في مدارس الحوثيين.. التعليم يتحول إلى أداة لترسيخ الولاء بالقوة الأمم المتحدة تتحدث عن توقف وصول سفن الوقود إلى ميناء الحديدة فيتو روسي صادم في الأمم المتحدة يشعل غضب الغرب الحوثيون يبدّلون المنازل المستولى عليها إلى مراكز احتجاز بعد اكتظاظ سجونهم بالمعتقلين الحوثيون يبدّلون المنازل المستولى عليها إلى مراكز احتجاز بعد اكتظاظ سجونهم بالمعتقلين المحكمة الجزائية في عدن تصدر حكمها النهائي في المتهمين بتفجارات القائد جواس شهادات مروعة لمعتقلين أفرجت عنهم المليشيات أخيراً وزارة الرياضة التابعة للحوثيين تهدد الأندية.. واتهامات بالتنسيق لتجميد الكرة اليمنية أحمد عايض: ناطقا رسميا باسم مؤتمر مأرب الجامع تفاصيل لقاء وزير الداخلية بالقائم بأعمال السفارة الأمريكية في اليمن
مأرب برس – القاهرة – خاص
ظهرت مؤخراً على الساحة اليمنية الكثير من الاصطفافات القبلية بين القوى والمراكز السياسية المتنافسة بشكل أثار الاندهاش والأسئلة عند المحللين السياسيين لطبيعة النظام السياسي للدولة اليمنية الحديثة بعد مُضي ما يُقارب الخمسة عقود على قيام الدولة منذ ثورة 1962م. وتساءل البعض: هل هذا النظام ما زال يرزح تحت المفهوم الخلدوني الذي قدّمه قبل ستة قرون لنظام الحكم في ما قبل الدولة المدنية في أن "العصبية أساس الملك"؟.. سنحاول في هذا المقال قراءة طبيعة العلاقة الشائكة بين النظام السياسي اليمني ومراكز القوى القبلية، قوة نفوذ القبيلة، ومشكلة التحديث، والاستعداء والاسترضاء، والنتائج المترتبة على ذلك، وحقيقة التوازنات التي يرى البعض أن القبيلة قد أوجدتها على الساحة السياسية اليمنية. وسيقتصر المقال على نظام الحكم في شمال اليمن قبل الوحدة أو بما كان يعرف بـ"الجمهورية العربية اليمنية" على اعتبار أنه الامتداد الشرعي للنظام السياسي الحالي في اليمن خصوصاً بعد خروج الشريك الجنوبي في الحرب الأهلية صيف 1994م..
قوة النفوذ، وطبيعة نظام الحاكم:
قبل أكثر من ثلاثة عقود(أي 1975 ) عبّر الرئيس اليمني الأسبق إبراهيم الحمدي في حديث أدلى به لمجلة "الصياد" اللبنانية عن حجم النفوذ القبلي في اليمن بقوله: (إن قبيلة واحدة تستطيع أن تجنّد سبعين ألف مُسلح إذا أرادت)!. كان الرئيس الحمدي يشير لهذا الرقم بالذات ليقارنه إلى عدد المنتسبين إلى الجيش النظامي وقتها! هذا وإذا أخذنا في الاعتبار عدد المنتسبين إلى الجيش النظامي من أفراد هذه القبيلة أو القبائل الموالية لها والذين ـ بطبيعة الثقافة اليمنية المسيطرة إلى الآن ـ يقدمون الولاء للقبيلة قبل الولاء للدولة في حالة تعارض المصالح بين القبيلة أو شيخها والدولة.. فسنكتشف حجم ما عاناه الحمدي والنخب الداعمة له من صعوبات كبيرة ـ لعل أخرها اغتياله ـ في إقامة دولة يمنية حديثة يتجسد فيها الولاء للوطن، وتكون لها الكلمة العليا، والسيادة المطلقة .
كما أن الفهم المشوه ـ قصداً أو بغير قصد ـ لشكل الدولة الحديثة لدى النخب المتعاقبة على الحكم والذي نادت بإقامته منذ اليوم الأول لتوليها مقاليد السلطة، ورفعت لأجله الشعارات، وقادت الانقلابات التصحيحية السلمية وغير السلمية.. وأيضا تحت إغراءات السلطة وهاجس البقاء الأبدي، ظهر على الساحة شكل جديد للنظام السياسي لدولة ما بعد ثورة 26 سبتمبر عام 1962م.. لم يختلف كثيراً عن النظام التقليدي إلا في الظاهر الذي بدا حداثي (انتخابات، برلمان، أحزاب، ...)، بينما ظل جوهره سلطوي مستبد، وأمني قمعي، ومتشبث بالحكم إلى أبعد الحدود.. ونتيجة للأزمات المتتالية، ولقوة النفوذ القبلي، ودرءا للمخاطر والانقلابات التي قد تحدث في أي ظرف، اتبعت الأنظمة المتعاقبة ـ عدا فترات قصيرة جداً ـ أبسط السبل لكسب ود القبائل عن طريق احتواء زعمائها مستغلة حضورهم وتأثيرهم في النسيج الاجتماعي الذي ظل محكوم بأعراف وتقاليد بدائية لا زالت تؤمن بأن مصلحة القبيلة تكمن في مصلحة الزعيم/الشيخ، والعكس صحيح.. ومهما تعارضت هذه المصلحة مع مصلحة الوطن واستقراره وتنميته فهي مستعدة في أي وقت وتحت أي ظرف للدخول في حلبة الصراع تحت إمرة الشيخ ؛حتى وإن كانت هذه المصالح شخصية محضة!.. كما أن كل الأنظمة التي تعاقبت على حكم الدولة تقاعست عن بذل أي جهد يُذكر في تحديث مجتمعها ودمقرطته والتحول به من المحيط الهامشي إلى مستوى الشراكة والتعاقد بحسب أدبيات الدولة الحديثة..منصرفةً إلى الانشغال في تثبيت أركان عروشها لتبقى عليها إلى الأبد.. خصوصاً وأن تحديث المجتمع ودمقرطته يشكلان تهديد لهذه الأنظمة بالحيلولة دون هذا السعي في البقاء، وأيضاً تهديد لزعماء القبائل الموالين للأنظمة؛ إذ أن التحديث سيهدم كل الأطر والمفاهيم التقليدية التي يتخذونها حصان طروادة لبقاء زعامتهم غير الشرعية ـ من وجهة نظر المدنيّة ـ وسيطرتهم وحضورهم في الأوساط الاجتماعية.
ونتيجة طبيعية لهذه العلاقة المشوهة بين المجتمع والدولة اليمنية الحديثة، عجزت الأخيرة عن إيجاد هوية وعصبية وطنية جديدة وجامعة قادرة على استبدال الهويات والعصبيات القديمة.. وتحت تأثير وحضور كبيران لشيوخ القبائل في النسيج الاجتماعي، ولضعف مركزية الدولة، ولقلة النُخب وحضورها الهزيل مقارنة بزعماء القبائل، وللاستقطابات التي حدثت أثناء الصراعات الداخلية بين النُخب الحاكمة، وللأمية والجهل، تمكن هؤلاء الزعماء وأقربائهم من مد جذورهم في كل مفاصل الدولة المهمة ـ السياسية والاقتصادية والعسكرية ـ حتى تلك التي تبدو كشكل خالص من أشكال الدولة المدنية الحديثة(مجلس النواب، الأحزاب السياسية.. على سبيل المثال في الفترة الحالية، شيخ حاشد القوي الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر الذي يرأس منذ زمن بعيد مجلس النواب وحزب الإصلاح المعارض في ذات الوقت، بالرغم من أن حزب المؤتمر الحاكم هو من يملك الأغلبية المطلقة في تمثيل المجلس!.. وأبنه الشيخ حميد الأحمر الذي يلوح بقوة كخليفة له في الحزب المعارض، وأبنه الآخر الشيخ حسين الذي كان عضو الأمانة العامة لحزب المؤتمر الحاكم، وكان مرشح بقوة ليكون الأمين العام لولا تدخل الرئيس علي عبد الله صالح لصالح الأمين العام الحالي، وكذلك بالنسبة لأسرة "أبو رأس" الممثلة لقبيلة "بكيل").. هذا التداخل مع المؤسسات السياسية والعسكرية ساعد على امتداد نفوذهم ليس على مستوى قبائلهم فحسب بل إلى كل أرجاء الدولة، دون أن يحتم هذا التداخل ذوبانهم مدنياً داخل المؤسسات التي يرأسونها.. فقد ظلت مرجعيتهم القديمة وتأثيرهم في أوساط القبائل كما هي، وظلت هذه المرجعية حارساً أميناً لهم ولمصالحهم وقت الشدة، وكثيراً ما يلوحون بها في وجه السلطة عندما يستبعَدون عن المراكز القيادية أو عندما لم يُعطوا نصيبهم من "كعكة" الحكم والثروة؛ والتي أصبحت عرفاً سارياً منذ قيام الدولة اليمنية الحديثة، وإلا سيحدث ما لم تحمد السلطة عقباه.
الاستعداء والاسترضاء، والنتائج المترتبة عليهما:
ظهر التلويح ضد السلطة مرات عديدة على شكل مؤتمرات جماهيرية يدعو إليها المشائخ أفراد القبيلة والقبائل الموالية، وسرعان ما تلبي الجماهير دعوت شيخها فتحتشد مجاميع كبيرة مدججة بالأسلحة. وقد بدأت هذه المؤتمرات بالمؤتمر الكبير الذي عُقد في محافظة "عمران" عاصمة قبيلة "حاشد" النافذة في أواخر عام 1963م على خلفية استبعاد القبيلة سياسياً في المرحلة الثانية من حكم الرئيس السلال ـ أول رئيس لليمن بعد الثورة ـ( المرحلة الثانية على اعتبار أن المرحلة الأولى بدأت باسترضاء القبيلة) والذي تجلى في استبدال "المجلس الأعلى للدفاع الوطني" المعين من شيوخ القبائل بمجلس جديد ليس للشيوخ نصيب فيه، كما تم تجميد مجالس شيوخ القبائل التي شُكلت في وقت سابق وكانت برئاسة رئيس الجمهورية(د.محمد محسن الظاهري: الدور السياسي للقبيلة في اليمن)، ومع اشتداد الصراع بين مجلس الرئاسة والقبائل من جهة، وبين النُخبة الحاكمة الموالية للقبائل والنُخبة الحاكمة المعارضة ـ كان للتأثير الخارجي دوراً في ذلك ـ انتهت فترة حكم السلال بانقلاب سلمي عام 1967م قاده الرئيس اللاحق له عبد الرحمن الإرياني وكان من النُخب التي والت القبائل داخل السلطة وقت رئاسة السلال، كما كان من بين حضور مؤتمر زعماء القبائل المنعقد في منطقة "عمران"(د.محمد محسن الظاهري: المصدر السابق).
أما أهم المؤتمرات القبائلية، فكان المؤتمر الشهير الذي دعا إليه زعماء القبائل جراء ما لحق بهم من ضرر بعد محاولة السلطة ـ أثناء فترة حكم الرئيس الحمدي ـ الحد من نفوذهم، وإقصاء وجودهم السياسي والعسكري داخل مؤسسة الحكم. المؤتمر المنعقد في منطقة "خَمِر" عاصمة "عمران" ومعقل الشيخ عبدا لله بن حسين الأحمر في أواخر عام 1975م، وسمي المؤتمر باسمها، كان على خلفية قيام الرئيس الحمدي بحل مجلس الشورى ذي الأغلبية القبلية الذي كان يرأسه الشيخ عبدا لله بن حسين الأحمر عندما انتهت ولاية المجلس بناء على المادة الخمسين من دستور 1970.. وكان المجلس قد شُكل في نفس العام، واشترطت المادة أن تكون مدته أربع سنوات شمسية، أما مهامه فقد تحددت ـ بحسب الدستور ـ القيام بانتخاب أعضاء المجلس الجمهوري، ومراقبة السلطة التنفيذية، ومنح الثقة للحكومة، وحجبه عنها، كما مثّل الهيئة التشريعية العليا للدولة(د.محمد محسن الظاهر: المصدر السابق).. ومع مّضيّ الرئيس الحمدي قدماً في تنفيذ سياسته من إقصاء الشيوخ عن المراكز القيادية، ومحاولته مصادرة أسلحة القبائل، وتقوية السلطة المركزية.. اغتيل بعد فترة قصيرة من تطبيق سياسته، وأرجع كثير من المحللين عملية الاغتيال إلى مقررات مؤتمر "خَمِر" التي صعدت من لغة الصراع مع الرئيس الحمدي.
كان هذا أهم مراحل تصادم الدولة مع القبيلة، أما بقية المراحل فقد رضخت الدولة لنفوذ القبائل ومصالحهم، وتم ترضيتهم بنصيب وافر من "كعكة" الحكم، حيث بلغت نسبة تمثيل زعماء القبائل في المجالس النيابية والشورى وكل المجالس الوطنية التي شُكلت ومحافظين المحافظات والقادة العسكريين أكثر من 50% من النسبة الكلية لهذه المجالس والمؤسسات(قبل الوحدة بالذات).. ولم يقتصر الأمر على المناصب الحكومية فحسب، بل تعدى ذلك إلى الأحزاب السياسية التي لا توجد في الحكم. وبهذا الرضوخ المقصود، ظهرت المؤسسات السياسية والمدنية كشكل من أشكال النظم القديمة ذي الزعيم الأوحد الذي لن يطاله النقد أو العزل مدى الحياة، ثم يرثه الابن في نفس المنصب، وظهر شكل منصب رئيس الدولة يخضع للمفهوم الخلدوني في أن "العصبية أساس الملك" كما أسلفنا !.. صحيح أنه لم توجد عصبية غالبة في اليمن الحديث يؤول إليها الحكم بفضل التوازن العصبي بين قبيلتيّ "حاشد" "وبكيل"، لكن مفهوم ابن خلدون تجلى في هذا التوازن الذي شكّلته القبيلتان. وعلى قدر البعد والاستعداء لهذه العصبية بقدر ما يكون الاستعجال في زوال الرئاسة. كما حدث في حالتي الرئيسين عبد الله السلال وإبراهيم الحمدي، وكما ينادي مؤخراً ابن شيخ "حاشد" ( الشيخ حسين الأحمر) في عدم انتماء الرئيس اليمني الحالي (علي عبد الله صالح) إلى "حاشد"، وكأن هذا الانتماء يحدد شرعية الرئيس في البقاء بالسلطة ـ بعيداً عن الشرعية الدستورية ـ من عدمها!.
حقيقة التوازنات:
أما حديث البعض عمّا أوجدته القبيلة من توازنات بين القوى والأحزاب السياسية ، فهو حديث يفتقد إلى كثير من الدقة ، إذ أن التوازنات التي يراها البعض قد وُجدت على الساحة نتيجة النفوذ القبلي ـ الذي دعم بعضه أحزاب معارضة ـ كانت هشة للغاية، وتخضع في الغالب لمصالح وأهواء شخصية أكثر من خضوعها لمصالح وتوجهات القوى والأحزاب السياسية.. في حين أن هذه التوازنات – إن وجدت _ لم تساعد على تحديث النظام السياسي تحديث حقيقي، يتم فيه تبادل سلمي للسلطة، وتوسيع الهامش الديمقراطي وحرية التعبير والرأي، وخلق مجتمع غير قطيعي.. على سبيل المثال الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي جرت في عام 2006م (الاستدلال بالانتخابات كونها عملية تنتمي إلى أدبيات الدولة الحديثة، ولإيضاح تعامل زعماء القبائل مع هذه العملية، وهل هو لصالح تكريس الدولة المدنية الحديثة؟) وما نتج عنها من مواقف سياسية لزعماء القبائل كشفت حقيقة هذه التوازنات.. ففي الوقت الذي زكى فيه الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر رئيس حزب التجمع اليمني للإصلاح "المعارض" مرشح الرئاسة المنتمي إلى حزب المؤتمر "الحاكم" مع تقدُم المعارضة ـ ومنها حزب "الإصلاح" الذي يترأسه الشيخ ـ بمرشح مستقل للرئاسة! في الوقت الذي كان فيه موقف أبنه ـ الشيخ الشاب حسين الأحمر ـ عضو الأمانة العامة للحزب الحاكم داعماً قوياً لمرشح المعارضة!.. وهي المرة الأولى التي يدعم فيها الشيخ المعارضة، وكان ذلك على خلفية الخلافات التي نشبت داخل حزب المؤتمر الحاكم نتيجة عدم تزكية الشيخ الشاب للوصول إلى منصب أمين عام حزب المؤتمر الحاكم في الانتخابات الداخلية الأخيرة لحزب "المؤتمر" والتي جرت في عام 2005م.. أيضا ما حدث في الانتخابات النيابية الأخيرة التي جرت عام 2003م عندما انسحب الشيخ صادق بن عبد الله الأحمر الممثل لحزب "الإصلاح المعارض" لصالح أخيه الشيخ حسين الممثل لحزب "المؤتمر الحاكم"، وعلى الرغم من مخالفة هذا الانسحاب لقانون الانتخابات (قيد المرشح في سجلات الناخبين، والترشح والانسحاب للمرشح الحزبي بحسب مقال لعصام الذيفاني)، إلا أن الدولة صمتت على هذه المخالفة الصريحة، مقابل مقايضة نفذتها بعد ذلك، بانسحاب الشيخ حسين لصالح أحد المشائخ ( كان مرشحاً في دائرته)، مقابل أن ينسحب شيخاً آخر ـ يدعمه حزب المؤتمر ـ كان قد ترشح في ذات الدائرة التي ترشح فيها والده الشيخ عبد الله، والذي كان قد هدد بالانسحاب إذا استمر ترشح هذا الشيخ في دائرته. وإذا كنّا نتفهم طبيعة العلاقة الحميمية بين الرئيس علي عبدا لله صالح والشيخ عبد الله الأحمر(حتى وإن شابتها بعض الرواسب في قليل من الأحيان، فقد اتسمت بالاسترضاء والاقتسام في أغلب المراحل، لإدراك الرئيس طبيعة النفوذ الذي يمثله الشيخ الأحمر باعتباره رمزاً لقبائل اليمن)، فكيف سنتفهم ما يفعله الأبناء!
غياب السلطة، واستمرار تكريس المرجعية القديمة:
وبعد العمر المديد للدولة اليمنية منذ قيام الثورة السبتمبرية الخالدة عام 1962م، ليس بالغريب أن يدعو الشيخ الشاب حسين الأحمر على خلفية منع الأطقم العسكرية المرافقة له ـ وهي أطقم خارجة عن القانون ـ من دخول العاصمة صنعاء بعد تطبيق قانون تنظيم حيازة السلاح إلى مؤتمر جماهيري في نفس المنطقة التي دعا إليها والده الشيخ عبد الله القبائل في منتصف الثمانينات من القرن الماضي ـ منطقة "خَمِر" ـ حضرته حشود كبيرة لا تقل عن الحشود السابقة، ومدججة بالسلاح أيضاً هذه المرة.. وإذا كان البعض قد تحدث عن تطبيق انتقائي للقانون استهدف من وراءه الشيخ الشاب على إثر خلافاته مع رموز السلطة خصوصاً بعد تأييده مرشح المعارضة في الانتخابات الرئاسية، وحشده لأكبر مهرجان جماهيري لمرشح المعارضة أثناء الدعاية الانتخابية في محافظة "عمران" معقله ومعقل الرئيس علي عبد الله صالح المرشح المنافس، وما مثّله ذلك من رسالة تحدي للرئيس! كما قام في يوليو 2007م بتشكيل مجلس للقبائل مناوئا للسلطة سماه "مجلس التضامن الوطني"، وتولى رئاسته.. وأيّ يكن طريقة تطبيق القانون(على اعتبار أن القانون في الأخير قانون مدني ويدعم مركزية الدولة)، فعودة زعماء القبائل إلى مرجعياتهم القديمة يبرز في كل مرة تشهد تأزما مع السلطة. ولاغتراب السلطة الدائم عن الشعب وعدم إيجادها لمرجعية ورابطة وطنية جديدة تحل محل القبيلة حتى الآن، سرعان ما تلبي هذه القبائل النداء، وتساند زعيمها!
أما السلطة من جانبها، فلم تتحرك هذه المرة ضد النفوذ القبلي للحد منه، لما يمثله الدخول في صراع مع القبائل من تهديد لاستقرارها وبقاءها على سدة الحكم بعد دروس الماضي المفيدة.. بل استعاضت عن ذلك بالسعي إلى تقوية مراكز قبلية مناوئة لقبيلة "حاشد" التي تنتمي إليها أسرة الأحمر، وعملت باللعب على حبل التوازن العصبي القديم، فدعمت ـ بعد تشكيل "مجلس التضامن الوطني" ـ مجلساً آخر للقبائل يتزعمه شيخ "بكيل" المنافس التقليدي لأسرة الأحمر في سباق الأحقية بزعامة مشائخ اليمن.. كما قامت بتعيين العديد من المحافظين ووكلاء المحافظين من شيوخ هذه القبيلة، بالاضافة إلى تعيين مشائخ من "حاشد" كان الغرض منها ـ كما أرجعها البعض ـ لتفكيك القبيلة. وهي إجراءات احترازية تعودت السلطة على اتخاذها في مثل هذه الظروف، حتى وإن كانت هذه الإجراءات سبيلاً لتكريس المرجعية القبلية.
وفي الأخير، يبقى السؤال الذي يُشاغل ذهن المحللين السياسيين: إلى أي مدى سيبقى هذا النظام( المتسم طوال مدة حكمه باسترضاء القبيلة سياسياً، ومطلقاً العنان لأيدي زعمائها في السيطرة على ثروة الوطن ومقدراته، وخلال فترة وجيزة، أصبحوا في مقدمة أغنياء اليمن.. والمتيقن في عمر يتجاوز الـ28 عام أن هذا هو المفتاح الوحيد لاحتفاظه الأبدي بالحكم) قائماً في السلطة، خصوصاً بعد بروز مؤشرات عديدة وجديدة لصراع النفوذ مع القبيلة؛ لعل أهمها على الإطلاق مسألة التوريث التي تتردد بقوة في الأوساط السياسية اليمنية منذ بضعة أعوام.