبت ، لأنها بغير ذات قابلية .

كما انه كان يجب على المرجعيات أو الآيات في صنعاء أن يدركوا من خلال استقراء الواقع أن التعويل على إيران على الأقل في ظل الأوضاع والمتغيرات الحالية ليس في صالحهم أوفي صالح المشروع ألاثني عشري إقليميا أو دوليا بقدر ما يجيش عليهم التحالفات والنكبات .

كما أن الأمر اليوم لا يحتاج إلى نباهه في تملي هوية ووجهة المشروع الإيراني ، إذ أن الدلائل كلها تؤكد على انه صفوي فارسي في المقام الأول ، أما التلويح بورقة آل البيت عليهم السلام فليست سوى أداة لخدمة الاستراتيجية البعيدة الواضحة ، ولعل ما تقوم به إيران من تصفيات للمرجعيات التي لا تنتسب لقوميتها الفارسية في العراق والمحاولة الحثيثة لنقل المرجعية إلى قم ، فضلا عن توطين وترئيس العنصر الفارسي إلا دليلا فصيحا على نكهة وحقيقة المشروع الصفوي الفارسي الجديد .

والمحصلة هنا أن الذي أفاده المشروع ألاثني عشري في اليمن بآياته وبأداة الحوثية ليس أكثر من تعزيز وتمكين ابعد للاستبداد في المنطقة وبحماية وشرعية دولية ثم كونهم أداة لتصفية حسابات أطراف على بعضها في الداخل ، والاهم هو حمل الصراعات الإقليمية والدولية على ارض لا تحتمل صراع من هم في حد الريشة فكيف بمن هم في أوزان الفيل .

لكن لعل الله سبحانه وتعالى أراد باليمن خيرا في كيفية نحن لا نتملاها ما دام الغيب عنا بعيد ولا نعلمه ، إذ أذهب الله عن الاثني عشرية في اليمن بصيرتها ، ودفع بها لسوء نيتها وخبثها إلى الحمق وان تقتحم العقبة على عجل ودون حسابات وتروي فكانت هي قبل غيرها من حصدت رؤوسها قبل أن تنضج وتستوي فتنة ، وتسببت هي على نفسها بحصول هذا التعاضد الداخلي والإقليمي والدولي الذي تقاطع على أساس برجماتي صرف تحكمه الماديات والامتيازات أكثر من كونه قيمي إنساني .

وإلا فمن يدري كم كمية الدريلات التي كانت ستستورد لليمن لثقب الصدور والظهور ،وكم من الحرائر العفيفات التي ستباع في سوق المتعة ، وكم من المآسي والفتن ستكون لو سارت الآيات الفكرية والسياسية في اليمن على تؤده وتمهل تبني نفسها وتنتظر فرص تآكل وتهاوي النظام من داخله وتلك التي تترقبه من خارجه.

القصد- هنا - لا يذهب إلى التأليب والتحامل بقدر ما هي دعوة إلى التروي وإعادة الدقة في الحسابات من خلال الموازنة بين الأرباح والخسائر التي هي هنا قطعا وفي كل الأحوال خسائر محدقة وواقعة على مشروع الفتنة قبل غيره ، ثم تباعا على الدولة والشعب .

هذا النوع من الحسابات في ظل هكذا شطط ونتيجة ، من المؤكد انه كما سكن اللحظة وسحب نفسه على أكثر من محطة تاريخية ، فإنه كذلك إن استمر يتحسس نفسه على المستقبل ، لأن المقدمات تلد النتائج من ذات النسيج .

لم يبق إلا التحرر من غبش الرؤية وزيف الفكرة ، ومغادرة الأسطورة الفتنة إلى التعايش على أساس المواطنة للجميع على قدم المساواة وعلى قاعدة أكرمكم عند الله اتقاكم ، ودعوها فإنها منتنة ، وعلى تفعيل وتمتين المشروع الديمقراطي في ظل مسيرة سلمية وتدافع حضاري .

Alhager@gawab.com