مؤتمر الحوار يسوق انحرافات خطيرة!
بقلم/ أنور بن قاسم الخضري
نشر منذ: 11 سنة و 3 أشهر و 21 يوماً
الجمعة 26 يوليو-تموز 2013 12:32 ص

عن فريق بناء الدولة في مؤتمر الحوار الوطني الشامل، يوم الثلاثاء 14 رمضان 1434هـالموافق23 يوليو 2013م، بيانا مضللا، لذر الرماد على العيون، ولتطمين ثائرة المجتمع اليمني بعد ما صدر عن عدد من أعضاء مؤتمر الحوار الوطني الشامل من إيضاحات بشأن ما يجري في كواليس فرق العمل، والتي نص نظام المؤتمر على بث جلساتها للعلن وإتاحة المحاضر والمعلومات للاطلاع من قبل الشعب اليمني.

كانت البداية هي صرخة أطلقها الشيخ كمال عبدالقادر بامخرمة–عضو المؤتمر في فريق الدولة- للمجتمع اليمني بكل فئاته وشرائحه وأبنائه، بشأن ما رآه خلال عمل الفريق في ظل التعتيم والتغييب الجاري من محاولة للالتفاف على هوية اليمن دولة وشعبا والمتعلقة بالإسلام وشريعته، من قبل أطراف لها سوابقها التاريخية مع هذه القضية ومواقفها المعلنة والمصرح بها في الإعلام والحراك المجتمعي.

وكانت الصرخة واضحة، ووجدت تجاوبا كبيرا في قطاع كبير من أبناء الشعب،فقد كان عنوانها على صفحة الشيخ كمال بامخرمة في الفيسبوك بعنوان "نداء عاجل لكل مسلم يمني". وهي صرخة نبه فيها اليمنيون إلى طبيعة الصياغة المراد تمريرها عبر المؤتمر بشأن دين الدولة ومصدر التشريع فيها. فالصياغة كما هو معلوم ستكون مرجعا لواضعي الدستور ولمجلس النواب والقانونيين والقضاء من بعد؛ فإذا لم تكن واضحة وصريحة في تحديد هوية الدولة والمجتمع وإلا فإنها سوف تعيد الصراعات الفكرية والقانونية بين الأطراف المختلفة.

لم تتضمن صرخة الشيخ كمال بامخرمة أي تكفير لشخص بعينه، بقدر ما أوضحت خطورة أي انحراف قد يقع في الصياغة من شأنه فتح باب لمجلس النواب والقانونيين للتشريع خلافا لما جاءت به الشريعة بدعوى أن هذا أمر دستوري! لتدخل اليمن كغيرها من الدول العربية في سباق العلمنة وفرض قوانين وتشريعات تخالف الإسلام وتضاد مفاهيمه ومبادئه وقيمه وتصوراته.

غير أن أعضاء المؤتمر الذين عناهم هذا الخطاب قاموا بإرهاب فكري، حيث قاموا بحملة إعلامية ونفذوا وقفات تطالب رئاسة المؤتمر بمعاقبة الشيخ باعتباره ((كفرهم))! وهكذا يصبح التعبير عن وجهة النظر الشرعية وخطورة مخالفتها تكفيرا!

فاستجابت رئاسة المؤتمر لهذه المطالب وأحالت الشيخ إلى لجنة الانضباط والمعايير التي لم تمت فيما هو أعظم من صرخة الشيخ كمال بامخرمة من مخالفات وكلمات وتجاوزات! ذلك أن الشيخ لا يسنده قوى أجنبية وسفارات غربية ولا أحزاب سياسية..!!

ومن المؤسف أن الفريق في بيانه ذهب إلى أن هناك دعوات تكفيرية وتهديد لأعضاء الفريق! محاولا رسم صورة نرجسية لما يجري في المؤتمر عموما وفريق عمل هوية الدولة خصوصا، مع العلم بأن أخبار الفشل الجاري في داخل المؤتمر وما يتبعه من إشكالات على الواقع بلغت حد التواتر وأصبحت على لسان كافة أبناء الشعب.

ويقول بيان الفريق -الذي نشر في موقع المؤتمر الوطني على النت- إن الفريق ناقش واتفق على"أغلب هذه المفردات: اسم الدولةـ اللغة الرسمية ـالانتماء العربي والإسلامي ـالالتزام بالمعاهدات والاتفاقيات الدوليةـ المواطنة المتساوية ـ مصدر السلطاتـ الفصل بين السلطات التعددية الحزبية ...الخ".

وأكد عن وجود اختلاف "حول النصوص المتعلقة بمسألتين هما: دين الدولة، ومصدر التشريع". واصفا في مهزلة يعرف كذبها أي متابع النقاش الذي يتم بـ"الموضوعي الجاد والمسئول"..!!

وعوضا أن يؤكد البيان ضرورة أن لا تمس هوية الدولة الإسلامية ومصدرية الشريعة الإسلامي لجميع التشريعات والنظم والقوانين، ذهب ليؤكد على أن هناك تصويت تم على صيغتين في هوية الدولة:الأولى"الإسلام دين الدولة"،والثانية "اليمن دولة مستقلة ذات سيادة الإسلام دينها والعربية لغتها والجمهورية نظامها وهي دولة مدنية تقوم على المواطنة وإرادة الشعب وسيادة القانون"؛ وصيغتين في مصدر التشريع:الأولى "الشريعة الإسلامية المصدر الرئيس للتشريعات"،والثانية"الشريعة الإسلامية مصدر جميع التشريعات"؛ وذهب ليجعل من المسألة اختلافا على الصياغة سيتم إحالتها إلى لجنة التوفيق بموجب أحكام النظام الداخلي لمؤتمر الحوار الوطني.

واتهم البيان الشيخ كمال بأنه وجه نداء تحريضيا[هكذا.. علما بأن التحريض قانونا له صيغته ومفهومه الواضح]: إلى(العلماء والدعاة والخطباء أن يقوموا بواجبهم في إنكار هذا المنكر العظيم الذي يراد فرضه على أهل اليمن،وأن يقوموا بواجبهم في توعية الشعب إلى خطورة ما يراد بهم من هدم لدينهم وشريعة ربهم)،ولكل مسلم (أن يقوم بواجبه في إنكار هذا المنكر العظيم الذي يساوي الشرك بالله بل هو شرك بالله).

فأصبح تعبير عالم شرعي لرؤيته ورأيه في مسألة خطيرة، ومكاشفته للشعب والمجتمع بما تم وبما يجري، تحريضا! في بيان فريق الدولة! بل ذهب للدفاع عن أعضاء الفريق الرافضين للتصويت على إسلامية الدولة ومصدرية الشريعة الإسلامية، معتبرا قيام بعض مشائخ اليمن بذكر أسماء المعارضين بأنه يوحي (أنَّ هذه الأسماء ضد الشريعة الإسلامية،كذبا وزوراً وعلى غير الواقع والحقيقة)! علما بأن رئاسة مؤتمر الحوار الوطني وأمانته العامة لو كانت صادقة في إيمانها بعلانية الحوار ومكاشفة الشعب بما يجري في أروقته لحسمت مثل هذا الخلاف ببث كل ما يجري من حوارات وإتاحة الاطلاع على تسجيلاتها ومحاضرها من قبل كل أفراد الشعب!

ومن ثم فإن اعتبار بيان فريق بناء الدولة أن "كلما ورد في هذه البيانات كان مجانباً للصواب، ولا يعبر مطلقا عن حقيقة النقاشات التي دارت في الفريق في الموضوع،بل هي بيانات تحريضية مضللة لا تستند في استنتاجاتها إلى أي أساس من الحقيقة" كلام كذب ومضلل، وليس له أي سند قانوني. وعلى رئاسة المؤتمر وأمانته العامة ببث كافة جلسات الحوار صورة ونصا! لإعطاء الشعب حق الحكم على المغامرين بدينه وهويته ومصالحه!

إن المتأمل في صرخة الشيخ كمال يجد أنها لم تكن تحريضاً, بل حقيقة أمرها أنها تواصل اجتماعي ودعوة للمشاركة المجتمعية التي أقرها النظام الداخلي للحوار, فمما جاء فيه: (المشاركة المجتمعية في مؤتمر الحوار الوطني الشامل هي إحدى أهم ضمانات الوصول لمخرجات تستجيب لتطلعات وطموحات فئات المجتمع اليمني)،وجاء فيه: (أنها تساهم في تحسين ضمانات تنفيذ مخرجات المؤتمر وتعمل كحزام أمان مجتمعي لمؤتمر الحوار)،كما جاء في أهدافها:

-تحقيق مبدأ المشاركة في الحوار كحق مشروع لكل مواطن.

-الدفع بأن يكون تحقيق مصالح المواطن اليمني هو المحرك السياسي لاتجاه اتخاذ القرارات.

وما صنعه الشيخ كمال لم يتجاوز حقه كعضو في المؤتمر في تفعيل هذه المواد, أمل أنه تحدث بكلام شرعي يستند إلى الكتاب و السنة صار خطابه تحريضياً؟!

إن محاولة البيان للتقليل من شأن الخلاف في الصياغات المصوت عليها، حين يقول: "في ما يخص النصين المقترحين بشأن دين الدولة فإن هذين النصين المصوت عليهما يحملان نفس المضمون في كون الإسلام دين الدولة"، فهو تضليل دستوري وقانوني آخر، يسعى من خلاله فريق الدولة للضحك على الشعب. لذلك فإن على العلماء والقضاة والقانونيين اليمنيين أن يقولوا كلمتهم باعتبارهم مختصين في هذا الشأن، قبل أن يقضى الأمر ويدبر بليل!

فإننا إذا تأملنا النصين: سنجد أحدهما صريح وواضح في أن: "الإسلام دين الدولة"،أما الثاني فهو موهم:"اليمن دولة مستقلة ذات سيادة.. الإسلام دينها والعربية لغتها والجمهورية نظامها وهي دولة مدنية تقوم على المواطنة وإرادة الشعب وسيادة القانون"؛ فإن الضمير في " دينها" عائد على اليمن, أي أن دين اليمن الإسلام, فإذا قلنا: إن اليمن هي الدولة والشعب والأرض, فيكون الدين إما وصفا للدولة أو للشعب أو للأرض!! لذلك تم وصف الدولة في الفقرة الثانية بأنها "دولة مدنية"! وهي لفظة مجملة لها معنيان لغوي فضفاض وغربي فكري, والمعنى الغربي للدولة المدنية يتجه للدولة التي لا تحمل هوية دينية،ولا مرجعية دينية لها، وهذا أمر مرفوض شرعا! وهكذا فإن الفقرة الثانية تسقط أن يكون دين الدولة الإسلام, فلم يبق إلا أن تكون العبارة الأولى: الإسلام دين الشعب أو الأرض! وهو أمر لا يحتاج إلى أن ينص عليه في الدستور! وهذه مهزلة لا ينقضي منها العجب!

وعليه فإن المخرج يكون في أمرين:

-التصريح بوضوح بأن دين الدولة الإسلام.

-بيان مفهوم واضح للدولة المدنية بعبارة أوضح، لأن مجرد القول بأنها "تقوم على المواطنة وإرادة الشعب وسيادة القانون" لا يفيد تحديدا للمفهوم أو إيضاحا للمدلول.

كما أن محاولة تضليل البيان للمجتمع بأنه "من المقرر عند فقهاء المسلمين في جميع مذاهبهم أن مصادر التشريع في الشريعة الإسلامية لا تنحصر في القرآن والسنة فقط،بل ترجع أيضا إلى الاجماع والقياس والمصلحة المرسلة والاستحسان وغيرها. ورغم اختلاف فقهاء المسلمين في بعض هذه المصادر إلا أنه لم يقل أحد منهم إن المُثبت لهذه المصادر مشركا أو مكرسا للطاغوت لاتفاقهم على أن هذه المصادر تؤخذ منها الأحكام مالم تخالف الشرع"، فهو تضليل ينم عن جهل بالشريعة وأقوال العلماء. فإن هذه المصادر هي ضمن الأحكام الشرعية، فالتشريع في الإسلام يصدر عنها، والقول بأن (الشريعة الإسلامية المصدر الرئيس لكافة التشريعات) يعبر عن مصادر أخرى خارج شريعة الإسلام ذاتها ومصادرها.. وهذا يفهمه المبتدئ في العلم فضلا عن العلماء وأهل القانون ورجال القضاء.

أما تكذيب الشيخ كمال بامخرمة فيما ادعاه فإن إطلاع الشعب على تسجيلات جميع الجلسات بشكل تام ودون قصقصة كفيل بإيضاح الحقيقة. ولا داعي لوصف بيانات العلماء بأنها بيانات تكفيرية، وأنها وسيلة للضغط على مجريات الحوار لتحقيق مكاسب سياسية زائفة، فالمكاسب السياسية هي تلك التي تجري في الغرف المغلقة وخلف الكواليس وتحت الطاولة وبعيدا عن مرأى ومسمع الشعب..! وهذه المكاسب الخبيثة هي ذاتها التي "لم تورث لنا إلا الخراب طوال تاريخنا القديم والمعاصر"!

إن أي اتفاق يعبر عن صفقات سياسية بين الأحزاب السياسية لن يكون مقبولا من أبناء اليمن ونخبها! يجب أن يعرف ذلك أعضاء المؤتمر ورئاسته وأمانته العامة. فعلى الجميع في المؤتمر أن تحترم إرادة المجتمع، فهناك تسريبات ومعلومات تثبت بين وقت وآخر على أن من تم تعيينهم –وليس انتخابهم- في هذا المؤتمر ليسوا على مستوى ثورة الشعب وتطلعاته (إلا من ندر)!

إن إعادة الصراع على أساس اختلاف في هوية الدولة ومصدر تشريعاتها هي في الحقيقة "محاولات لجرنا إلى دروب ومسالك فرعية، أو إلى معارك وهمية تعيقنا عن إنجاز.." إرادتنا وثورتنا كشعب مسلم!

ونذكركم بأننا كمواطنين نحتفظ"بكل حقوقنا القانونية بما في ذلك رفع دعاوى قضائية أمام كافة المحاكم المختلفة" لإيقافكم عند حدودكم التي يرسمها لكم الشعب وليس.... غيره!