رحلة في مناطق عسكرية يمنية ومخيما للنازحين
بقلم/ عرفات مدابش
نشر منذ: 15 سنة و شهر و 25 يوماً
الأحد 20 سبتمبر-أيلول 2009 06:32 م

الشرق الاوسط:

ربما لا يعرف معظم سكان العاصمة صنعاء وباقي المحافظات اليمنية البعيدة عن مناطق القتال الدائر في شمال اليمن بين القوات الحكومية ومليشيا الحوثيين، عن تلك الحرب الشيء الكثير، إلا أنها تخاض ضد مجموعة من «المتمردين»، ولا يرون من وقائع ومجريات الحرب، إلا الطائرات الحربية التي تقلع من العاصمة صنعاء ـ يوميا ـ لتقصف أهدافها ثم ترجع، قبل أن يصل أزيزها إلى مسامع المواطنين، ليلا ونهارا، وكذا ما ينشره ويبثه الإعلام الرسمي والفضائيات من مشاهد للحرب والدمار، في حين تمنع السلطات اليمنية وسائل الإعلام من الاقتراب من جبهات القتال، وبالتالي فإن المشهد لكثير من اليمنيين يبدو ضبابيا، فكثير من الناس لا يعرفون شيئا عن صعدة وعمران وعن التضاريس الجبلية الصعبة التي تتميز بها هاتين المحافظتين، وما يدور فعليا فيهما من حرب. مخيمات النازحين

وعندما تتحرك بك السيارة نحو أقرب جبهة قتال، في طريق جبلية، وهي مديرية حرف سفيان، بمحافظة عمران، وهي تشق الطريق الجبلية، لا تلحظ أي شيء يدل على أن حربا ضروسا تدور على بعد بضع عشرات من الكيلومترات، لكنك بمجرد أن تصل إلى مدينة حوث، تبدأ في مشاهدة ملامح الحرب.

كانت زيارة «الشرق الأوسط» إلى مديرية حرف سفيان (171 كيلومترا تقريبا)، السبت الماضي، وعلى الطريق تقع مدينة حوث، وبعد ظهيرة ذلك اليوم كان في سوق المدينة عدد كبير من الجنود الذين كانوا يشترون احتياجاتهم لوجبة الإفطار وكذا شراء نبتة «القات» التي يمضغها اليمنيون، كما هو معروف، وكانت الأجواء وسط هذه المدينة، فعلا، توحي بالحرب، فالجنود كثر وبأزياء عسكرية عديدة ومختلفة، يبدو عليهم الإرهاق والسهر وعدم الاهتمام بالهندام، إضافة إلى آثار الصيام البادية على البعض.

وعلى بعد بضعة كيلومترات من المدينة، يقع «الجبل الأسود» وهو جبل كان يحتضن في السابق لواء عسكريا واحدا، هو اللواء «119»، لكنه اليوم بات يحتضن تسعة ألوية عسكرية كاملة، بسبب الحرب، وعندما تغادر مدينة حوث باتجاه «الجبل الأسود»، تبدأ حركة السيارات «المدنية» تقل لصالح حركة السيارات «العسكرية»، وعندما تصل إلى ذلك الجبل، تجد كثافة غير عادية للجنود والمعدات العسكرية، وكان منظرنا (أنا ومرافقي) كمدنيين والسيارة «الأجرة» التي تقلنا، غريبا ولافتا للنظر، حيث تجمع حولنا عدد من الجنود والضباط لسؤالنا واستفسارنا عن هذه الزيارة، غير المتوقعة وغير المعهودة من قِبل صحافي إلى هذه المنطقة. ولم يفلح بعد ذلك العديد من المحاولات في الحصول على إذن بتصوير المكان وتلك الحشود العسكرية الهائلة، مما اضطرنا إلى مغادرة المنطقة قبل إفطار ذلك اليوم.

ويلحظ زائر «الجبل الأسود» حشدا عسكريا مكثفا وغير معهود، وهمة لحسم الحرب، كما أنه يشهد المدى الذي بلغه الجنود من الإرهاق من هذه الحرب، وما يمكن وصفه بـ«الانعكاسات السلبية» لحرب العصابات التي يخوضها الحوثيون هناك، ضد القوات الحكومية، وتحديدا عمليات القنص للضباط والجنود المشاركين في الحرب، وذلك ما كان يتردد على ألسنة بعض الجنود والضباط بمرارة عن فقدانهم لرفاق سلاح أعزاء عليهم، على أيدي الحوثيين، لكن الحديث الإيجابي، هو ذلك المتعلق بـ«العمالقة»، أو اللواء «29 ميكا ـ حرس جمهوري»، الذي التحق مؤخرا بجبهات القتال، وعن مدى تنظيمه وانضباطه وهو اللواء العسكري الشهير والعتيق في اليمن، والذي زاره الرئيس اليمني علي عبد الله صالح في 26 أغسطس (آب) الماضي، وتحدث إلى منتسبيه وأمرهم بخوض الحرب والقضاء على «المتمردين الحوثيين». كما يلحظ الزائر أنه مع اقتراب وقت الإفطار، كان آلاف الجنود يكسون تلة جبلية على يسار الجبل الأسود، بأزيائهم العسكرية الصفراء المزركشة، ينتظرون أزوف موعد الإفطار، ولم تتمكن «الشرق الأوسط»، من الحصول على إذن من القادة العسكريين بالتصوير أو إجراء أي أحاديث صحافية مع الجنود المقاتلين، خصوصا وأنه، كما علمت «الشرق الأوسط»، حينها، كان عدد من القيادات العسكرية يوجَدون في مركز قيادة تلك المنطقة، من أبرزهم اللواء الركن محمد ناصر أحمد وزير الدفاع، والعميد الركن أحمد علي عبد الله صالح نجل الرئيس اليمني، قائد الحرس الجمهوري والقوات الخاصة، والعقيد الركن طارق محمد عبد الله صالح نجل شقيق الرئيس صالح قائد الحرس الخاص، إضافة إلى عدد آخر من كبار قادة وضباط الجيش اليمني.

وخلفت الحرب في محافظتي صعدة وعمران، والتي اندلعت في الثاني عشر من أغسطس (آب) الماضي، ضد الحوثيين، من قِبل الجيش اليمني، في عملية سُميت بـ«الأرض المحروقة»، وذلك بعد قرار اتخذته اللجنة الأمنية اليمنية العليا برئاسة الرئيس علي عبد الله صالح، أوضاعا إنسانية صعبة، حيث نزح أكثر من 150 ألف شخص عن ديارهم، إلى محافظات ومناطق أخرى، هروبا من الموت بنيران القصف وبحثا عن الأمان والغذاء والماء، بحسب تقديرات المنظمات الدولية.

وزارت «الشرق الأوسط» أحد مخيمات النزوح في مديرية حرف سفيان، وتحديدا في منطقة «الخبلان» بوادي خيوان، ففي هذه المنطقة توجد مئات الأسر من سكان مدينة الحرف، مركز مديريات حرف سفيان، ويقدر عددهم بنحو 7500 نسمة، حسب مصادر لـ«الشرق الأوسط». وتعد معاناة هؤلاء النازحين، أعظم من معاناة غيرهم في معسكرات الإيواء الأخرى الذين ـ على الأقل ـ وجدوا خياما تؤويهم ومنظمات تهتم بهم وتوفر لهم المأكل والمشرب وغير ذلك، فالنازحون في وادي خيوان صدموا بتعثر إقامة المخيم ونصب الخيام، بسبب خلافات واعتراضات من قِبل بعض قبائل المنطقة، حول الأرض التي خُصصت لإقامة المخيم، لذلك تفرقوا بين من يقيم في ما يشبه «العشش»، أي أنهم ركزوا أخشابا من الأشجار وغطوها أو سقفوها، بما تيسر لديهم من الأغطية، يعيشون فيها رجالا ونساء وأطفالا مع ما نجوا به من الحرب، من الأغنام والماعز، وآخرون لجأوا إلى بيوت قديمة ومهجورة ومتهالكة ومثلهم انتشروا في المدارس، وهي في الأصل مدارس قديمة ومحدودة الفصول، ويعيش معظم هؤلاء النازحين، على ما يجود به عليهم سكان المنطقة، وبعضهم كان يعمل في التجارة، فأخذ معه بضاعته فوق سيارات، وبدأ يمارس عمله التجاري البسيط، على الخط العام الذي يربط منطقة خيوان بالجبل الأسود.

وكعادتها، لا تفرق الحرب بين مسؤول أو مواطن عادي، لذلك ليس غريبا أننا وجدنا بين النازحين، عضو مجلس محلي (بلدي) لمدينة حرف سفيان، هو صالح علي عسولي، الذي تحدث لـ«الشرق الأوسط»، وقال إنهم منذ نحو الشهر، يوجدون في هذه المنطقة بسبب تمركز الحوثيين في منازل المواطنين ومهاجمة الجيش اليمني لتلك الأماكن. واتهم عسولي الحوثيين باستخدام الأطفال والنساء والعجزة كدروع بشرية «يستترون بهم».

وانتقد عسولي أداء «جماعة الهلال الأحمر»، حسب تعبيره، الذين قال إنهم لم يحسموا، بصورة سريعة، موضوع الخلاف على أرضية المخيم، وإن النازحين «يعيشون أوضاعا غير إنسانية»، وأشار إلى وجود نازحين في منطقة تسمى «العادي» وآخرين في « الباطنة»، كما أن المواصلات شبة مقطوعة عنهم، وكيس البر (القمح ) يصل إليهم بمبلغ 9.000 ريال يمني، أي ضعفي قيمته الأصلية في السوق، في وقت لا تمتلك فيه الغالبية منهم المال لشراء القوت الضروري.

وقال العسولي إنهم كمواطنين لا يرغبون في أن يظلوا نازحين ومهجرين، وإنما يرغبون في أن يتم القضاء على الحوثيين بشكل نهائي، وأما بالنسبة إلى «منازلنا، فأي واحد منا مستعد للعيش في خيمة، لكن في ظل الأمن والأمان، ولا يريد العيش في قصر وهو مهدد ويوميا يهرب بأطفاله». أما النازح ناصر ناجي معطري، فقد طالب في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، السلطات والمنظمات بسرعة إغاثة النازحين بالمواد الغذائية والمياه، وقال: «نحن متعَبون ومشردون من قِبل المتمردين الحوثيين»، الذين اتهمهم بنهب «ممتلكاتنا وقطع الخطوط ونسف الجسور والاعتداء على المدارس والعيادات الصحية والمستشفيات ونهب ممتلكات الضعفاء من المواطنين»، واصفا إياهم بـ«الشلة الخاربة أو الخربانة»، مؤكدا أن «نهايتهم قريبة بإذن الله».

وعندما سألت «الشرق الأوسط» عن أداء السلطات المحلية في مديريات حرف سفيان، تجاه النازحين، رد البعض بأن «بعض المسؤولين المحليين يبذلون جهودا من أجل التسريع بحل مشكلة تعثر إنشاء المخيم»، وأن «مدير عام المديرية، لا يوجد في المنطقة وإنما في جبهات القتال ضد الحوثيين».

وأدت الحالة التي يعيشها النازحون والمتمثلة في اختلاط الأسر معا، إلى التذمر وإلى مطالبة كل شخص بالحصول على خيمة خاصة له ولأطفاله فقط، ويقول عبيد مردم رئيس فرع جمعية الهلال الأحمر اليمني بمحافظة عمران إن الوضع الإنساني الصعب والمأساوي، هو ذلك الذي يعانيه النازحون في منطقتي العادي والباطنة (المنطقة الأولى قُتل فيها أكثر من 80 نازحا أول من أمس الأربعاء، في قصف جوي لسلاح الجو اليمني وقع بالخطأ، وكان معظم القتلى من النساء والأطفال)، إضافة إلى النازحين في المناطق المتاخمة لمديرية العشة والمديريات المجاورة لمحافظة حجة من جهة الشمال.

وأكد مردم في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن أوضاع الكثير من النازحين بدأت تتحسن بعد أن قام الصليب الأحمر بتوزيع العديد من المساعدات والمعونات، مشيرا إلى أن برنامج الأمم المتحدة سيبدأ قريبا في توزيع المساعدات الغذائية على نازحين في عدد من مخيمات اللجوء.

وقال إن محافظة عمران استقبلت العديد من النازحين من الحرب من محافظة صعدة وإن المشكلات الأمنية تعوق حتى اللحظة إنشاء بعض المخيمات وإن «قيادة المحافظة ومشايخ القبائل عاكفون حاليا على حل هذه المشكلات بالتعاون مع الهلال الأحمر».

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط» ناشد مردم الجهات الإنسانية والمعنية بالمسارعة إلى إقامة بعض المخيمات، لأنه «لدينا عدد كبير جدا من النازحين ولا يوجد سوى مخيم واحد لم يكتمل إنشاؤه بعد»، وأشار إلى أن «كوادر» الهلال الأحمر في محافظة عمران «منتشرون في القرى والعزل ومناطق وجود النازحين».

وحول مشكلة عدم نصب خيام معسكر الإيواء في وادي خيوان، قال مردم إن ذلك يرجع إلى «مطامع ومصالح شخصية» وإدعاءات «بملكية الأرض التي حاولنا إقامة المخيم عليها، وهو الأمر الذي زاد من معاناة النازحين»، مؤكدا أن هناك ما يشبه الاتفاق بين زعماء القبائل «على تغليب المصلحة العامة على المصالح الشخصية»، وعلى أن «أي شخص يحارب المصلحة العامة، سوف تُتخذ ضده الإجراءات الأمنية اللازمة»، مع شكواه من تعرض فرق الهلال الأحمر لإطلاق نار من قِبل بعض المسلحين القبليين، دون أن « يصاب أي أحد بأذى».

ويحذر الصليب الأحمر الدولي من ازدياد الوضع الإنساني للنازحين تدهورا بعد مرور أكثر من ستة أسابيع على القتال، ويقول هشام حسن الناطق الإقليمي للصليب إن القلق يتزايد تجاه « الأشخاص الذين هم في العراء بعيدا عن أعين المنظمات الإنسانية»، سواء في « مناطق القتال داخل منازلهم أو خارج قراهم، ونعتقد أنهم يحتاجون إلى مياه الشرب النظيفة والطعام»، إضافة إلى «احتمال وجود نساء حوامل وأطفال وعجزة، وهم أضعف بكثير من غيرهم».

وأضاف حسن لـ«الشرق الأوسط» أن العناية الصحية والاحتياطات الأخرى «يجب أن تكون متوفرة وباستمرار»، وأنه «إذا استمرت العمليات العسكرية، كما هي عليه اليوم، فقد يصبح وضع المدنيين حرجا أكثر بكثير مما هو عليه اليوم».

وفي الوقت الذي تطالب منظمات الإغاثة الدولية بفتح طرق وتأمينها لإيصال المساعدات إلى المتضررين والنازحين، فإن هشام حسن أكد لـ«الشرق الأوسط» أن اللجنة الدولية للصليب الأحمر «على تواصل مع كل أطرف القتال في شمال اليمن، وليس فقط مع الحكومة اليمنية»، أي مع الحوثيين أيضا، وذلك بهدف إيصال المساعدات الإنسانية والقدرة على التحرك «لأننا لا نستطيع، الآن، الذهاب إلى بعض المناطق خارج المدن، ولكن هذا لا يكفي أبدا، لأننا حتى اليوم، نجد صعوبة فائقة في الخروج من مدينة صعدة أو التوغل أكثر في محافظة عمران، من أجل تقديم المساعدات»، مشددا على «حق الوصول إلى الضحايا»، الذي شدد على أنه حق أساسي للمدنيين «الذين لم يختاروا المشاركة في هذا القتال، بحسب القانون الدولي».

أما بشأن الأوضاع الإنسانية في مدينة صعدة، مركز المحافظة، فإن ناطق الصليب الأحمر الدولي يؤكد وجود ضغوط اقتصادية، إضافية، يتعرض لها سكان مدينة صعدة بسبب «أنهم يتشاركون الشراب والغذاء والمسكن مع النازحين»، ملمحا إلى أن إقامة بعض النازحين في بعض المدارس والمراكز الصحية داخل المدينة، تؤدي إلى «توقف النشاط الأساسي لتلك المرافق»، ويجزم أن إيجاد إحصائيات دقيقة ونهائية لعدد النازحين يعد «شبه مستحيل»، وذلك بسبب وجود أعداد كبيرة من النازحين خارج المدن ومدنيين تحت نيران الحرب ومحاصرين، وأن الأمر نفسه « ينطبق على إحصائيات الجرحى والقتلى».

ونظرا إلى ما يعتقد أنه إجراء يرجع إلى أسلوب «حرب العصابات» الذي يستخدمه الحوثيون وكذا التضاريس الجبلية الوعرة التي تدور فيها المعارك، فقد لجأت السلطات اليمنية إلى أسلوب إشراك رجال القبائل اليمنية في القتال ضد الحوثيين، كمتطوعين. وخلال الفترة الماضية التحق الآلاف من المسلحين القبليين بجبهات القتال.

وتمكنت «الشرق الأوسط» الثلاثاء الماضي من مرافقة المئات من المسلحين من أبناء مديرية حرف سفيان في محافظة عمران، الذين جاءوا من أكثر من منطقة حتى تجمعوا في منطقة بالقرب من «الجبل الأسود»، حيث التقاهم هناك وزير الدفاع اليمني، اللواء الركن محمد ناصر أحمد، بمعية عدد من القادة العسكريين، الموجودين في المنطقة لقيادة ألويتهم العسكرية في الحرب.

وأكد عدد من المقاتلين المتطوعين، في أحاديث لـ«الشرق الأوسط»، استعدادهم ورغبتهم في قتال الحوثيين الذين يتهمهم المتطوعون بـ«التخريب» و«ارتكاب الجرائم»، ومن بين أصوات مرتفعة ومتداخلة من المقاتلين القبليين، تحدث أحدهم بالشكر للرئيس اليمني علي عبد الله صالح، لحزمه ضد الحوثيين، وقال: «نحن من المناضلين معه ضد المتمردين في بلاد سفيان، أينما كانوا سواء في الحرف، في واسط، في الحيرة وأي مكان نحن ضدهم، ونحن نريد منه فقط الوفاء، لأن بعض الناس كذابون لا يعطوننا أي شيء».

وأكد المتطوع آنف الذكر أن المشكلة في قتال الجيش للحوثيين، تكمن في عدم وجود «أفراد يتمركزون في البيوت» لصد هجمات الحوثيين. وقال إن بإمكانهم ـ كمقاتلين قبليين ـ الدخول إلى مدينة حرف سفيان وإن «الحوثة»، بحسب تعبيره ووصفه، إنْ «دخلوا بيتا، فنحن سندخل البيت المجاور له، ونقتتل معهم وكأنها مشكلة قبلية»، مؤكدا، هو وعدد من زملائه المسلحين، أنهم يرغبون في الحرب «دفاعا عن بلادنا وعن كرامتنا وعن الوطن والوحدة اليمنية ومن أجل إزاحة هذه العصابة الفاسدة وتحرير بلادنا مهما كانت التضحية، سواء طال الوقت أو قصر»، حسب قوله. وعما إذا كانوا يعتقدون أو يعرفون بوجود دعم من أي دولة أو جهة للحوثيين قال المقاتلون القبليون إنهم لا يستطيعون اتهام أي طرف معين، لأنه ليست لديهم معلومات بهذا الشأن.

وكشف لـ«الشرق الأوسط»، الدكتور عبد الكريم نصار رئيس فرع جمعية الهلال الأحمر بمحافظة حجة، التي لجأ إليها عدد كبير من النازحين وتحديدا في مخيم «المزرق» ( قرب صعدة ـ الملاحيظ)، أن هناك أعدادا كبيرة جدا من النازحين لم يتم استيعابهم في المخيم الوحيد في المحافظة، الواقع في مديرية حرض، وقال إن المخيم أقيم باتفاق مع المنظمات الداعمة للإغاثة مثل: منظمة الصحة العالمية والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين وبرنامج الغذاء العالمي التابعين للأمم المتحدة، إضافة إلى «اليونيسف»، وجمعية الهلال الأحمر اليمني، والسلطة المحلية، وأنه أصبح في هذا المخيم، الرئيسي أكثر من 642 خيمة، وتقديرات غير دقيقة، لجميع النازحين إلى محافظة حجة، تفيد بوجود أكثر من 20 ألف نازح ونازحة، منهم قرابة 7 آلاف نازح داخل المخيم فقط.

وقال د. نصار إن المخيم يقدم الخدمات الصحية كافة والمياه والغذاء والمأوى للنازحين، وإن هناك «تفاعلا من قِبل المانحين أو المنظمات الدولية الداعمة وجمعية الهلال الأحمر اليمني، من خلال المتطوعين الذين يقومون بنصب الخيام والمساعدة في حل الكثير من المشكلات التي تواجه النازحين»، وتقديم «الرعاية والحماية للنازحين» من قِبل الجميع.

وأعرب مسؤول الهلال الأحمر اليمني بمحافظة حجة، عن أمله في أن يتمكنوا «من تقديم الرعاية للنازحين ليس المخيم فقط، وإنما إلى النازحين الذين يقيمون خارج المخيم، مثل المقيمين في مديريات أخرى مثل: بكيل المير، وميدي، وعبس، وهي مناطق حدودية مجاورة لمحافظة صعدة».

ونفى نصار في تصريحاته لـ«الشرق الأوسط»، انتشار أي أوبئة أو أمراض في أكبر مخيمات النازحين بمديرية حرض، محافظة حجة، وقال إنه ليس هناك أي انتشار لها، حتى اللحظة، وإنه «في كثير من هذه الحالات في مثل هذه المخيمات وعندما تنعدم فيها الرعاية الصحية، تظهر مثل هذه الحالات، لكن ـ حتى الآن ـ الأمراض الوبائية الخطيرة غير موجودة، ولم تسجل أي حالات»، مع إشارته إلى وجود «بعثة طبية مشتركة موجودة، في المعسكر، من قِبل وزارة الصحة اليمنية ومنظمة الصحة العالمية، إضافة إلى متطوعين من قبل جمعية الهلال الأحمر اليمني لتقديم الخدمة الوقائية والوعي الصحي بين النازحين».

ويحذر مراقبون يمنيون من سياسة إشراك رجال القبائل في الحرب إلى جانب الجيش ضد الحوثيين، ويعتقدون أن لذلك انعكاسات سلبية خطيرة على البلاد، حيث يقول محمد المنصور، القيادي في حزب الحق المعارض المعروف بتوجهاته الشيعية، إن «استخدام الحشود القبلية في الحروب بين الدولة وأي من المكونات الاجتماعية الأخرى»، يعود « بأضرار سلبية، وقد رأينا في الحروب الخمس الأولى أن ثمة آثارا سلبية كثيرة جدا منها التقطعات والثأر القبلي، وقعت بعد تلك الحروب»، وأن ذلك «لا يخدم هدف السلطة، وإنما يعمل على زيادة المشكلات وإضعاف دور الجيش».

ولم يستبعد المنصور في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، حدوث نفس المخاطر بعد الحرب الحالية، وذلك بإشارته إلى قيام مسلحين قبليين بعد الحروب السابقة بمطالبة الدولة بـ«امتيازات واستحقاقات كثيرة، وتحول بعضهم إلى ممارسة أعمال ابتزاز للدولة، والسلطة، مما أضعف دورها وأسهم في توسيع نطاق وآثار الحرب المدمرة على الصعيد الاجتماعي».