علي محسن وتعقيدات الحل النهائي !!.
بقلم/ عبدالفتاح الحكيمي
نشر منذ: 5 سنوات و شهرين و 8 أيام
الإثنين 09 سبتمبر-أيلول 2019 08:35 م
 

عندما تذكر تعقيدات الحلول السياسية في اليمن يقفز الى الواجهة غالبا اسم (علي محسن الأحمر) الذي تعلق عليه كثير من التيارات والمليشيات والقوى السياسية اخفاقاتها وفشلها بل وسؤ نواياها في الموقف من الحرب والسلام في اليمن .. حتى يظن الناس حقيقة أن إزاحة هذا الرجل عن المشهد السياسي والعسكري سيغير المعادلة وتنعم البلد بالأمن والسلام.

ولكل جهة او تيار وحزب قصته مع الجنرال (العنيد) , آخرهم المجلس الانتقالي الذي يشترط إزاحة نائب الرئيس هادي للوصول إلى تسوية سياسية وإنهاء تمرده على الشرعية وإعادة معسكرات الحماية الرئاسية ومنهوباتها وكف اليد عن مؤسسات الدولة .. ولكن هل سيكون ثمن مساومة ازاحة محسن تخلي المجلس عن مشروع استعادة الدولة الشطرية (الانفصال) والانخراط في مشروع الدولة الاتحادية!!.

 المعروف إن تعيين الجنرال نائبا للرئيس في أبريل 2016 م بديلا عن خالد محفوظ بحاح جاء على حساب الإماراتيين الذين فرضوا الأخير ضمن حزمة تعيينات منها 5 محافظين وثلاثة وزراء تبنتهم ابو ظبي كأدوات خاصة لها في الجنوب , وتمكن هادي من تقليمهم وقصقصة اجنحتهم ابتداء من بحاح الذي عرض نفسه وسوقها كبديل للرئيس هادي وطلب معونة جون كيري وزير الخارجية الامريكي بنقل صلاحيات الرئيس إليه بمباركة الرئيس صالح والحوثيين لقبول التسوية , فالكل جاهز للتنازلات (المزيفة) ما دام الثمن سيكون رأس الجنرال , ومرورا بأطاحة هادي بمحافظي الإمارات في الجنوب في أبريل 2017 م بعد عام واحد فقط على تراجيديا عزل بحاح , رهان الإمارات الخاسر الذي ابرز مؤهلاته التقاط الصور التذكارية وأكل الخمير في شوارع المكلا بعد عزله , وعلاقته قديمة أيضا بصفقة بيع الغاز المشبوهة في عهد صالح فقد اكتشف عبدالقادر باجمال مواهبه القيادية المبكرة في إدارة حسابات وزارة النفط ..

ولاحقا عزل الرئيس هادي كلا من عيدروس الزبيدي محافظ عدن , وناصر الخبجي محافظ لحج , وأحمد حامد لملس , محافظ شبوة , وأحمد سعيد بن بريك محافظ حضرموت , وسالم السقطرى محافظ سقطرى , وهاني بن بريك وزير الدولة ومن بعده بفترة مراد الحالمي وزير النقل , هكذا دفعة واحدة بالجملة وليس بالتقسيط المريح.

أصبح هادي شخصيا هو الهدف الأول بعد فشل الإماراتيين في تثبيت ادواتهم الادارية في الجنوب والسيطرة على قرار مؤسسة الرئاسة تحت واجهة وغطاء ( التسوية السياسية في اليمن) لصرف الأنظار عن الأطماع الاقتصادية في ثروات وموانئ ومطارات الجنوب والشمال , وكان خالد بحاح وعدهم بالكثير.

* تسوية أم انتقام؟*

ويظهر الطابع الشخصي(المنفعي) الآن من جديد لمعركة الإماراتيين وادواتهم مع التوجهات الدولية الجديدة بشأن مسمى ( الحل النهائي) للازمة وإحياء مبادرة كيري وتفاهمات الكويت , وتستغل الامارات أزمة تمرد الانتقالي الأخيرة مع الشرعية واختزالها (مرحليا) بمشكلة بقاء علي محسن نائبا للرئيس لإخفاء حقيقة نوايا دعمها مشروع (فك الارتباط) الذي تعتقد أنه يجب قبل ذلك التخلص من قوة ونفوذ الطرف الآخر المعارض لها بنقل صلاحيات الرئيس هادي إلى نائب آخر مثل الورقة المتهالكة(خالد بحاح) او شخصية يرتضيها الانتقالي والحوثيون لتمرير مخططات لاحقة تطبخ على نار هادئة أهمها ضمان حصة كبيرة من ثروات اليمن.

هيجت نتائج معارك ابين شبوة الأخيرة قبل 3 أسابيع بين مليشيات نخبة واحزمة الانتقالي وقوات الشرعية الغضب أكثر على الجنرال العنيد المتهم بدحر الخصوم المتمردين على الدولة هناك , وسقطت الهالة عن الإماراتيين الذين راهنوا على مقدرة قوات جرارة طالما اسرفوا واشرفوا على تدريبها بأيديهم وانفقوا عليها دم الفؤاد.

يعتقد الكثيرون إن التخلص من الرئيس هادي سيكون بالتخلص اولا من مصدر قوته الرئيسي علي محسن الأحمر وحزب الاصلاح , بينما هادي بحسب معرفتي بشخصيته أكثر صلابة وعنادا من نائبه الأكثر مرونة بما لا يتصوره البعض .. لكن الأخير لا يساوم او يهادن على قضايا كبرى ومصيرية , كما تتطلب ازاحته عن المشهد تنازلات حقيقية ليست مراوغة لا تحتملها الأطراف الأخرى.

فلا يزال الرئيس هادي وحكومته الطرف الرئيسي المعترف به وشرعيته دوليا واقليميا , ولم يفلح التمرد الانقلابي في تقليل الإعتراف به بل أدين البغاة المعتدون الذين تضيق أمامهم الخيارات السياسية أكثر حين يضعون أنفسهم كطرف ندي ومقابل بل فوق الشرعية نفسها.

   * التخلص من محسن *

يقولون إن هذا الجنرال من بقايا النظام اليمني القديم ويتحالفون بطيبة نفس او على مضض مع نجل شقيق صالح (طارق) وقواته لانها توجيهات افندينا المطاع (الاماراتيون) قررت ذلك وفرضته عليهم ..

والحجة البالغة إن الجنرال يرعى ويدعم الإرهاب بدليل قتل جرحى الغارات الجوية الأخيرة للاماراتيين في غرف الانعاش بقطع اوردة أيديهم ورقابهم.

والغرض من إزاحته من المشهد هو استقواء أنظمة الإمارات والسعودية بملف مكافحة الإرهاب ومحاولة الانفراد به دون الاطراف اليمنية نفسها كورقة رابحة ترضي الأمريكان والاوروبيين وتضمن بقاء الأنظمة (الخدومة) , وحتى في هذا يرون أنه حان الوقت لسحب أوراق هذا الملف نهائيا من أيدي حكومة هادي والجنرال الذين ابلوا حسنا في مكافحة الإرهاب في أبين , وشبوة , وحضرموت , والبيضاء , ومأرب خصوصا بعد فبراير 2012 م بعد تولي هادي حكم البلاد , وتم القضاء على ذلك في وقت قياسي في أبين بوجه خاص .. ونفهم هنا معنى إلصاق تهمة الإرهاب والأخونة بقوات الحماية الرئاسية في التمرد الأخير لإفساد اي علاقة دولية قد تنشأ بين هادي ونائبه وضربها نهائيا خاصة في هذا الملف الحساس الذي أصبح مفتاح ضمان بقاء سلطة حكام الأنظمة العربية التابعة.

وهكذا يبدو الصراع على احتكار ملف مكافحة الإرهاب أكثر أهمية وخطورة من إزاحة علي محسن او نقل صلاحيات الرئيس هادي إلى شخصية ترضى عنها الإمارات والحوثيون أيضا , ومن يحتفظ بأوراق لعبة هذا الملف كأنه ملك الدنيا بحذافيرها , فأرضاء الغرب لا يدركها سوى الراسخون التي لن تبلى عروشهم .

أما الرئيس هادي فلا يزال يقاوم ابتزاز المتمردين الذين افسح استيلاؤهم على عدن لأطراف إقليمية ومحلية ضغوطات اكبر عليه , لكنه أكد في تغريدة أخيرة على انتخابات رئاسية كبديل لا بد منه عن اي صفقات او مساومات ضمن ترتيبات الوضع النهائي لحل مشكلة الصراع على السلطة والحرب في اليمن.

   * تناقضات*

لا يخلو ملف علي محسن الأحمر من العداوات والصداقات معا .. كان جزءا مهما في كل المنعطفات .. في أكتوبر 1978 تصدت قواته لانقلاب الناصريين في صنعاء بعد مرور 3 أشهر على تولي الرئيس علي عبدالله صالح للسلطة , فقد أبلغه عبده الجندي الناصري العتيد بساعة الصفر التي قررها زملاؤه .. وانقذ صالح أيضا من انقلاب آخر خطط له أحد إخوته منتصف تسعينيات القرن الماضي عندما كان الرئيس خارج البلاد وحاولوا منع هبوط طائرته في مطار صنعاء .. وكان أيضا اليد اليمنى لأخيه غير الشقيق في حرب فبراير 1979 م التي شنتها قوات الحزب الاشتراكي في عدن لدعم (القوى الوطنية) في الشمال ومحاولة إسقاط حكم الصالح .. انسحب جنود الاشتراكي من مشارف دمث وأخلو الساحة لحرب عصابات قادها المعارضون من الداخل انتهت بعد أكثر من 3 أعوام بمصالحة محدودة .. وبقيت الثأرات والحساسيات بين الإسلاميين والاشتراكيين والبعثيين والناصريين وأنصار النظام حتى بعد قيام الوحدة في مايو 1990م .. وهو ما يعكس نفسه في السجالات الحالية في الموقف من الجنرال بأثر رجعي كونه الفاعل المؤثر في خيوط وأوراق اللعبة القديمة والجديدة.

تحالفه مع الاصلاحيين (الإخوان) كان ضمن النظام الذي اعتمد عليهم في معاركه العسكرية والسياسية قبل الوحدة وبعدها في حرب صيف 1994م .. ولكن لا يمكن أن يكونوا شيئا واحدا إلا في المواقف المشتركة كما حصل في حركة فبراير الثورية 2011 م لكن الإصلاحيين تركوه وحيدا في حروب صعدة الستة يواجه قدره بمفرده .. حاول صالح التخلص من الحوثيين وقوات محسن معا في تلك الحروب العبثية لتهيئة الأرضية المناسبة لمشروع توريث الحكم .. خرج الجنرال من المعركة منهكا بين البين لكنه لم يفقد روحه المعنوية حتى بعد اجتياح الحوثيين صنعاء والقضاء على قوات الفرقة الأولى مدرع التابعة له في 21سبتمبر 2014 م.

ولكن هل يتخلى التحالف العربي عن الرجل ومعركة السعودية لم تحسم مع الحوثيين ..

هناك أطراف عديدة الأول لا يطيق بقاء الرجل ورؤيته بكامل عافيته العسكرية , هؤلاء هم الحوثيون والانتقالي وبعض الاشتراكيين والناصريين وسلفية ابي العباس وطارق صالح وأحمد علي لما تشكله منافسته لوجودهم وحظوتهم , وهناك من يرى ضرورة اضعافه دون القضاء على قوته نهائيا , وحاليا بوجه خاص ومنها المملكة السعودية وأمريكا والاوروبيون باعتباره حليفا سابقا مضمونا في الحرب على الإرهاب .. وهناك من لا يمكنه التفريط بهذا الصيد الثمين , وهو حزب الإصلاح بالنظر للرمزية والعلاقة التاريخية بين الطرفين وتعززت هذه العلاقة أكثر في المنعطفات الحاسمة بالنظر الى المكانة القبلية والعسكرية التي يتمتع بها علي محسن , وهي سر مفتاح العلاقة الحميمة التي جمعت الطرفين على مدى عقود , والغريب إن الذين ينكرون مثل هذا التقارب بين الإسلاميين وشخصية قيادية عامة ربطتهم ايضا قرابة العقدين علاقات مصالح سياسية مشتركة مع من يطلق عليهم (الإخوان) فكان اطار احزاب اللقاء المشترك المعارض لحكم الصالح طوال 15عاما هو الجامع بين حزب الإصلاح والاشتراكي والناصريين والبعث وحتى حزبي (الحق واتحاد القوى الشعبية) بمنهجهما الذي يستلهم الزيدية , ولكن كما يقال عندما تنتهي المصالح تبدأ الأحقاد.

أما صراع مراكز القوى اليمنية على من يكون اكثر تبعية للآخر الإقليمي والدولي من غيره فينطبق في جزء منه على ترتيبات الكواليس الراهنة المغلقة ألتي يسعى فيها كل طرف الى إلغاء واقصاء الآخر والوشاية به وإن أمكن التخلص منه سياسيا ومعنويا وحتى جسديا.

والواقع أن القوى السياسية والعسكرية المؤثرة ستحظى في النهاية بمك

انات متفاوتة لدى اللاعبين الأساسيين , وهذه معركة أخرى تضاف إلى مشهد المعركة الخفية على مستقبل السلطة والنفوذ في اليمن.