دلالات الظهور الإعلامي الأخير للرئيس السابق ..
بقلم/ صالح السندي
نشر منذ: 12 سنة و 8 أشهر و 7 أيام
الإثنين 12 مارس - آذار 2012 05:02 م

ظننا أنه رحل , وانه اختفى وتوارى خلف دواعي الحسرة والحزن والهزيمة , ومنذ زمن لم نسمع له صوت وتناساه الشعب مرغما , ولكنه عاد أكثر قوة وبأسا وعنادا , ومن إطلالته الأخيرة في جامع الصالح أطلق التهديد والوعيد , وأعلن الحرب مجددا بلهجة قاسية وانتقاد لاذع لخصومة أكثر قوة من ذي قبل , ظهوره فيه دلالات عديدة أن النهاية المرجوة لم تحن بعد و لم تكن كما يريد البعض بتنحيه مباشرة عن السلطة مرغما , وأن ماهو قادم أفضع وأمرُ, وبتركه باب الظهور الإعلامي مفتوحا بمواعيد وخطابات لاحقة , توعد ببداية جديدة ربما هي أشبه ما تكون بالبدايات الانتقامية قبل سرد الفصول الأخيرة لمرحلة جديدة , في خيوط تآمرية جديدة ومواجهه حتمية تفرض قوة الرئيس السابق وعشيرته على مراكز صنع القرار والاستئثار بالمال العام والسلطة , ماكان له ان يظهر بهذا المظهر الجريء وبتلك المقابلة الإعلامية الجسورة وأمام حشد من أنصاره ومقربيه لولا الحصانة المطلقة والدعم الدولي والغطاء المحلي والتهاون والتنازل والتسليم الثوري , ولأنه بدا كأسد جريح يحاول جاهدا جمع قواه ورباطة جأشه إلا أن نبرات صوته الضعيف لم تخف الحرقة والحسرة وهو يتوعد بمزيد من الويل والثبور لأعدآءه الذي لن يهنئوا يوما واحدا بالسعادة في مناصب السلطة التي أنتجت لهم من وحي المؤامرة الخارجية حسب تعبيره , وإذ نستغرب عن ماهية القناة التي بثت خطابه ومدى القيود والرقابة الإعلامية المتوخاة في هكذا تصريحات وظهور إعلامي , ومالهدف من كيل التهم ونبش الماضي وإعادة فتح الملفات , وعن كيفية التجرد والتحرر الإعلامي من قيود السلطة , وإستباحة الفضاء الإعلامي لبث روح الفرقة والاختلاف والعودة باليمن الى مربع الأزمات والكوارث .

بدا في خطابه كأنه المنقذ الوحيد الذي يريد إعادة المجد الضائع والملك المغتصب الى أصحابه , او كالمحرر الذي يريد أن يحرر الأوطان من رجس الاستعمار البغيض , ومازاد من اكتمال الصورة درامية وشاعرية تعالي الأصوات والهتافات الحارة وهي تصفق لفخامته ومعلنة فدائها له بالروح والدم والطاعة المطلقة , ذلك الشعار ألاستكباري البغيض المستوحى من عبق الماضي الاستبدادي والتفرد بالروح والدم نفديك يا ... فيه دلالات الشرود الحسي والوطني عن تبلُد المشاعر ومدى الجهل المطبق وعودة أساطير الماضي على خرافات الأمس محملة بأمجاد وهمية وشعارات باطلة تمجد الأشخاص وتصنع الأصنام وتقر العبودية بإذلال شديد و تنخر في عمق الإرادة الوطنية وتخنق أمآل الغد بالتغيير والتحرر .

وعودته مجددا توحي بأنه مازال لديه روح ونفس ونبض وحياة, ومازالت لدية القدرة تؤهله لإشعال جذوة الخلاف و نار الفتن في كل حدب وصوب من بقاع الوطن , وفيه رسالة واضحة لأعدآءه ان المشوار لم ينته بعد وان خط المواجهة تغير وقوانين اللعبة تغيرت ولم تنته عند حدود تسليم مقاليد الحكم رسميا , وفيه رسالة لأنصاره إننا نستطيع العودة مجددا الى مواقع السلطة ولو بصيغة جديدة ووجوه جديدة وبأدوات تقليدية متبعة من فرض خيارات القوة والسلطة والأمر الواقع , وربما كان تسليمه التوقيع على المبادرة الخليجية رغم ما فيها من منافع ومكاسب شخصية عديدة له إلا انه مجرد التفاف واضح وكسب زمني مؤقت لإعادة ترتيب الأوضاع داخليا وفرض السلطة العسكرية مجددا , وما نراه من تفجير بؤر صراعات جديدة واختلالات أمنية مستحدثة إلا إمعانا في النيل من امن وسلامة واستقرار الوطن , والمضي قدما الى مخططات تنفيذية ربما اعد لها سلفا ضمن مبادرات وتغطيات سياسيه واجتماعية ودولية .

الرئيس السابق -عمليا- لم يسقط من الحكم بمفهومة الجوهري الخالص , ما زال يحكم و يملك بزمام السلطة الفعلية , ومازال الآمر الناهي المسير لأمور الوطن ومن خلف ستار ,إما عبر القنوات الرسمية والسياسية الموالية , او عبر قواته واياديه في الجيش والأمن , وإما عبر الغطاء الدولي المفروض عليه بحماية دولية , ولأنه يعلم علم اليقين مدى أهمية هذه العوامل الثلاثية -ثالوث الشر- الهامة في حياته السياسية ومكانته الوطنية , يسعى جاهدا لإستثمار هذه العناصر أفضل استثمار وتوظيف هذه العوامل لظهور جديد , وهو من لا يفوت الفرصة أبدا , وبدا ذلك خلال المماطلة والتلاعب في خضم المعمعة السياسية التي رافقت الثورة الشبابية , ولأنه كان وعلى مدى سنوات حكمه لم يفرط إطلاقاً في القبيلة ودورها المؤثر , اكتسب قوة وشعبية مزدوجة من القبيلة والحزب معا, يوظفها الآن التوظيف الأمثل للعودة مجددا الى الحكم ولو بصورة مختلفة , وهو ما أثار الكثير من الدهشة والجدل في الأوساط الإعلامية والدولية عن مدى جدية الرئيس السابق في الحفاظ على العهود والمواثيق بتجنيب اليمن الحروب والكوارث , والالتزام بالمبادرة الخليجية وأليآت تنفيذها.

هناك جهل دولي حاصل تجاه خصوصية المجتمع اليمني وعاداته وتقاليدة وثقافته , وفرضية تطبيق القانون الدولي والأعراف الدولية المتعارف عليها تكاد تكون معدومه تماما في حال تنافيها مع خصائص المجتمع اليمني , فالرئيس السابق وان رحل عن مكانته كمنصب رئيس جمهورية تحت ضغط شعبي ودولي وتحت وطأة ظروف سياسية معينة وخانقة , ولكنه مازال يحظى بمكانته وقوته الأمنية والعسكرية والقبيلة , ومازال يستمد قوته من روح القبيلة والدولة, وكان ومازال حزب المؤتمر الذي قام بتأسيسه بمثابة مسمار جحا للتدخل في الحياة السياسية اليمنية , وفرض أجندته وسلطاته مجتمعة , وفي قراره داخله يمني نفسه بالعودة مجددا حتى عبر التوريث المطلق للحكم او عن طريق لعب اي دور مستقبلي أساسي يحافظ على مكانته ويوفر له الحصانة الدائمة , مستفيدا من الحصانة كالتفاف زمني مؤقت والانتظار الى ما ستؤول إليه ثورات الربيع العربي ونتائجها , فحتى الآن الرؤية تكاد تكون ضبابية وغائمة في أكثر الأقطار ولم تتضح النتائج بعد , سواء في الدول التي انتصرت بشرعيتها الثورية , او التي مازالت تنتظر دورها في رحى التغيير والحرية .

وعلية يتضح جليا ان المبادرة الخليجية كانت بمثابة طوق نجاه للعودة القادمة , ومجرد محطة انتظار وترقب وإعادة النظر في كيفية التعامل مع أمور ومستجدات المرحلة القادمة , وهناك ممن هم حوله يهمس في أذنه سرا أن القوة والسلطة وعوامل البقاء مجتمعة مازالت في يدك فلا تضيعها , فانهيار الهرم السلطوي وانفراط العقد سيجر معه حباته المتساقطة للمشانق والمحاكم الثورية -إن وجدت- , وعليه فالخوف من انهيار رمز لنظام سابق سيجر معه ويلات المسآئلة والمحاسبة في ظل اي حكومة وطنية مستقبلية , وهذا مالاتريده فلول الشر ورموز الفساد, فالمحافظة على الصنم الأكبر يعد عملا مقدسا وواجبا في مفهوم خيارات البقاء لأباطرة الشر وخفافيش الظلام .

وما ساعد على تمسك الرئيس السابق بجلابيب السلطة والسعي وراءها والمحافظة عليها , هو انقسام الساحات الثورية والسياسية بعد مظاهر الإنقسام والتشتت نتيجة خلط الأوراق وإعادة اللعبة السياسية كعملية ثورية مقدسة أنتجت حكومة وفاق وطنية تستمد شرعيتها من الشعب -كما تزعم- , وما أفرزته المبادرة الخليجية من انتخابات رئاسية زادت الأمور تعقيدا وإيهاما للرأي العام الداخلي والخارجي أن الأمور تتجه الى التسوية والهدؤ النسبي , مما جلب بدورة الانشقاق الثوري والصدام بين مكونات العمل الثوري والسياسي الشبابية والحزبية والمستقلة , والرئيس السابق أحسن استغلال نقاط الضعف هذه بدرجة كبيرة وعاود الظهور مجددا في ظل الضعف السياسي واستمرار أزمة الكهرباء والأوضاع المعيشية الصعبة والخانقة , وتقديم نفسه هذه المرة بأنه المنقذ الوحيد وبان بيده وحده مفاتيح الأمور ومرابط الحلول والإنقاذ , وألقى اللآئمة على الثورة الشبابية ووصفها بأقذع الألفاظ .

ولاننسى ونحن نقرأ فحوى الظهور الإعلامي الأخير والمتجدد , المتزامن مع توسع القاعدة والضربات الاستباقية للجماعات المسلحة في شتى محافظات الجمهورية -الجنوبية منها خاصة- , ومارافق تلك العمليات من إعادة خلط لأوراق اللعبة السياسية وفرض صورة جديدة على الواقع اليمني , في ظل التكهنات القائمة عن مدى علاقة القصر مع التنظيم , هذه الصورة المبعثرة والمعقدة فرضت نظرية جديدة من الظهور والإرباك زادت الأمور تعقيدا وسببت في خنق القوى السياسية الفاعلة ومدى جديتها فعلا في إعادة هيكلة الجيش وفرض هيبة سلطة الدولة و القانون , بطريقة او بأخرى تلاعب الرئيس بهذه الورقة بالذات وأتقن الدور لإضفاء مزيدا من التأزم الحاصل في المرحلة الحالية , وتوعد بكشف الاوراق والمستور , اية أوراق يقصد وماهية الأسرار والخفايا المرتقبة التي يود الكشف عنها , وهو يتحدث بكل ثقة عن وثائق ومستندات وادلة تدين الطرف الآخر , اذن الأمور لم تتوقف عند هذه المحطة وربما ماخفي كان أعظم , والأمور التي لم يستطع الإفصاح عنها بالأمس كونه رئيس جمهورية , فوضعه الحالي وموقعة يخوله أكثر من ذي قبل لفضح الأسرار وكشف الحقائق والإدانة والتحدث بلاقيود وبتحرر أكثر , ودون رقيب او حسيب , ويستغل الديموقراطية وحرية الرأي المتبعة كونه رئيس لحزب حاكم له نصيب الأسد في الحكومة التوافقيه لقول ما يشاء ومتى ما شاء , وتسليط سيف خصومه بالأمس على رقابهم اليوم وبلا رحمة , وتزامن الظهور الإعلامي مع عقد لقاءات وحوارات في العاصمة الألمانية برلين بين مختلف أطياف العملية السياسية والمسلحة المؤثرة في اليمن , بما يطرح وجود تسويات مستقبلية خارج أطر المبادرة الخليجية والعملية السياسية أمرا واقعا وستفرض واقعا جديدا لليمن خارج تصورات العملية السياسية الحالية وربما مختلفة عنها تماما , وحتى يحين موعد الخطاب التالي في معهد الميثاق وكشف الأوراق ربما نحن على موعد مع مفاجآت أخرى لا تنتهي , لن تكون جمعة الكرامة أولها ولا حادثة النهدين آخرها.