انجاز رياضي جديد لليمن توكل كرمان أمام قمة العشرين: ما يحدث في غزة حرب إبادة وتطهير عرقي عاجل: اغتيال قيادي كبير في حزب الله و رويترز تؤكد الخبر تضرر العشرات من مواقع النزوح.. الهجرة الدولية: ''مأرب التي أصبحت ملاذاً للعائلات تواجه الآن تحديات جديدة'' رئيس حزب الإصلاح اليدومي: ''الأيام القادمة تشير إلى انفراجة ونصر'' اجبار عناصر حوثية على الفرار في جبهة الكدحة غرب تعز بعد اشتباكات عنيفة مع المقاومة الوطنية وقفة احتجاجية أمام قصر معاشيق في عدن لملتقى الموظفين النازحين ترفع 6 مطالب تركيا تمنع مرور طائرة رئيس الإحتلال في أجوائها وتجبره على الغاء الرحلة طفل يموت بحكم قضائي.. سحبوا عنه أجهزة التنفس رغم معارضة أمه نقابة الصحفيين اليمنيين: نواجه حربًا واستهدافًا ممنهجًا من أطراف الصراع
ثلاثون ريالاً كلّ ما في الجيب. . يا الله !
إما أن أركب لمسافة مشوار واحد ، و أقطع مسافة المشوار الثاني مشياً على الأقدام . . و بذلك أكون قد ادّخرت الخمسة عشر ريالاً المتبقية ليوم غدٍ صباحاً لنفس الغرض . . و إما أن أركب الآن مسافة المشوارين معاً بالثلاثين كلّها. . و بالتالي سوف أقطع المسافة كلها غداً مشياً .
و عند ظهيرة يوم غد . . آخر يوم من الشهر . . أكون قد استلمت الراتب . . و سوف أتبحبح بالركوب للمشوارين معاً .
أما إذا تأخرت المرتبات عن موعدها . . و هذا ما يحدث بالفعل في بعض الشهور . . فسأستلف من أحد زميليّ - عادل و ماجد - جزءاً بسيطاً من المال ؛ لأتواصل به. . إن كان معهما . و إلا . . آه ! فسوف أقطعها كاملة مشياً على الأقدام !
أمام هذين الخيارين فضّل جلال ، الذي خرج للتوّ من عمله في صنعاء ، الخيار الأوّل ، بعد أن تيقّن أن المبلغ الذي معه ليس سوى ثلاثين ريالاً .
هاهو ذا ينزل من الحافلة في شارع (الرياض) . .
شمس آخر أيام تموز الشديدة الحرارة تسطع فوق رأسه ، و هو يقطع شارع (بغداد) . . يحث الخطى نحو منزله الذي كلّفه كثيرا من مرتبه مقابل سُكناه . .
يأخذ نفساً عميقاً ، و هو ينظر لإحدى البقالات ممتلئةً بالفواكه بشتى أصنافها . . فهناك التفاح الأحمر الطازج ، و هناك في الجهة المقابلة المانجو و البطيخ ، و بينهما تتدلى عناقيد العنب بألوانها الجذّابة ، إلى غير ذلك .
وعلى بضعة أمتار من هذا المظهر الشهيّ . . هناك منظر بهيّ : مستودع لِلُعب الأطفال بأحجامها و أشكالها المختلفة ، و بألـوانها الزاهية ..
زفر جلال زفرةً تنمّ عن شظَف العَيش . تذكّر زوجته الطيبة الودود ، و ولديه المشرقين إشراق الصباح . . اللذين تركهما صباحا و هما يلحّان في الطلب : (بابا) : تفاحة . . (بابا) : لعبة . .
آهِ ! خمسة عشر ريالاً . . ماذا تجدي؟! . . غداً ، إن شاء الله ، أربع تفاحات و لعبتين ! . .
تمنّى لو كان لديه من المال ما ينفّس به و يروّح به على نفسه و أسرته . بل تمنّى لو كان مسئولا في الدولة : المالُ يتدفّق من حوله . . القصورُ الجميلة ، ببساتينها و رونقها ، مفتّحة الأبواب . . السيّارات الجديدة الفخمة بين يديه . .
* أعوذ بالله منك يا شيطان .
قالها جلال بعد أن صحا من حلمه . . تذكّر أن الغنى قد يفسد عليه حياته و أولاده و ينفّر الناس منه . .
يكفي أنه محبوب لدى أهله و ذويه و جيرانه و من يعرفونه . . هذا هو الغنى . . وهذه هي السعادة . .
* خمسة عشر ريالاً . . ليكن ذلك . . هذا خير . . سأركب بها غداً إن شاء الله .
و قبيل أن يتّجه إلى المدخل الفرعي من الشارع باتجاه منزله . . قاطعه رجل عليه أثر التعب ، في العقد الرابع من عمره . . هكذا توحي ملامحُه : شعرُ رأسه الأسود الذي خالطه بياض . و هو ضخم الجسم . . طويل القامة . . جَهَوَريّ الصوت . . مهذّب الشكل .
ما أن ردّ عليه السلامَ جلال و صافحه ، حتى قال بلغة يشوبها الحياء و الخجل و التردد . . لغةٍ توحي بأنه لأول مرة يقف مثل هذا الموقف :
العفو منك يا أخي ، أرجو منك - إن تكرمت و لم يكن في الأمر تضييق عليك – مساعدتي بما يوصلني إلى (شميلة)* . . منزلي هناك ، و جيبي صفر ، وأنا . . .
لم يسطع جلال أن يرفع نظره في نظر الرجل ؛ حياءً من موقفه أمامه ، وخجلاً من حقارة المبلغ الـذي فـي جيـبه . . تمنّى في تلك اللحظة ما لو كان قد استلم راتبه . . لكنّه لم يدعه يكمل كلامه . .
و قبل أن يفترقا . . و دون أن ينبس جلال بكلمة ، و علامات التأثر بدت في محيّاه . . أدخل يده في جيبه تلقائياً . . و أعطاه الخمسة عشر ريالا المتبقية ! !
ـــــــــــ
* شُمَيْلـَة : منطقة في صنعاء .