مثقفون خليجيون ضد اليمن..!
بقلم/ علي أحمد العمراني
نشر منذ: 5 سنوات و يومين
السبت 16 نوفمبر-تشرين الثاني 2019 04:41 م
 

استمعت مؤخراً إلى أحاديث لمحمد آل زلفى- عضو مجلس الشورى السعودي السابق- يؤكد فيه أنه لا بد أن يعاد تقسيم اليمن، وأنه حتى الإمام- على قوته- كما قال آل زلفى، لم يكن، مع يمنٍ واحدٍ..! وصحيح أن الإمام لم يستطع توحيد اليمن، لكنه كان يتبنى بوضوح وحدة الأرض اليمنية وخاض أكثر حروبه تحت هذا الشعار والهدف.. وكذلك فإن الدولتين اليمنيتين، اللتين تكونتا في مطلع ستينات القرن الماضي، على أنقاض دولة الإمامة الزيدية، والاستعمار البريطاني، ظلتا ترسخان مفهوم اليمن الواحد، وتسعيان إلى وحدة اليمن حتى تحققت سلماً، في 1990.. هذا واقع عشناه وليس مزاعم وتخرصات يختص به أمثال آل زلفى.

آل زلفى مختص بالتاريخ كما قال، لكن يبدو أنه صار متخصصا أكثر- مع آخرين- بكراهية وتخريب اليمن.. قال أيضا؛ إن الإمارات حققت أهدافها في اليمن، وهو أن اليمن لن يبقى واحدا..! والحقيقة فقد أكد ذلك مثقفون آخرون مثل عبد الخالق عبدالله، الذي أكد أن اليمن لن يبقى واحداً موحداً بعد اليوم.. وقال بعد انقلاب عدن، الإمارات إذا قالت فعلت…! ومع الاحترام المستحق، يمكن التساؤل: أي نوع من الإنجاز التاريخي لأهلنا في الخليج أو لجيلنا لو تحقق هذا.؟!

في ندوة عقدت في دبي في 2007 بعنوان؛ تأهيل اليمن لمجلس التعاون الخليجي، قال مشارك من السعودية إن اليمن ثورجية، وإنها تذهب بعيدا، فتارة تجدها في بكين وأخرى في موسكو، وأحيانا في عواصم عربية مثل القاهرة وبغداد.. فرددت عليه، قد يحدث ذلك، لكنه يحدث عندما نطرق أبواب جيراننا القريبين فلا يستجيبون.. وقال الدكتور عبد الكريم الإرياني معلقا، يومها، هناك أقطار خليجية صارت أكثر ثورجية من اليمن.. وأضاف: يعوُّل عادة على المثقفين في تبصير القادة بما هو أسلم وأنفع لمنطقتنا وشعوبنا.. وأقول: يبدو أن كثيرا من المثقفين في بلداننا وزماننا لم يعودوا يقومون بهذه المهمة الجليلة، وقد يفعلون العكس للأسف..

في معرض رده على الدكتور الرميحي والوزير السابق العجمي، قال الأستاذ/ عبد الرحمن الراشد إن مثقفين سعوديين يرون مصلحة سعودية في تقسيم اليمن، ولعل آل زلفى وتركي الحمد يمثلون هذا التيار المدمر.. ولكن عزاءنا في اليمن أن مثقفين من أشقائنا؛ أمثال عبد الرحمن الراشد وسليمان العقيلي وعضوان الأحمري، وعلي القرشي يدركون أكثر وأفضل ما يجب عمله إزاء اليمن.

التطاول على اليمن والتمادي في ظلمها وهضمها والاستخفاف بها، يستند عند البعض إلي أن اليمن واليمنيين صاروا اليوم في أضعف أحوالهم وأسوأ ظروفهم إلى حد أن نخبتهم غير قادرة حتى على نقاش هذه الآراء المضللة أو مواجهة طروحات جائرة من هذا القبيل..

في مايو 2010،بمناسبة الذكرى العشرين للوحدة اليمنية اشتركت في ندوة مع ال زلفى في بث مشترك لإذاعتي صنعاء والرياض، وتخلفت إذاعة أبو ظبي، التي قيل لنا يومها أنها ستشارك في البث في تلك الندوة، وأشدنا حينها كلانا بمشاريع الوحدة التي تمت في جزيرة العرب، وبقادتها علي عبد الله صالح وَعَبَد العزير ال سعود وزايد بن سلطان، واعتبر كلانا، تلك الكيانات العربية الموحدة مكاسب للأمة العربية، ونواة لوحدة عربية أشمل. ومما قاله ال زلفى في تلك الندوة، إن الشيخ زايد كان يأمل بأن لا يتوفاه الله إلا وقد تحققت وحدة الجزيرة العربية..

في طور تكوين الدول العربية الحديثة، احتدم الصراع والمنافسة وحتى الحروب فيما بينها على أراضٍ وحدود ، وكثير من تلك الدول كان يعد جاره خطرا، يجب تشتيته وإضعافه وإنهاكه.. والحقيقة إن مثل هذه السياسة تنتمي لعهود وأفكار قديمة (old fashioned ) كانت تقوم على إضعاف الجار، وكانت تاريخيا سارية في بقاع كثيرة، قبل التوجه لتبني التكتلات الكبرى، بما في ذلك أوروبا التي تنافست كياناتها وتقاتلت قرون، حتى فطنوا بعد الحرب العالمية الثانية، وهي في أصلها حرب أهلية أوروبية، بأن لا مستقبل لأوروبا إلا متحدة..

في مقال كتبته منذ أكثر من عشر سنوات، بعنوان؛ اليمن والخليج، إرث الماضي وتطلعات المستقبل، أشرت إلى تذبذب العلاقة بين السعودية واليمن طيلة 65 عاما، واعتبرت أن توقيع اتفاقيات الحدود عام 2000، أنهى حقبة من الشكوك والتربص، وعلى إثر تلك الاتفاقية، قلت إنه يجب تدشين مستقبل شراكة وتكامل متين وعميق بين الدولتين الشقيقتين الجارتين، بحيث تكون اليمن والسعودية هما الأقرب لبعضهما في كافة الحقوق والالتزامات والواجبات وأوجه الشراكة، كما نصت اتفاقية الطائف 1934، والتي أكدت على مشروعيتها وديمومتها اتفاقية جدة، عام 2000.

في الثلاثة آلاف سنة الماضية تكونت في اليمن دول كبيرة نسبيا، ودويلات صغيرة وكانت أحيانا اليمن أو بعضها جزء من إمبراطوريات، لكن الهوية والذات اليمنية ظلت راسخة ونافح عنها عبر العصور مثقفون يمنيون كثر مثل أبو الحسن الهمداني ونشوان الحميري، وفاخر بها المتنبي وأمرؤ القيس وأبي تمام وآخرون، وبين أيدينا الآن كيان اسمه الجمهورية اليمنية، متوسط، إلى صغير الحجم، قياسا، مثلا، بأقرب أشقائنا وجيراننا، السعودية مساحة، أو مصر سكانا، وسوف نحافظ عليه بكل الوسائل، مثلما أن من واجب أشقائنا المصريين والجزائريين والسعوديين والإماراتيين المحافظة على بلدانهم... ونأمل أن يكف المتطاولون والفارغون عن عبثهم بشأن وحدة اليمن، فوحدة الكيان اليمني، بالنسبة لجيلنا، مسألة كرامة أكثر من أي شيء آخر.

عندما التقي بأصدقاء وزملاء سعوديين أو خليجيين، أقول لهم: لن نقبل في اليمن تقزيماً أو تقسيما، لكننا نقبل وحدة معكم، فيدرالية أو كونفدرالية أو ما يشبه..!

هناك من قد يسخر من هذا، لكننا إن لم نبحث عما يعزز صلاتنا ومصالحنا وما يوحدنا، فسوف نكرس من وقت لآخر، الكثير من الجهد والإمكانات ضد بعضنا، وقد ندخل في حروب عربية بينية طاحنة، أكثر خطرا مما نحن فيه الآن، والأخطر من هذا أن المتربصين بِنَا كثيرون، وقد يكون ما يحدث اليوم هو أقل خطرا مما قد يحدث مستقبلا.. ولم تكن حروب أوروبا طيلة عقود قبل القرن العشرين ، إلا بروفة متواضعة للحرب العالمية الثانية، التي فهم الأوروبيين بعدها الدرس وقرروا التقارب بعدها، وتوحدوا، ربما إلى حين أيضا، لأن غباء الإنسان لا حدود له..!

فهل نعي الدرس نحن أيضا ونتعلم من النجاح والفشل والتجارب والمحن..؟