بين الثورة السلمية والمستسلمة .. حوار هادئ مع الثوار
بقلم/ عبدالله عبدالقادر
نشر منذ: 13 سنة و 5 أشهر
الثلاثاء 14 يونيو-حزيران 2011 05:42 م

لم يخني ظني حينما أبديت امتعاضي من الآلية التي أديرت بها الثورة اليمنية خاصة بعد الشهر الأول من مسارها. حيث وجدت أنها في الوقت الذي اكتسبت فيه زخم الثورتين التونسية والمصرية ’ إلا أن قادتها بدأوا وكأنهم يجهلون أو يتجاهلون الواقع الذي يعيشون فيه. لقد نسي القائمون بهذه الثورة أنهم في اليمن, بلد القبيلة والعسكر وصراع المصالح الإقليمية والدولية, ولا أدري كيف فهموا أن اليمن قد تكون استثناء من بقية الدول التي شهدت ثورات مماثلة. وإذا سلمنا أن ثورتي مصر وتونس كانتا سلميتين, فما لايمكن أن نسلم به هو أن كليهما كانت لديهما أستراتجية التصعيد والاستعداد للتضحية -إذا ما أختار النظام ذلك- وهذه ما رأيناه بالفعل خلال الأيام الأولى لهذه الثورات, حيث رأينا المصادمات مع رجال الأمن وإحراق بعض المقرات الحزبية والحكومية كردة فعل غاضبة ومنها وجدت هذه الأنظمة وأزلامها أنفسهم في حالة إرتباك شديدة وأدركوا أنهم لن يكونوا بعيدا من غضبة الثوار بل قد تلتهمهم ومصالحهم إن لم يوقفوا حماقاتهم ضد تلك الثورات. كما أدرك المخلصون من الجيش والقيادات الوطنية أن البلد يتجه نحو المجهول فبدأوا بالضغط على كل من بن على وكذا مبارك للتنحي وترك الشعوب تقرر مصيرها. وفي اليمن لا أنكر أن هؤلاء الثوار الذين خرجوا إلى الساحات كانت ولازالت لديهم الرغبة في التضحية بما يملكون لأجل هذا البلد وقد فعلوا. ولكن لم يكن هناك إستراتيجية أوآلية واضحة المعالم تؤخذ بعين الإعتبار واقع البلد ومعطياته وتتعامل مع المستجدات أولا بأول بحيث تقابل التصعيد بالتصعيد وتضرب مصالح النظام بالوسائل التي تراها مناسبة وعلى أكثر من جبهة حتى لا يستمرئ القتل بل يقف عند حده. أن مثل هذا القول لا يتنافى البته مع سلمية الثورة ولكنه يدخل في إطار الدفاع عن النفس \\\" ومن اعتدى عليكم فاعتدوا عيه بمثل ما اعتدى عليكم\\\" والبادئ أظلم. حينها كان بلإمكان خلط الاوراق على النظام والضغط عليه للنزول عند رغبة الشعب. ولكن للأسف لم يحصل شئ من ذلك بل كان الثوار يتلقون الضربة تلو الأخرى ويشيعون كل يوم عشرات الشهداء ليعودوا بعد ذلك لترديد الشعارات والأناشيد وعلى رأي المثل العربي (أودعتهم سبا وأدوا بالأبل). بل والأدهى من ذلك أن النظام قد أعطي من الوقت الشئ الكثير لالتقاط أنفاسه وترتيب أوراقه في كل مرة بعد أن أوشك على الإنهيار. وهذا ما جعله كل يوم أقدر على ضرب الثوار وإثارة الفرقة بينهم من خلال بث الإشاعات الكاذبة بواسطة آلته الإعلامية الضخمة التي أنفق عليها أموال الشعب لتحسين صورته وقد استغلها في هذا الظرف بشكل جيد.

لقد كان الشهر الأول من الثورة كفيل بالحكم على مسارها, وإذا ما كانت ستححق أهدافها بشكل سلمي أم ان النظام سيجبرها على المواجهة والحسم المسلح. ومن لم يقتنع إلى الآن فليعلم أن الثورتين التونسية والمصرية لم يمض عليهما أكثر من شهر لإسقاط النظام وقد كان الفضل في ذلك لله أولا ثم للثوار و للجيشين التونسي والمصري. وإذا أحسنا الظن, ربما كان علي صالح يرغب في التنحي وهو وما تراجع عنه في منزل نائب الرئيس وبحضور السفير الأمريكي واللواء علي محسن وقادة المعارضة. لقد كان في ذلك دلالة واضحة على أن هناك أطراف أخرى تدير اللعبة ولم يعد على صالح هو اللاعب الوحيد بل أن قراره أصبح بيد غيره من هذة العصابة التي أجرمت في حق هذا الشعب وأصبحت ترى أن مصيرها واحد فإما أن ينجوا أو يغرقوا جميعا ولا أظنها إلا الثانية إن شاء الله. وبالتالي ينبغي أن يظل خطاب الثوار هو أن الشعب يريد إسقاط النظام ابتداء بعبده الجندي وملاسنته وانتهاء بعلي صالح وبلاطجته.

وقد يقول قائل أن هذا خطاب تحريضي, ولكنه ليس كذلك بل هو تحصيل حاصل فالواقع في اليمن متوتر والأجواء مشحونة وتحتاج لأحد أمرين :

1-التهدئة: ولا أظن ذلك يحصل إلا أن يرحل النظام سلميا وهو أمر مستبعد ..أو أن يرضى الثوار بما حققوه إلى الآن- إن كان هناك شيء -ثم تبقى الأوضاع على ما هي عليه وتستمر عائلة آل صالح في حكم اليمن حتى إشعار آخر.

2-الحسم: وسيتطلب ذلك مزيداً من التضحيات والخسائر وهو ما دفعه ويدفعه الثوار ومناصروهم إلى الآن في ساحة التغيير والحرية والحصبة وباقي المحافظات وهو ماقد يذهب بدون ثمن إذا ما بقي النظام.

كلا الخيارين أحلاهما مر.. ولكن ينبغي أن يحدد الثوار مسار ثورتهم حتى لا تخرج مسخا من بين الثورات الأخرى. وبقي هناك أمران لم أتطرق لهما:

الأول: وهو فزاعة الحرب الأهلية وهي ما اختلقها علي وصدقها العالم بمن فيهم الثوار أنفسهم ..نعم قد تنتهي الثورة بحرب ولكنها ستكون حرب بين خير وشر, وظلم وعدل, وصدق وكذب, ونزاهة وفساد, وفي الأخير لينحاز كل إلى المبدأ الذي أرتضاه لنفسه وليدافع عنه. ليسموا هذه الحرب –إن وقعت لا سمح الله- ما سموها..فالعبرة بالمسميات وليست بالاسماء.. ولم أرهم بالأمس القريب قد توقفوا كثيرا عند التسمية أو تورعوا عن خوض الحرب التي دارت رحاها صيف 94م بين أبناء البلد الواحد ولم تكن ضد أحد من الخارج. فلم تسمى بحرب أهلية بل سميت بحرب الإنفصال. فلو أن علي صالح هو الذي أعلن الانفصال فماذا كان سيسميها؟

وبالتالي فعلى العلماء ا أن لايدسوا رؤوسهم في التراب اليوم بل يوضحوا للناس ويؤصلوا لهذه الحرب إن كان لا مناص منها, كما فعلوا في حرب 94م.

الثاني: وهي التعويل على العامل الأقليمي والدولي ..وأعتقد أن الثوار قد اعطوه أكثر مما يستحق. فلا شك أن القوى الاقليمية والدولية تدخل على الخط ولكنها ما تلبث أن تغير مواقفها تبعا للمعطيات والمستجدات على أرض الواقع, وقد رأينا ذلك في كل من تونس ومصر ونراه اليوم في ليبيا. والأصل في الثورات أن تمضي قدما وفق خطط محكمة لتحقيق أهدافها ولا تلتفت لأحد دون أن ترى نتائج ملموسة ولو على أقل تقدير لبعض أهدافها.. حينها ستكون قادرة أن تملي فيها شروطها ومطالبها العادلة على النظام والقوى الداعمة له ولكن من مصدر قوة , وأما الثورات التي تنتظر مايقرره الآخرون لها فهي ثورات مستسلمة وليست سلمية.

عودا على بدء فالثورات على مر التاريخ هي باب الحرية الواسع والحرية ضريبتها غالية وقد تستوجب التضحية بالنفس والمال:

وللحرية الحمراء باب ** بكل يد مضرجة يدق

ونادرا ما حققت الثورات البيضاء أو السلمية أهدافها وخاصة في وجود أنظمة دكتاتورية ومتسلطة وما القذافي وعلي صالح والأسد عنكم ببعيد. ولو لم يكن للجيشين التونسي والمصري مواقف حاسمة لما تنحى بن علي ومبارك, ومن يقول غير ذلك فإنما يتجاهل الواقع ويحاول ذر الرماد في العيون.

واليمن اليوم يشهد ثورة على مدى ستة أشهر وقد قدمت هذة الثورة بعض التضحيات ولكن ربما لازالت تحتاج إلى المزيد لقطف الثمرة وإلا ذهبت تضحيات الناس سدى. والجميع اليوم مطالب بهذه التضحية ابتداء بقادة المعارضة والقادة العسكريين ومشائخ القبائل المؤيدين للثورة وأنتهاء بالشباب. ولايسعني هنا إلا ان أثمن تلك التضحيات والضربات التي تلقاها ابناء الشيخ المناضل عبد اللة بن حسين الاحمر-رحمه الله- فهم الثوار ابناءالثوار والشئ لايستغرب من معدنه وكم آلمني أن يظهر بعض شباب الثورة أوالسياسيين ليقول في وسائل الإعلام أن مايجري في الحصبة ليس له علاقه بالثورة انسجاما مع ما يرده اعلام النظام.. فياللعجب! فمن أجل ماذا تضرب منازل أولاد الشيخ عبدالله وانصارهم؟ هل بسبب أنهم لايوجد لديهم مصالح أو مناصب في وجود هذا النظام؟ الواقع يقول غير ذلك فمصالحم ممتده طول البلد وعرضه, وهم أول من تركوا الوزارات وانظموا للثورة ..وكان المنطق يقتضي أن يكونوا آخر من يثور لكن كما ذكرت فالقضية بالنسبة لهم مبدأ. ولعلهم أرادوا أن يكفروا عن أنفسهم وعن والدهم مساندة هذا النظام طيلة السنين الماضية. وكم رأينا أن ذلك لم يشفع لهم بل أصبحوا هدفا لهذا النظام عقابا لهم على مواقفهم الوطنية النبيلة. وأما مايتردد من كونهم يطمعون في مناصب أومصالح شخصية, فهذا من إشاعات النظام, فهم لاينقصهم شئ من ذلك في الوقت الراهن وكان باستطاعة النظام أن يستميلهم بما يريدون لو علم أنهم سييغيروون مواقفهم.

وربما كان النظر مبكرا في تجديد استراتيجية وآليات الثورة سيجنبها كثير من الاخطاء التي وقعت فيها كما أسلفت, ولكن ذلك لايعني أنه قد فات الأوان بل ينبغي أن يتنادى الثوار وأنصارهم من مشائخ العلم والقادة العسكريين ومشائخ القبائل ورجال السياسة والفكر والأكاديميين واالمثقفين وكل دعاة الإصلاح والتغيير لوضع آلية وخطة تضمن نجاح هذة الثورة وتحقيق أهدافها. وأما أن يزج الثوار أنفسهم بصدور عارية ليعودوا جثثا هامدة أما عصابات احترفت القتل ولازالت تقتات عليه. فلا أظن ذلك من حكمة أهل اليمن في شئ. كما يفترض أن لايترك أنصار الثورة اليوم لوحدهم يدفعون الضريبة لتستفرد بهم قوات النظام وبلاطجته ,فحينها ستجرف الساحات بمن فيها وستحرق الخيام على مقعديها في الوقت الذي نردد شعارات قد تكون أقرب للأماني منها للواقع, فالأماني حيلة العاجز, والسماء لا تمطر ذهبا ولافضة.. والله نسأل أن يحفظ اليمن من كل شر ومكروه.