يمن البركة
بقلم/ محمد السياغي
نشر منذ: 15 سنة و 4 أشهر و 15 يوماً
الجمعة 03 يوليو-تموز 2009 05:51 م

 لا يوجد مكان على ظهر الكرة الأرضية مثل اليمن تحل فيه البركة وتعيش وتتغلغل لتستوطن وتغزوا جميع مفاصلة وتسيطر على كافة مفردات وأنماط الحياة فيه لدرجة أصبحت معها البركة تمثل جزء لا يتجزأ من روتين الحياة اليومية لهذا البلد وجميع من فيه؛ فبالبركة ، وعلى الرغم من الحديث عن دولة النظام والمؤسسات والقانون، يُسير الرئيس والحاكم من أعلى قمة الهرم إلى قدماه أمور البلاد والعباد من مرؤوسيه ومحكوميه خارج حدود المكان والزمان، وعلى عكس عقارب الساعة، وعلى الله وحده فقط يقع الركون.. يعين "فلان" ويعزل "زعطان" ، قبل أن يضع "فلتان" بدلا عن "علان"، ووكيل بعد وكيل لدرجة يبدو معها وكأن البلد ناقص أزمة وكلاء.. وعلى طريقة "من عاش عاش، ومن مات استراح" ، و"كن ذئب وإلا أكلتك الكلاب" ،و"ما سبر بالبركة "مرة وحمار" وما امتحق "داوية وهدار"، ومن لم يعجبه "يشرب من البحر"!

 بالبركة يتعايش البلد حينا مع نكباته وأزماته وكبواته، وكل ما يمر به من نوائب الدهر ومحنه ومصائبه وأحداثه الجسام، ويخفق أحيانا كثيرة في مواجهتها ومعالجة افرازاتها المؤرقة، بداية من تمرد الحوثيين في الشمال وما يخلفه تجدد المواجهات بين الفينه والاخرى من ضحايا، مرورا بما تشهده بعض مناطق الجنوب من أحداث تحت مسمى الحراك، وانتهاء باحداث وجرائم الاختطاف والقتل البشعة التي تؤتي على كل جميل في هذا البلد، ولا تُبقي ولا تذر لا على أعجمي ولا أعرابي إلا "من قوى صميله عاش" كما يقال، ولدرجة يبدو معها وكأن لسان حال البلد يردد المقولة الشعبية الشائعة "لا زيط ولا زمليط يمن اليوم عصيدك يالعصيد"!

 بالبركة ورغم أن لدينا وزارة للداخلية وهيئات ومؤسسات معنية بتثبيت دعائم الأمن والاستقرار للمواطن، تجد أن البلد يعيش حالة انفلات امني مريع لم يشهد لها مثيل من قبل، والشاهد ما حدث لطاقم السياح الالمان والمذبحة الشنيعة التي وقعت للبعض والمصير المجهول الذي يلف حتى اليوم مصير البعض الاخر!

 بالبركة يعتقد المواطن أنه آمن في بلده وفي مسكنه، لكن الواقع أن المواطن باتت نوبات الخوف والرعاش التي كانت تنتابه عند الخروج من نقاط التفتيش المحيطة بالعاصمة اصبحت تنتابه اليوم بمجرد الخروج من باب منزله .. إذ يتم اختطاف مواطن بسيط في رابعة النهار من الشارع العام مثل الزميل صلاح الجلال ولا تحرك الجهات المعنية ساكن، ويتعرض مواطن مثل المواطن عبد الله يحيى ناصر تاج الدين لجريمة أعتداء سافرة من قبل عصابة مسلحة وهو اعزل أمام أطفاله بدون ادنى وجه حق، وما يزال اعضاء العصابة يسرحون ويمرحون خارج حدود سلطة النظام والقانون، وبحجة أن هذا مرافق مع فلان وذلك مع زعطان.. فمن المسئول عن هذا الانفلات الامني ياوزير الداخلية؟ الانفلات الذي جعل من دم المواطن وعرضه وكرامته مباحة لكل عابث! 

 

 بالبركة وبعيدا عن إجراءات السلامة والفحص المفترض أتباعها واعتمالها لتأمين سلامة جميع ركاب وسائل النقل العاملة بداية من "الدابة" وانتهاء بالطائرة، وفي ظل الاهمال الحاصل واللامبالاة بسلامة أرواح البشر، تنطلق الطائرة اليمنية كما هو حال الطائرة المنكوبة من مدرج مطار صنعاء محملة بالكثير من البشر ونقاط الاختلال والعيوب رغم التحذيرات التي صدرت بحقها ومنعتها من ارتياد الأجواء الفرنسية، لكن لان القائمين على الشركة الوطنية اهتدوا إلى حيلة تغيير مسار خط الطائرة المنكوبة من أوروبا إلى موروني في حركة التفاف مفضوحة على الانتقادات والتحديذرات بشأنها حسب ما كشفته أخر التقارير الصحفية مؤخرا،وقعت الفأس في الرأس وهوت الطائرة المنكوبة بمن فيها وسط المحيط في الظلام الحالك السواد مخلفة ورائها فاجعة مروعة لم يستفيق الكثير من وقعها حتى الان، وفضيحة مدوية، كانت بمثابة أخر مسمار يُدق في نعش السمعة التي تطارد قطاع السياحة الذي تكبد خلال الثلاث السنوات الاخيرة من الضربات الموجعة ما لم يتكبده خلال عشرين سنه مضت.. وهذه نتيجة من نتائج الاهمال والاعتباط الوخيمة التي نعيشها .. ويا سميع أغفر للجميع!

 بالبركة وبعد الفضيحة المخزية التي آل إليها مصير الحديث عن مشروع الكهرباء بالطاقة النووية، عاد الحديث عن توليد الطاقة الكهربائية بالمحطة الغازية ليحيل حياتنا وأيامنا إلى ظلام في ظلام لا يحتمل، ومن واقع ثلاثة انطفاءات بالطاقة النووية بالأمس، إلى سبع انقطاعات بالمحطة الغازية اليوم، فيما يبقى الحديث الخجول الدائر وراء الكواليس عن مشروع توليد الطاقة الكهربائية بالرياح مثله مثل أحوال الطقس مغبر معتم عن الرؤية .. ومن الفوانيس إلى الشموع نعود!

  بالبركة يعيش الجميع تحت سماء واحدة، يتقاسمون على الحاصل من لقمة العيش العصية على الظفر بها بالنسبة للغالبية، يوحدهم الجوع والفقر والمعاناة من غياب العدل والامن، شعب مستهلك للأخضر واليابس، يستورد كل شيء، ولا يصدر سوى البطالة والفراغ والعدم والعشوائية والفوضى وسياسات الارتجال التي بات الجميع ضحايا لها بدون استثناء، ورغم وجود وزارات وهيئات ومؤسسات حكومية ومدنية لا حصر لها بما فيها وزارة الصناعة والتجارة، فلا هم لمن فيها سوى أنتاج الهدره والكلام الفارغ! 

 بالبركة يتم تدشين حجر الأساس للكثير من المشاريع التي عادة ما توصف بالخدمية والإنمائية، وبقدرة قادر يتعثر معظمها، بينما لا يرى البعض الاخر منها بصيص النور ويصبح في خبر كان، ويبقى البلد أشبة بمقبرة كبيرة لمبالغ طائلة مما يتقاطر عليه من كل حدب وصوب في شكل مساعدات وقروض ومعونات... الخ، يسمع عنها البسطاء من القصص والحكايات ما يشيب له الرأس وتقشعر له الابدان، ولا يروها سوى في هيئة انتفاخات وأورام في كروش مسئولين لا تمتلئ ولا تشبع كروشهم، ودائما ما تهتف هل من مزيد !

 بالبركة -وكما هو معروف- الجسر هدية من الصين، والميكروباص مكتوب عليه بالخط العريض هدية الحكومة اليابانية لليمن الشقيق، والمدرسة من دولة الكويت الشقيقة، تماما كما هو الحال بالنسبة للقرية النموذجية، منحة الامير طلال بارك الله فيه وأمد الله في عمره وغيره ممن يولون البلد وأبناءه كل الرعاية والاهتمام، ومشاريع الرئيس "الصالح" السكنية للشباب تبدو أشبه بحجر ترمى في البركة الراكدة في كل موسم انتخابي جديد!

 بالبركة ولا يخفى ذلك على الجميع، يصحوا الموظف منا أيا كانت صفته أو درجته الوظيفية وموقعه، وهو يجر وراءه أذيال الخيبة والحراف والقحط الشديد، تحاصره الديون والالتزامات اليومية والشهرية من كل مكان لتكبل حركته المتخوفة حتى من ظله، ولا بارقة آمل تلوح في الافق سوى سراب وغموض يلف كل شيء.. وبالبركة غنوا معي غنوا: يمن جديد مستقبل أفضل!