جنوبي .. شمالي .. يمني وافتخر
بقلم/ ابو الحسنين محسن معيض
نشر منذ: 14 سنة و شهرين و 25 يوماً
السبت 21 أغسطس-آب 2010 12:01 ص

لقد أردت أن أتوقف في رمضان عن الكتابة مروضا النفس للزاد الروحي والفكري والثقافي بما يحقق لها راحة نفسية وطمأنينة قلبية , ولكن استوقفتني معظم التعليقات المثيرة على موضوعنا ( ارفع رأسك أنت جنوبي ) والتي ذهبت هائجة عاطفية , متخبطة يمنة ويسرة ومكيلة التهم والشبهات , وخارجة عن محتوى المقال لتذهب إلى كلام اغلبه لا معنى له إلا بقصد صرف النظر عن واقع ملموس نراه كل يوم من رواج سوق العمل التجاري والتطور العمراني والتوسع الإنشائي في كل أرجاء المحافظات بشكل لا يقبل الشك ولا الإنكار وتكونت به خارطة لمدن جديدة مستحدثة , ولم يتطرق المقال إلى الجوانب الأخرى التي ذهبت إليها التعليقات كالأمن والاستقرار والعدل !! مما يدل على عقلية جنوبية مازالت تحترف رفض الرأي الأخر وإقصاء المخالف ولو تطلب الأمر إلى تشويهه واتهامه بالعمالة والتنقل به بين اليمين الرجعي واليسار الانتهازي !! وتهوى خلط الأوراق زينها وشينها ليس بنية التبيان للحق ولكن لجعل الكل سيئا والجميع باطلا وإلا فإنهم لو قرءوا الموضوع جيدا لما هاجوا وشمروا , ولكان لسان حالهم يطابق ما تراه عينهم , أو لو أنهم صبروا ليطالعوا المقال التالي لكان خيرا لهم لكننا بالعقلية الثورية القديمة نبادر بالهجوم والنسف والتهم الجاهزة , واذكر حدوث مثل ذلك عندما كتبت مقال ( أيها الجنوب الحبيب أما آن لجرحك أن يطيب 1 ) حينها اشتعلت التعليقات بكلام لم اسمع مثله قبلا في التجريح والاتهام , وحينما نشر الجزء الثاني إذا بهم يؤيدون ما جاء فيه وأنقلب المادح سابقا مشككا , لأننا ببساطة لا نتبع الحق ونقيم الأمور بصدق وإنما نرفع شعار كن معي أو أنت ضدي ..

لم نصل بعد إلى مستوى راقٍ من إدارة فن الحوار الجاد الهادف إلى تحقيق غد أفضل ومستقبل مستقر , وان كنت متأكدا أن اغلبهم لم يعاشروا الماضي القديم وأنهم شباب في العشرين من العمر فلذا ينكرون معانات جيل السبعينات التي كانت حصيلة تهور قيادات حملت فكرا أعلى مما حمله مؤسسوه كما قالت في تعليقها الأخت (لمياء أمان ) وأضاعوا على الوطن فرصة التميز والرقي , فبعد أن كانت عدن لؤلؤة الجزيرة ومحط رحال تجار الخليج والعرب وقبلة الشركات العالمية صارت فقيرة كادحة طردت رؤوس أموالها , ولا أنسى يا جيل المعلقين الصغار وقوفنا في طوابير أمام محلات شركات التجارة لنيل ملابس للعيد نتدافع ونتزاحم , وكذلك أمام بسطات الخضار في رمضان لنيل كمية محددة من التفاح والبرتقال الذي يتم استيراده خلال هذا الشهر , ناهيك عن طوابير الحب والبر وغيرها وخاصة في بداية السبعينات , واذكر أهالي قريتي إذا علموا أن هناك توزيعا للفيمتو أو السنكويك أو أمثالها من الأشياء لدى مندوب الشركة ( بن الحاشرة ) رحمه الله في قرية الجابية كيف يسارع كل فرد بسيارته أو على قدميه لنيل حصته , فهذه معاناة حقيقية وتاريخ لا ينسى ولا يجب أن ينكره احد أو يقارنه بغيره من الأوقات فان لكل زمن أفاته ومساوئه ولكني قصدت أن يتعظ الإنسان من حركة التاريخ وأن يكون صادقا في المقارنة عادلا في التقييم تقيا في الحكم على الأشياء واقعيا في نظرته واختياره للغد , وليتحكم فينا ( كجنوبيين ) عقولنا الراجحة وحكمتنا اللامعة بدلا من العاطفة المتهورة والاندفاعات المتوهجة بترديد الشعارات العدائية وحمل اللافتات التي لا تخدمنا ولا تحقق لنا إلا مزيدا من المعانات والتشرذم والألم ..

فمما سبق من التاريخ يجب أن نتوقف عن تلك الثورية القديمة والنضالات الكفاحية ضد إخواننا الشعب (المواطن الشمالي ) فهم ليسوا ( كما كنا نردد في مسيراتنا قديما ) من أعدائنا البرجوازيين الرجعيين ولا من الانتهازيين الغربيين ولا من الرأسماليين الأمريكيين .. هم شعبنا .. إخواننا .. دمنا ولحمنا .. مظلومون مثلنا .. يعانون معاناتنا .. الفرق أنهم تعودوا على ذلك وتعايشوا معه .. ولكن بسعينا للتغيير ورفضنا للواقع المرير وقيادتنا لمسيرة التحرير سيهبون معنا لميلاد وطن موحد من طراز جديد ( شعارنا القديم ) , وينسى المعلقون في خضم عصبيتهم وفورة شبابهم أن الوحدة حملت ألينا أشياء جميلة ومحمودة ولا يمنع أن لها أخطاء جسيمة وسلبيات كبيرة يجب النضال لتغييرها وتحقيق دولة اليمن الموحدة الآمنة المستقرة الكريمة .. ولقد تمسكت بمنهج العدل بعيدا عن الهوى ورغبة النفس في كل كتاباتي السابقة حيث ما كان حسنا أيدته وما كان سيئا قيمته .. وأكمل هذا المقال برسالة :

ـ لقيادة الحراك إن كانت هناك قيادة واعية موحدة وهذا ما أتمناه لأنها ستسعى للوصول بالبلاد والعباد إلى بر الأمان .. أقول : لماذا نغمة الانفصال ابتداء ؟! ألا يوجد غيرها يتحقق به الأمن والخير .. ألا ترون أن هذا المطلب سيجعل الباب مفتوحا فيما بعد لحضرموت أن تطلب الانفصال وعدن ولحج أن تنضم لتاج الكمال ورغبة المحافظات والتكوينات القبلية أو السلطانية بعودة الحال على ما كان عليه في سالف العهد والزمان ـ لماذا نندفع دائما هرولة وراء ما نريده بدون تريث ولا تخطيط ولا رؤية سليمة .... وكما هرولنا للوحدة بدون تدرج ولا مرحلية ها نحن نطلب الانفصال من أول خطوة .. ولقد ندمتم للوحدة السريعة وربما ستندمون ألف مرة للانفصال الحار . ألم يآن الوقت لرؤية إستراتيجية حكيمة لإدارة البلاد .. ارونا إياها .. أطلعونا عليها .. بدلا من الشعارات والهتافات ودغدغة عواطف الشعب بأحلام سرابية ووعود عرقوبية .

ـ وختاما :إن كانت التعليقات السابقة الهائجة تمثل العقلية الجنوبية القادمة فعلى الدنيا السلام .. فهي للأسف ما زالت مدمنة شرب الدماء ومخدر الدفن أحياء وتميل إلى محو الرأي الأخر عائدة بنا إلى زمان سبق وتولى .. وكأنها تحدد منهجها القادم في دولة الانفصال .. عندها أبشر أبا الحسنين بزوار الفجر وجونية الموت , والتي أطلب منهم أن تكون واسعة لأنني كما امقت في حياتي الانحناء والانكسار .. لا أريده لي عند دفني حيا بين التراب والأحجار !!.