الحديث عن الحوار هل هو بداية انفراج
بقلم/ فؤاد الصوفي
نشر منذ: 15 سنة و 4 أشهر و 26 يوماً
السبت 20 يونيو-حزيران 2009 08:12 م

يومٌ بعد يوم والوضع في البلاد يتفاقم ويزداد سوءا وتتسع الهوة وتضعف جسور الثقة بين أطرافه الفاعلة؛ وبخط موازٍ يزداد تعالى الجهات الرسمية وعناد المعارضة عن الشعور بالمسئولية والجلوس على طاولة التفاوض والحوار المدفوع بنوايا حسنة ومسئولة، والمواطن اليمني يأمل في أن يسمع أو أن يرى الجميع قد تحمل مسئوليته، ونزل عند مصلحة الشعب وطموحاته ولكن دون جدوى .

  فالحاكم كلما شعر بالخطر نعق من منابر الإعلام بالدعوة إلى الحوار و بنفس الوقت تهروِل المعارضة للحضور، وذاك متمسك بتعاليه وهذا متمسك بعناده، وكأن الحاكم حين يدعو إلى الحوار عبر وسائل الإعلام ما يفعل ذلك إلا كورقة إعلامية ليبدي بأنه طلب الحوار وأن الأطراف الأخرى لم تكن جادة، وينسى أنه المسئول الأول عن نجاح أي حوار، وليس مستساغاً أن يدعو للحوار ثم يفشِل ذلك مرةً بعد أخرى، كما أنه ليس من اللائق أن يدعو للحوار ثم حين يضمن الحصول على مكاسب حزبيه من الحوار نبذ مبادئ الحوار وراء ظهره، كما حصل في المسرحية الأخيرة التي انتهت بنصر المعارضة بتأجيل الانتخابات ونصر الحاكم بترحيل الأزمات وتمديد المجلس النيابي سنتين إضافيتين والتي قد تجعل منه في هذه الفترة مجلسا يشَك في شرعيته، والمواطن مذبوح ليس له فائدة من نصر هذا أو ذاك ، فالكل يعمل خارج دائرة همومه .

  ويتساءل –المواطن- هل كانت المصائب التي يعاني منها هي إجراء الانتخابات النيابية أو انتهاء عهد المجلس النيابي، فبعد أن حقق كلٌّ ما يريد بعيدا عن مصالح الشعب وهمومه وعادت الحرب الكلامية وتعوّق الحوار وعاد إلى مربع تبادل الاتهامات والتنصل عن المسئوليات .

  إن نجاح أي حوار لن يكون إلا بالتنازل والتفاهم من كلا الطرفين سلطة متمثلة بالحاكم ومعارضة متمثلة بالمشترك، فهما الطرفان الفاعلان في الساحة، هما المشكلة وهما الحل، ولن يقوم حوار مسئول مالم يقدم كلا الطرفين تنازلا حقيقيا من شأنه أن يلُم الشمل ويضمد الجراح وتتقارب به الآراء ولو تقاطعت المصالح؛ وأيا من الطرفين سيكون جادا في حواره وسيقدم قدرا من المرونة سيكون هو الأوفى والأصدق وسيحظى بتقدير جمهور كبير من أحرار هذا الوطن .

ومعلوم أن الطرف الذي نادى للحوار سابقا هو فخامة الرئيس، وإن كان هناك ريب في دوافع ذلك الحوار إلا أن الدعوة إليه أمرٌ إيجابي لأنها اللغة الأخيرة التي يضطر إليها المختلفون ويقدمها ويحتكم إليها العقلاء .

  وحتى ينجح الحوار فإن ذلك يتطلب من الطرف المنادي للحوار أن يكون أكثر جدية ومرونة لأن ثقة الآخر به قد وهنت حيث تكررت دعوات الحوار فما أن تبدأ إلا وباءت بالفشل  .

  ولن يتحقق هذا مالم يتغلب الوطنيون في الحاكم على اللوبي الممانع لوئام النخبة، كما يحتاج للنوايا الحسنة حتى لا يكون الدافع للحوار هو إبراز لافتته دون حصول حوار حقيقي .

وأما الطرف الآخر وهو المشترك ممثلا بقواه المختلفة فالدعوة إلى الحوار مرة أخرى تُعَد بحد ذاتها مكسبا سياسيا جديدا له، واعتراف بأنه يشكل المعارضة الحقيقية والعنصر الأقوى في الأحقية. وفرصة الحوار بالنسبة له قد تكون الفرصة الأهم التي تستلزم منه أن يتحمل مسئوليته تجاه هذا الوطن وشعبه طالما عانى من الفرقة والاختلاف، وكان الضحية لتمزق النخبة واختلافها .

وتحمل مسؤوليته تتمثل بإبداء قدر من المرونة والتنازل عن مبدأ تحقيق كل الأجندة فما لا يدرك كله لا يترك مالم فسيصبح بعيدا عن هموم شعبه وتطلعاته كما أنه سيجعل المؤملين به يشعرون بشيء من اليأس والإحباط .

وتكرار دعوات الحوار وفشلها تُفهِم المتابع أن الأزمة عند الجميع فكيف يتفق هؤلاء في الصباح ويختلفون في المساء ؟ هذا أمر يدعو للريبة في دوافع تلك الحوارات وفي أسلوبها ونقاط الاتفاق عليها وبالتالي فإن تعنتا من قبل المشترك أو عدم جدية لن يكون من صالح المشترك الذي يزعم الحرص على الشعب ومصلحته وسندخل في حلقة جديدة تمكن النظام من التمادي والاستبداد والقهر السياسي .

وأما نتائج الحوار الأخيرة فليس من الصواب إحساس المشترك بأنه قد حقق نصرا على خصمه بتأخير الانتخابات؛ بيد أن ذلك يعد مكسبا حقيقيا أثبت أن المشترك أضحى كيانا قويا وليس من الممكن تجاهله، هذا الأمر الذي أرغم البركاني وفريقه على توقيف مسرحية الانتخابات التي كانت تحاك فقراتها لتدخل البلد في دوامة لا يستفيد منها إلا ذوو المصالح الخاصة، هذا الأمر الذي جعل البركاني لم يخف امتعاضه عن التأخير حتى لا يشعر خصمه بالنشوة والنصر .

ولكن بالمقابل فإن المستفيد الحقيقي من ذلك هو الحاكم،حيث مدد لأغلبيته وبالتالي سيمدد لزعيم الأغلبية وبتحقيق هذا الهدف توقف الحوار وانتهت حلقاته في غضون فترة وجيزة وعاد كل يتهم الآخر بعدم الجدية، ومؤخرا يُتَّهم المشترك بركوبه موجة التخريب والعنف في جنوب البلاد متناسيا أن كل من ركب العنف في جنوب البلاد وشماله خرجوا من عباءة المؤتمر الذي ظل كهفا لجمهور من المنتفعين

وأخيرا فالحوار دون تنازلات وتفاهمات ليس بحوار والدعوة إليه مطلب رسمي وشعبي وضرورة تفرضها مستجدات الواقع ومتطلبات المستقبل، فالمؤمل العودة إلى الحوار بتجرد وجدية، وسددوا وقاربوا وكان الله في عون الجميع .