مأرب علامة المرسيدس في مواجهة رياح التاريخ
بقلم/ د.مروان الغفوري
نشر منذ: 9 سنوات و 3 أشهر و 16 يوماً
الإثنين 03 أغسطس-آب 2015 12:22 م
مأرب اليمنية هي مهد واحدة من أقدم حضارات الجزيرة العربية. يمنياً تعتبر مأرب هي خزان النفط الأكبر في اليمن، وهي التي أسندت الاقتصاد اليمني في الربع قرن الأخير.
تحادد مأرب سبع محافظات يمنية يسيطر الحوثي على ستة منها. من الأعلى تبدو خريطة مأرب شبيهة بعلامة مرسيدس بنز، وتتداخل مع جيرانها. خلال ثلاثة أشهر، وحتى اللحظة، يهاجم الحوثي تلك المحافظة الصغيرة من ستة محافظات. من وقت لآخر يعيد أهل مأرب انتشارهم داخل علامة المرسيدس، ويصدون حشود الحوثي الطائفية من كل الجهات. لا توجد إحصائية لعدد القذائف الثقيلة التي أطلقتها ميليشيات الحوثي، مسنودة بالجيش المؤيد لها، على مأرب. لنضع مأرب داخل هذه الصورة: طوع الحوثي محافظات الشمال كلها وبقيت له مأرب. بالنسبة لصالح فتلك محافظة استراتجية لا ينبغي التفريط فيها. وبالنسبة للحوثي فهي كذلك، وهي أيضاً جسمٌ غريب بالمعنى الثقافي. فهي منطقة شافعية في حزام زيدي متماسك ومتداخل. حول الحوثي المحافظات المحيطة بمأرب إلى جيش احتياط وجلب آلاف المقاتلين. استفاد من حقيقة أن الجبهة الشمالية كلها هادئة باستثناء مأرب، وشن حرباً بكل اليمن الأعلى ضد "علامة المرسيدس".أفاقت مأرب على حشود هائلة، وجيش ضخم من عدد كبير من ألوية الحرس الجمهوري وقوات النخبة تحاول اقتحامها. إذا كانت تلك الجحافل تطلق على مأرب، من كل الجهات، في اليوم ٣٠٠ قذيفة ثقيلة فهذا سيعني، حسابياً، أن الحوثيين قد أمطروها حتى الآن بأكثر من ٣٥ ألف قذيفة!
كالعادة تعيد مأرب تأكيد الحقيقة الكلاسيكية حول جيوش الحوثيين: ينتصرون فقط في معاركهم ضد الذين لا يملكون السلاح، أو لا يستخدمونه. لا أحد قادر على أن يشرح هذه الظاهرة على نحو كلي، لكنها ملحوظة ومثيرة للانتباه. فقد استطاعت المقاومة الشعبية في تعز، على سبيل المثال، أن تحقق انتصارات يومية على مدى أكثر من مائة يوم بعدد لا يتجاوز ٥٠٠ فرداً ضد حشود ضخمة من الميليشيا مسنودة بشبكات حزب صالح وثلاثة ألوية عسكرية ضخمة "٢٢ حرس جمهوري، اللواء ٣٥، القوات الخاصة".
علامة المرسيدس، أو مأرب، لا تزال صامدة. هذه الجملة ليست دقيقة لأن مأرب كسبت أغلب معاركها وتقدمت في اتجاه العدو. عندما أطلقتُ، مع مجموعة من المثقفين الشباب، هاشتاغ "ملوك سبأ ليسو قاعدة" لامست تلك الجملة وتراً في جسد المأربي المعاصر. يعتقد المأربي، بالفعل، أنه مسنود بتاريخه وأنه لا يزال ملكاً. في أسوأ الظروف: ملكاً ضليلاً. كانت هذه الملاحظة دقيقة لدى كثير من شعوب العالم: أن تقاتل مسنوداً إلى تاريخك. 
بمقدورنا تخيل ما الذي يجري في مأرب. لكن من غير الممكن، حالياً، تخيل كيف ستكون عليه مأرب عندما تضع الحرب أوزارها. أعني كيف يمكن إعادة دمجها مع صنعاء؟ الحرب التي تشن حالياً على مأرب هي شكل ما من أشكال الحرب الأهلية، وقد استخدم الحوثيون في حربهم ضد مأرب: المذهب، الهاشميين، الجيش، الحكومة، حزب المؤتمر الشعبي العام، والقبائل. تجري الحرب داخل الأراضي اليمنية، تقودها صنعاء العاصمة ضد الرافعة الاقتصادية للبلد. سقط المئات من أهل مأرب قتلى، وآلاف الجرحى. في مأرب يوجد مشفى واحد فقط وقد تعرض لهجوم بالقذائف الثقيلة. القذائف التي تسقط على مأرب تحفر أخدوداً كبيراً بين مأرب وباقي البلاد. تماماً كما حدث في عدن. حفر الحوثيون أخاديد مشابهة بينهم وبين الآخرين، ثم بين سائر اليمنيين. ما إن امتلكوا ما يكفي من السلاح حتى عزلوا أنفسهم عن العالم. ومؤخراً اعترف أحد ممثليهم في الحوار الوطني، وعضواً في مكتبهم السياسي، أن ٧٥٪ من اليمنيين صاروا ينظرون إليهم كحركة إرهابية.
شن الحوثيون حرباً على كل اليمن لكن مأرب نالت النصيب الأوفر من تلك الحرب. ليس لأنها صمدت وحسب، بل لأنها مكشوفة من كل الجهات، ولأنها أبدت قدرة على إرباك أعدائها ودحرهم. في الأيام الأولى للحرب كان كل اليمن، تقريباً، في قبضة رجال صالح والحوثي باستثناء تلك البقعة التي على شكل علامة مرسيدس. إعلان الحوثي للحرب كان في الأساس إعلاناً ضد مأرب طبقاً للرواية التي قدمها مساعد وزير الدفاع لصحيفة المصدر. فقد استلم الوزير، حالياً في سجون الحوثي، خطة مكتملة لاجتياح مأرب. طلب منه عبد الملك الحوثي، شخصياً، أن ينفذ الخطة باستخدام الجيش مدعوماً بالطيران الحربي. ولم تمض سوى أيام قليلة حتى كانت كل اليمن تخوض حرباً، بطريقة أو أخرى. الحرب التي فاجأت الحوثي شخصياً، ثم التهمته كل مكتسباته: السياسية والاجتماعية والعسكرية. لقد ألقى بنفسه في جحيم عظيم ليس له آخر وفتحت عليه كل الأبواب دفعة واحدة.

مشاهدة المزيد