|
اجتهدت السلطة مشكورة بإصدار قانون الأجور الذي تحول بسوء التنفيذ إلى قانون للعجور، والعجرة باللغة هي العقدة التي تنتصف الشيء وتشوهه أو تعقده، وبالاستعمال الدارج فإن العجور هي بقايا عيدان الذرة المتيبسة بعد الحصاد التي تنتشر فيها العقد وعندما تـتـيـبــس تـُقدم أعلافا مجففة للحيوانات المنتجة كالأبقار والأغنام وهي تغذية التقشف والكفاف، ثم نريد من هذه الأبقار اللحم والحليب واللبن والزبدة والسمن. فكيف ؟ يا حسرة ؟.
قانون الأجور 2005 يحتوي على أهم وعدين جديرين بالمناقشة وهما:
الوعد الأول: حدد مراحل زمنية لترفيع الأجور إلى ثمانية أمثال بحيث يصل بعد أربع مراحل الحد الأدنى للأجور من سقف عشرين ألف ريال إلى ثمانين ألف ريال.
الوعد الثاني: حدد رفع العلاوة السنوية إلى أربعة في المائة وفقا لكل فئة حسب راتبها.
ما هي النتائج التي قدمتها الحكومة بعد إصدار قانون الأجور ؟
- أوقفت صرف العلاوة السنوية منذ بداية تنفيذ القانون، وصار الموظف يتحسر على النظام القديم الذي كان يسمح للراتب أن يتزحزح من عام إلى آخر فيشعره بالأمل ولو في عمق الألم.
- أوقفت مراحل تزمين ترفيع الراتب ومحلك سر منذ صدور القانون باستثناء الاستجابة الوحيدة لمواجهة الإضرابات والاحتجاجات التي قام بها المعلمون والأطباء وأساتذة الجامعة في العام 2006.
الخلاصة : لم يحق القانون ترفيع الأجور حسب نصوصه وليس كما نتمنى أو ندعي ، كما لم تصرف أي علاوة سنوية للموظفين، وفي البدء كان التعلل بعدم صدور اللائحة التنفيذية لقانون الأجور، وبعد أن صدرت اللائحة توقف تنفيذ القانون وتوقف معه الراتب وأصيب بالشلل التام.
السؤال الوطني جدا جدا ، المُوَجه للسلطة الوطنية جدا جدا، من موظف غلبان ( ابن ...) هو غير وطني لأنه كثير المطالب والاحتجاجات.
السؤال: لماذا لا تنجز الحكومة التزاماتها وفقا للقانون ووعودها للموظفين دون تلكؤ وبدون ضجيج واحتجاجات.
المعلمون والموظفون والكوادر الإدارية هم ليسوا بحاجة إلى الدخول بمواجهة مع السلطة وليست الإضرابات والاعتصامات بعمل ترفي لهؤلاء لكن السلطة تدع المشاكل تتراكم ثم تضطر للاستجابة بفعل الاحتجاجات والوجع العام.
لم نستفد من قضية المتقاعدين في الجنوب ولم نحاول أن نستفيد منها كبداية للإصلاح السياسي والإداري والمالي، فقضية المتقاعدين ظلت منسية منذ العام 1994 ولم نلتفت إليها لنتدارك الشرخ الاجتماعي وسد الذرائع والثغرات التي تهدد الوحدة ، وبعد لجوء المتضررين على الاعتصام والاحتجاج الجماهيري المزعج التفتت السلطة إليهم ومنحتهم تعويضات بالمليارات وتقاضى كل منهم مبالغ بالملايين كما سمعنا وليس كلما يسمع صحيحا.
الآن تتجه نقابة المعلمين ونقابة الصحفيين وستلحق بهم نقابة الأطباء والصيادلة وسيليهم أعضاء هيئة التدريس للاحتجاج والإضراب العام، وتكتفي الحكومة إما بالمعالجة الأمنية ، أو المواجه مع أصحاب الحق بالتسفيه الإعلامي والاعتماد على الدعاية والإعلام والرغي المثير للسخرية والشفقة، والحديث عن مشاريع وهمية ووضع أحجار الأساس ،ولم يعد المواطن يثق بالرسالة الإعلامية الحكومية أو يصدقها.
وبدلا من أن يتسلم الموظف راتبا مجزيا صار يتقاضى راتبا جافا، إن أبقار اليمن بسبب العجور اليابسة صارت تشبه الهيكل العظمي وهي تتشابه مع سحنة الإنسان اليمني الشبح ، فاليمني – باستثناء المغتربين آكلو الرز، ورجال الأعمال، وكبار الموظفين – هو تحفة أثرية، مومياء لكنها متحركة .
فاليمني هذه هي أوصافة لدى مراقب أجنبي زار اليمن: إنه « إنسان مخفوق الوجنتين، صدئ البشرة، ترابي اللون، معوج القامة، نحيف البنية، متآكل الأسنان، جاحظ العينين، متورم الشفتين، مخدوش اليدين والقدمين، مطموس الدماغ ، إنها نتاج قلة التغذية وسوء الراتب والمعيشة. ونضيف إلى هذا الوصف : أنه مديون وفارغ اليد والجيب مقدم استقالته من الطموح والأمل.
المستفيد الوحيد من قانون العجور هم أعضاء الحكومة التي يناهز رواتبهم نصف مليون ومصروفاتهم اليومية على نفقة الاعتماد الشهري للوزارة من بترول وهاتف وكهرباء وتنقلات وبدل سفر ومعيشة ومآدب غداء وسيارات ومنازل وأعمال حرة بالظاهر والباطن، بناء على مقولة باجمال على كبار الموظفين: « بأن من لم يغتن في عهد الرئيس الصالح فلن يغتن أبدا».
والشريحة الثانية هم أعضاء مجلس النواب الذين ركزوا على وضعهم تحديدا عند صدور قانون الأجور، فقد وضعوا أنفسهم في أعلى شريحة تتقاضى الراتب، فمجموع ما يتقاضاه النائب البرلماني من راتب وبدلات تتجاوز سبعمائة ألف وعلى حسب نشاطه في اللجان وحضور الجلسات وإعمال استثنائية وتجارة الحصانة البرلمانية ، هنيئا على قلوبهم فقط وهم ممثلو الشعب وليس أنفسهم كان عليهم أن يصدروا قانونا سويا يعطي كل ذي حق حقه.
تصوروا معي سألت أحد المدرسين بشهادة الماجستير يعمل بجامعة خاصة يتقاضى تسعين ألف ريال، بينما نظيره في الجامعات الحكومية يتقاضى ستين ألف، وشريحة الأكاديميين اليمنيين يتقاضون ثلث مرتب الأكاديمي الخارجي من بلدان عربية إضافة إلى ما يحصل عليه سنويا من تذاكر سفر له ولأولاده، وسكن مؤثث ودفع رسوم مكاتب العمل والإقامة. بينما بعض الزملاء الخبثاء قال : هذا العربي الذي ترك أهله ليوفر لنفسه فائضا يتقاضى فقط عشرة أشهر، والبقية تذهب عمولات تجديد العقد والعهدة على الراوي.
في الأخير: نلاحظ ارتفاع وغلاء المعيشة لكن الراتب لا يرتفع بل ينخفض بفعل تراجع سعر الريال أمام بقية العملات وارتفاع أسعار المواد الغذائية فقد وصل سعر الكيلو الطماط قبل أيام إلى سعر الدجاجة ستمائة ريال واليوم بسعر 25 ريال نظرا لغياب التخطيط ، ومن يقم باحتجاجات وإضراب واعتصام يطالبون الحكومة بتنفيذ قانونها هي وليس قانون أجنبي لا يُـلتـَفـت إلى مطالبهم وهي بكل تأكيد مطالب مشروعة لممارسات حكومية غير مشروعة.
نقول للسلطة: كنا نتمنى أن تصرف ميزانية التسلح للمواطنين مرتبات وضمان اجتماعي وتنمية بدلا من تخفيض الموازنة بالمخالفة إلى 50 % ، بقي الآن أن يتم صرف ميزانية انتخابات 2009 للمعلمين المحتجين والمضربين وعندما يحين الموعد القادم بعد عامين يكون الله قد منح الأمة من أمرها فرجا.
hodaifah@yahoo.com
في الإثنين 02 مارس - آذار 2009 07:48:45 م