|
كثرة الكتابات من خلال مواقع التواصل الاجتماعي وحتى كتابات في الصحف والمواقع حول صورة الضابط اليمني الذي اذرف دموعا بالامس القريب ، وتسائل الكثيرون وأنا منهم اهي دموع تماسيح ام حسرة على ضياع وطن؟
في مطلع الثمانينات كنت في بغداد أشاهد عبر التلفاز خطاب للرئيس صدام حسين اثناء الحرب العراقية الإيرانية ، وعندما ذكر الرئيس صدام الشهداء اغرورقت عيناه بالدموع ، بالطبع لا اجزم ان كانت تلك الدموع حقيقة ام دموع التماسيح ولكن في اليوم التالي امتلئت الصحف بمساحات مقالات وشعر عن دموع الرئيس ، أشهرها قصيدة لشاعر عراقي من المؤسسة العسكرية بعنوان ( دموعك سيدي) ولكن تلك المؤسسة العسكرية هي من خانت الرئيس صدام حسين ، وفي اليمن لاحظت بأن الشعب اليمني يحمل مزيجا من عواطف وأحسايس وسلوكيات متناقضة أيضا ففي الوقت الذي يستحق البكاء لا يبكون ، فالقائد القشيبي الذي لقى مصرعه في ظروف غامضة لم نرى حتى نعي وتأبين من القيادة السياسية بينما تتصدر كل نشرة أخبار في اليمن منذ سنوات خبر تعزية رئيس الجمهورية لأحد المواطنين ، القائد القشيبي لأنه لم يساير أنصار الله ويقوم بواجبه اعُتبر داعشي تكفيري رغم انه قائد عسكري وطني ضمن مؤسسة الدولة العسكرية ، و جريمته ان رفض إسقاط عمران بالقوة ، وبسقوط بوابة صنعاء مدينة عمران لم تقم لليمن بعد ذلك قائمة ، وسيدفع اليمنيون الثمن لسنوات طويلة ، وغداة سقوط صنعاء لم يبكي احد بل تلقى الجميع الخبر بذهول وتبلد مع ان تداعيات ذلك ستسمر لسنوات وربما لعقود فاليمن في سبتمبر الماضي تحول من حال الى حال فقد خلطت الأوراق ورفعت الأقلام وطويت الصحف وعاد اليمن للمربع الأول ، البكاء لايجدي نفعاً في عالم تتصارع فيه الإرادات ويتنافس المتنافسون ويتهافت المتهافتون على سلطة متهالكة أصلا والبكاء منذ حكومة باسندوه إلى اليوم لايرجع مُلكاً ولا يستعيد هيبة دولة ولايكسي عاريا ولا يطعم جائعا ، إنما حسن النوايا والإخلاص وترك المصالح الأنانية الضيقة والعصبية والمذهبية ، ففي حفل تاسيس الهيئة الوطنية للحفاظ على الجيش والأمن ، رأيي المتواضع إذا كان ذلك يهدف بالفعل لإعادة هيبة الجيش كقوة وطنية وليست مسيسة او تمهيد لثورة مضادة بعد خراب مالطة كأن يكون استنساخ للنظام السابق بوجوه أخرى ، وما عدا ذلك لايجدي نفعاً ولن يصلح العطار ما أفسده الدهر ، وإلا( خلي البُكاء لك) وليس على غرار خلي البكاء لي كما يقول ايوب طارش.
ذكرني بكاء الأمس ببكاء آخر ملوك غرناطة من قبل اخر ملوكها عند مغادرته غرناطة وقف في مكان ربوه تطل على غرناطة تسمى زفرة العربي وهو المكان الذي أطلّ منه هذا الملك( أبو عبد الله الصغير) المنكوب على الحمراء بعد أن رحل عنها نظر إليها النظرة الأخيرة وشاهد القساوسة وهم يتسابقون على رفع الصلبان في قمم المباني الشاهقة في الحمراء، والبعض منهم يثبتون الأجراس على مآذن المساجد بينما ألحان الشكر المسيحية تتردد أصداؤها في أنحاء الحمراء ولم يتمالك نفسه وزفر زفرة عميقة أتبعها بعبراته , إنها البقعة التي شهدت لحظات درامية لتسليم مفتاح غرناطة آخر الممالك العربية في الأندلس للملك فرنارد وزوجته إيزابيلا من قبل أبي عبد الله الملقب بالصغير باكياً وصوت أمه وهى تربِتُ على كتفيه وتمسح دموعه يتردد في أعماق نفسه وتقول له قولها المشهور
:
ابْكِ مثل النساء مُلْكا مُضاعاً لم تحافظْ عليه مثل الرجال
!
في الثلاثاء 09 ديسمبر-كانون الأول 2014 10:27:37 ص