عندما يفقد الحزن هويته!
بقلم/ إلهام محمد الحدابي
نشر منذ: 11 سنة و شهرين و 19 يوماً
الأحد 25 أغسطس-آب 2013 07:42 م

في زمن قديم كان البشر بشراً، كان بإمكانهم أن يدمعوا لموت كلب ضال في أحد الشوارع الفرعية، كان بإمكانهم أن يبكوا لعام متضامنين مع ابن جيرانهم الذي قضى نحبه إثر مرض عضال، أو على الأقل يرسموا ملامح الحزن ما إن يأتيهم نبأ حزين..في ذالك الزمان كان الحزن حزناً..

أما في هذا الزمن فلم يعد لأي شيء هوية، فقط الكثير من الدموع التي تشبه وجه الهواء، أحياناً لا يشعر بها المرء، ولكنها لازمة قليلاً من أجل نفسه لا من أجل حزنه!

في زمن العراق كان العرب قاطبة يقفون على شفا جرف هار، انهار بهم في رذيلة الصمت، كان حكامهم يشبهون الكلاب البوليسية إذ يعدون الحديث في غير الشأن الوطني جريمة لا تغتفر، بل وصل الأمر ببعضهم أن يبارك ذلك الموت الجماعي لإخوته من أجل انتقام قديم،أما البعض فقد مارسوا النحيب لفترة ثم ما لبثت أن تقيحت أحداقهم بالنسيان....

لم ينتهي الأمر هنا، جاءت لبنان بحربها الاستثنائية ضد اسرائيل، بالمناسبة اسرائيل هو اسم نبي الله يعقوب أما الخشبة الناشزة التي تتكنى باسمه ما هي إلا كيان صهيوني لا يرى من العالم أجمع إلا عجلة لمصالحه، وقبل العراق كان هناك حرب ضد دولة مسلمة تدعى (أفغانستان) وبقدرة ما أصبحت تلك الدولة التي كانت قطعة من الهوية الإسلامية...مجرد طالبان، مليئة بالإرهاب والكثير من الزيف والتهام حقوق النساء! لا أدري لماذا تتعلق لفظة نساء في حجج الغرب ليبتزونا، مع أن في قرأننا سورة كاملة باسم النساء أم في توراتهم وأناجيلهم لا أعلم إن كانت قد ذكرت امرأة قط!

في أحد الأصياف استلفت من خالتي كتاب اسمه قصة التتار للدكتور راغب السرجاني، كانت حكايا التاريخ هي نفسها حكايا اليوم، الفارق الوحيد هو الأرقام التي تشقلبت بفعل مرور الوقت..

أمراء ذلك الزمان كان يقدسون الملك ، ويبيعون الأقصى لأجله كما فعل حفيد صلاح الدين! كما أنهم لم يتورعوا من قتل بعضهم البعض من أجل الظفر بالحكم، وفي نهاية المطاف تشتتوا وتقطعت بهم السبل بعد أن عاودت الحروب الصليبية مجدها، لم تتمكن الدولة الإسلامية من القفز فوق كل الاحتمالات القائمة والمؤلمة إلا بعد أن توحدت على يد قطز، لا ندري متى تعي كلابنا البوليسية هذه الحقيقية!

لا يوجد في هذا الزمان حروب صليبية بسبب النظام العالمي، ولكن يوجد تركيع منظم وتجويع قانوني، وقتل جماعي باسم القانون أو غض الطرف العام لضرب ثلة بثلة!

ولا يوجد تتار يألون الأخضر واليابس، ولكن يوجد دول تتربص بسقوط الضحية تماماً لتأخذ حصتها..

الشيء الذي لم يتغير هو الاختلاف الذي صار دين تسير عليه مختلف الطوائف الإسلامية، وتبرره بوسائل تكنولوجيا...إلخ

لوهلة أشعر أن الثورات العربية(لعنة) ليست كلعنات جهنم، بل كلعنة الساحرة التي حولت الأميرة النائمة إلى قطعة خشبية، بالطبع أوطاننا لا تحتاج لقبلة ساحرة حتى تستيقظ...كل ما تحتاجه هو رغبة الأميرة نفسها بالاستيقاظ.

لأول مرة لا أرغب بتناول القهوة أثناء الكتابة..

كنت أرغب بالنحيب على غرار النساء اللاتي شاهدتهن قبل قليل، لكن حزني الذي فقد هويته لم يحقق لي تلك الأمنية الاعتيادية..

الموتى/ القتلى/ الشهداء/...المواطنين الأبرياء/ الأطفال/ النساء/ الكهول/ الشباب/ الشيوخ...

جميعهم كانوا يموتون بصمت، لم يكن عليهم بقع كبيرة أو صغيرة من الدماء كما تعودنا، بل كان حولهم الكثير من الصمت..

طفل لم يتجاوز العام كان ساكناً، جسده الصغير يصدر صفيراً عجيباً، لعل رئتاه تنتحب!

وعشريني يحدث حوله بذهول، كانت الكاميرا ترصد نزعه الأخير، بينما عيونه تخبرنا بأنه لم يفهم بعد كيف يموت بهذه البساطة!

لعل قنواتنا الفضائية شعرت بخيبة أمل عندما نقلت صوراً لجثث متصلبة دون دماء، ربما خشيت أن تؤثر تلك الصور على مصداقيتها، لم يدركوا بعد أن الحكومة المقاومة من براءات اختراعاتها القتل ليس بدم بارد وحسب، بل بصمت.

الغوطة ليست كأي مجزرة سابقة،فكل المجازر اكتحلت بالدم..أما هي فقد اكتحلت بالصمت وقليل من القهر، بينما فقد الحزن في حضرتها هيبته تماماً.