أين نسائنا ؟؟
بقلم/ بكر احمد
نشر منذ: 18 سنة و شهرين و 18 يوماً
الإثنين 21 أغسطس-آب 2006 02:24 م

" مأرب برس - خاص "

هناك فرق بين الشعارات الرنانة والخطابات التقدمية وبين واقع الحال ولحظة التطبيق ، فإلى فترة خلت تسابقت الأحزاب السياسية لتظهر مدى حداثتها ووعيها الاجتماعي تجاه المرأة ، وبلغت المزايدات إلى حد طلب تحديد نسبة للكوتا في المجالس المحلية للنساء تبلغ 20% وهي نسبة أن مررت لقفزت اليمن إلى مصاف الدول المتقدمة اجتماعيا .

إذا أين الخلل ونحن نتذكر أن كل الأحزاب السياسية تسابقت إلى إصدار بيانات تتحدث عن دمج المرأة في المعترك السياسي _ وهذا حق كفله لها الدستور كما كفله للرجل قبل أي إرادة حزبية أخرى _ وأين تبخرت تلك الشهامة الفكرية أمام أول تجربة فعلية ، لتظهر لنا ذكورية السياسة اليمنية بأشد تجلياتها ولتسقط ورقة توت هي بالأصل ممزقة حيال الموقف نحو المرأة .

أن المتتبع للمشهد اليمني بشكل عام عليه أن يتأكد بأن مفتاح التغير الاجتماعي وكيفية التعامل مع الآخر كما هو بطبيعة الحال في كل أرجاء الوطن العربي بيد النظام السياسي الذي يمتلك أدوات التغير الفعلية والدائمة ، كما علينا نحن كيمنيين أن نعلم جيدا بأن عملية التكيف مع الآخر وقبوله تبدأ بكيفية النظرة نحو المرأة كونها تمثل شق مغاير للرجل ، وان كنا نجد صعوبة في تقبل المرأة ككائن أو كإنسان ، فمن الصعب التكهن بمدى جديتنا بتقبل الفكر الآخر أو الثقافة المناقضة لنا .

فالمرأة ظلت ومنذ إعادة توحيد اليمن تمر بحالة من التراجع والانزواء حيث سطا عليها الفكر القبلي والمتحالف أصلا مع النظام السياسي ليبدوا لنا وكأن الأمر أتفاق ضمني تسير الأمور عليه طوال المدة الماضية ليظهر لنا بعدها الحزب الحاكم بفاقعة صابون سرعان ما تلاشت حين دعى كل الأحزاب السياسية لتحديد نسبة معينة للنساء في لجانه المركزية ولإقحام المرأة في الانتخابات البرلمانية والمجالس المحلية ، ليكون كعادته أول المتراجعين عن هذا القرار إذ أنه يبدو بأمس الحاجة إلى حليفه القبلي الطبيعي في خوض الانتخابات الرئاسية والمحلية .

المرأة ظلت أداة هامشية في الثقافة الذكورية في اليمن وتستخدم في نفس الوقت كورقة إعلامية أمام العالم لتجميل صورة النظام المجوف بالقبيلة السلبية ، وأن كان هذا هو الوضع السياسي للنظام الحاكم فما هي إشكالية الأحزاب الأخرى ذات التوجهات اليسارية والقومية ،ولماذا هي الأخرى تعرت بهذا الشكل المهين أمام أرث ثقافي كبير طالما تشدقت به .

وهذه الأزمة لخصها الأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني مجيبا على سؤال في أحد المواقع الإلكترونية حول نساء الحزب الاشتراكي ولماذا يبدون في المؤتمرات الحزبية في زاوية القاعة مرتديات العباءة السوداء وغطاء الوجه ، قائلا بأن الحزب لا توجد لديه إشكالية ثقافية تجاه المرأة ،ولكنه يعاني كإسقاط طبيعي لما حدث في حرب 1994م من حصار شامل وعلى جميع المستويات ،وأنا إذ أفهم من هذه الإجابة بأن الحصار صار أيضا ثقافيا حيث أن الحزب مراقب حتى بأدق تفاصيله مما جعله وكردة فعل بأن يلتزم بمستوى معين من اللبس والطريقة والتصرف مع المرأة ، كما أني أفهم إن استحقاقات التحالف الجديد مع حزب الإصلاح فرض عليه أجنده وأن كانت غير معلنة حول المرأة في السياسة ، ليبدوا لنا وفي كل الأحوال سواء على صعيد الحزب الحاكم أو الأحزاب التقدمية المعارضة أسقطت دور ومكانة المرأة لأجل تحالفات وأولويات فضلتها عليها.

إذا هنا مأزق وإشكالية تجاه المرأة ( الآخر ) وهذا انعكاس فطري لما تمر به الساحة السياسة ونتيجة طبيعية لأرث ثقافي مديد ، ومن الصعب أن نتصور ونتيجة لهذه العوامل أن يكون الرجل اليمني _ العربي _ بشجاعة كافية أن يغير هذا الوضع ما لم يمتلك أدوات قوية وراسخة تؤهله لذلك ، وأن التعويل على تحركه من قبل النساء حتى يغير وضعهن هو أمر قد يطول كثيرا لو تم انتظاره .

لذا من بداهة القول بأن تكون المرأة سندا لنفسها وداعية لأخذ حقوقها السياسية والاجتماعية والثقافية ومن خلالها فقط تكون البداية نحو تحريك المياه الراكدة فيما يتعلق بشأنها وذلك يكون عبر تكوين النقابات والتجمعات المدنية والصحف المتخصصة والمتجاوزة لنمطية الطرح النسائي ليرتقي إلى الفكر النسوي الجاد والجريء وخلق أدوات ضغط مؤثرة في المحيط الذي حولها ليقر أولا بالاعتراف بها ، وهذه ولا شك مهمة صعبة لكنها و في كل الأحوال أفضل بكثير من خيبة الأمل المكررة والمستمرة من جراء نقض الوعود التي لن تتحقق من قبل الرجل أو النظام السياسي.

فالمرأة أكثر شخص يعلم أين هي الإشكالية بالتحديد ، وهي الأكثر مقدرة على تجاوز هذه الاختناقات بشكل لا يصدم الواقع الاجتماعي ويضمن حلحلة هذا التأزم وهي أيضا من تستطيع أن توقف المتاجرة بقضاياها متى ما امتلكت المقدرة على فهم خيوط اللعبة الدائرة حولها وفهم المجال العام الذي تعيشه ، فهناك أكثر من زاوية تؤثر بوضعها ، وهذه الزوايا المشكلة من سياسة ودين وقبيلة قد يمكن تجاوزها متى ما بدأت بالاستقلال الفكري دون أن تُستقطب من أي اتجاه آخر ،خاصة و أن كل الاتجاهات الموجودة في اليمن لا تلبي الطموح النسوي ولو بأقل مطالبه.