عن المطالبة بحذف آيات من القرآن.. جهل وعنصرية
بقلم/ ياسر الزعاترة
نشر منذ: 6 سنوات و 6 أشهر و 7 أيام
الجمعة 11 مايو 2018 01:06 ص
 

في فرنسا قبل أسابيع، وقع 300 من الشخصيات الفرنسية، يتصدرهم الصهيوني برنار ليفي، والمتصهين ساركوزي، مقالاً مشتركاً يطالب بحذف آيات من القرآن الكريم، بزعم أنها تنطوي على تشجيع «اللاسامية والعنصرية».

هي خطوة تتجاوز المألوف في الهجوم على الإسلام، والذي تابعنا فصولاً منه في العلمانية الفرنسية المتوحشة، وتجلى في قضية الحجاب بشكل أساسي، بجانب مظاهر عنصرية يعيشها المسلمون هناك بشكل يومي.

ما يجب التأكيد عليه هنا هو أن المقال المذكور هو جزء من تجليات السطوة الصهيونية على المجتمع الفرنسي، بخاصة المجتمع السياسي والإعلامي، رغم أن عدد اليهود هناك هو 456 ألفاً، وفق آخر إحصاءات الكيان الصهيوني، بفارق كبير عن عدد المسلمين الذين يتجاوزون الثلاثة ملايين، والمقال هو تعبير عن نفاق من قبل موقعيه لهذه الأقلية القوية والمؤثرة.

أياً يكن الأمر، فما قاله القوم هناك يجري الهمس به هنا وهناك منذ سنوات بعيدة، واتضح أكثر بعد هجمات سبتمبر، مطلع الألفية الجديدة، ويتورط فيه بعض متطرفي العلمانية العربية (أحد أبرز موقعي المقال الفرنسي هو العلماني الجزائري بوعلام صنصال)، الأمر الذي يستحق التوقف، ليس في سياق من التنديد والهجاء، فحسب، بل في سياق من فضح الجهل الذي يعيشه أولئك، وتحفزه دوافع عنصرية أيضاً.

لو قرأت هذه النخبة العنصرية «العهد القديم»، فضلاً عن «التلمود»، وصولاً إلى فتاوى الحاخامات الجدد التي تبرر قتل الأطفال الفلسطينيين، لما تجرأوا على قول ما قالوا بحق القرآن الكريم، ولو سأل أولئك أي مبتدئ في علوم النصوص المقدسة، لكان بوسعهم فهم حقيقة النص القرآني، وما إذا كان «لا ساميا»، أم «عنصريا»، أم هو نص رباني يعلي من قيمة الإنسان من حيث هو إنسان، قبل أن يتعامل معه وفق انتمائه الديني.

إنه كتاب جاء ليصحح النظرة إلى الإنسان، ويذكّر بأصول الديانات التي تم تحريفها.. «مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا* وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَٰلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُون».

 

هنا تحضر النفس، من حيث هي نفس أياً تكن هويتها ولونها أو ديانتها، بل إن الإسلام هو الوحيد الذي لم يحسم وضع غير المسلمين في الآخرة، حتى لو اعتبرهم بالمنطق الدنيوي كفاراً، وربط الأمر بوصول الإسلام إليهم واقتناعهم به، خلافاً للأديان الأخرى التي تجعل من عقيدتها مساراً وحيداً للنجاة..

واللافت هنا أن بعض الجهلة يستخدمون مصطلح كافر من أجل التحريض على المسلمين، لكأن الآخرين يقولون عن المسلمين إنهم مؤمنون. إنه تعبير يخص واقع الحال، ولا صلة له بالموقف من الآخر، بدليل أن الأديان الأخرى تقول ذلك عن المسلمين، ولا ترى أن دينهم سماوي أصلاً، لكن على مستوى التعامل الإنساني تأتي الآية صريحة:

«لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ*إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ».

والبر هنا هو أعلى درجات الإحسان. أما القتال فلا يكون بغير سبب، وهو ما أجمعت عليه الأمة، باستثناء آراء محدودة لا يُعتد بها. أما السلوك التاريخي، فلا يمكن إخضاعه للمحاكمة استناداً إلى النص القرآني، بل للظرف التاريخي المتعلق بصراع الإمبراطوريات طوال الوقت، والحروب الصليبية شاهد على ذلك.

اللافت أن الحس الإنساني لموقّعي المقال الفرنسي لم يتذكر أبداً ممارسات الكيان الصهيوني حيال الفلسطينيين، وتجاهل فتاوى حاخاماتهم الطاعنة في العنصرية.

ولم يرَ ما فعله الأميركان في العراق، ولا ما تفعله روسيا في سوريا باسم «الأرثوذكسية» في سوريا، ولم يرَ أيضاً السلوك العنصري من قبل قوى اليمين حيال المسلمين في الغرب، وتوقف عند حوادث عابرة في فرنسا ضد اليهود.

إنه منطق الغطرسة وغرور القوة الذي يتلبس هؤلاء، والذي يقابله منطق الضعف والهوان الذي يتلبس الأوضاع الرسمية في العالم العربي والإسلامي، والذي يسمح لأمثال هؤلاء بالتطاول على الإسلام والمسلمين من دون أن يكون لذلك أي ثمن يذكر، لكن الأمة ستدافع عن دينها بكل ما أوتيت من قوة، وما عجزت عنه قرون طويلة من الحروب لن ينجح هذه المرة بحال من الأحوال.

   ياسر الزعاترة - كاتب صحفي أردني/فلسطيني