من الاستعمار إلى الاستحمار
بقلم/ محمد بن ناصر الحزمي
نشر منذ: 13 سنة و 11 شهراً و 12 يوماً
الإثنين 06 ديسمبر-كانون الأول 2010 05:40 م

مسكينة هي شعوبنا العربية والإسلامية ،ما إن تخرج من محنة تدخل في أخرى ، فبعد ما تصدرت فترة من التأريخ حدث لها تراجع خطير ومخيف، وكان ذلك نتاجا طبيعيا لتخليها عن قيمها ومبادئها،ولهثها وراء شهواتها وملذاتها، فسلط الله عليها حكاما من بني جنسها عاشوا كشعوبهم لملذاتهم وأهوائهم ، فاجتاحهم الغرب بجيشه وقوته ، فنهب خيراتهم واستبدل ثقافتهم ، بل وأخلاقهم ، لفترة من الزمن ،وحدث ما يعرف بمرحلة الاستعمار ، فهبت نخبة من أبناء الأمة وانتفضت ضد ذلك الاستعمار فتحرر الشعب العربي ولم يبقى إلا شعب فلسطين ، وسرعان ما وقعت هذه الشعوب في فخ أخر ، وهو مرحلة الاستحمار ومسألة الاستحمار وردت في قوله تعالى عن الذين يعرفون الحق ويتجاهلونه حين قال (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)وهذا ما يحدث اليوم لأمة الاسلام تحمل القران وتبحث عن غيره، وتحمل النور وتعيش في الظلام ، ومنحها الله الشرف بالإسلام فتخلت عنه وذهبت إلى أفكار ومعتقدات ما أنزل الله بها من سلطان ، فسلط الله عليها حكاما ظلمة ، استغلوا خيراتها ومقدراتها لهم ولحاشيتهم ، وتعاملوا مع شعوبهم كقطيع من الحمير ، لا يفقهون ولا يعلمون ، وبالمقابل أعطوا لأنفسهم هالة من القداسة المفرطة ، فالحاكم في بلاد العرب كما يقال ( أبو العريفين) لا يحتاج إلى نصح الناصحين ،ولا إلى خبرة الخبراء العالمين، إنما حاجته تكمن في قدر كبير من جموع المخبرين ، فهو الوحيد الذي يفقه المصلحة الوطنية دون غيره ، فبقاؤه في الحكم حتى الموت مصلحة وطنية ، والتصويت لحزبه مصلحة وطنية ، وتوريث الحكم لأبنه مصلحة وطنية ،وتعديل الدستور على مقاسه مصلحة وطنية ، وتعاونه مع أعداء الأمة وقتله لأبناء شعبه مصلحة وطنية ، وعبثه بالأموال العامة مصلحة وطنية ، ومخالفة الدستور والقانون مصلحة وطنية ، وبالتأكيد فأكله وشربه ودخوله الحمام مصلحة وطنية ، وكل هذا يقدم للشعب مُزينا عبر الإعلام وصُحفيي الدجل والنفاق ، وعشاق الوصولية والاسترزاق ، ممن استمرؤوا الأكل وهم خانعين ، فيقنعوا الشعب بتزييفهم أن يسمع ويطيع ، وان كان فيه الدكتور والعالم ، والباحث والناظم، وللأسف الشديد أن هناك من رضي أن يكون مستحمرا كما قال تعالى عن هذا الصنف في زمن فرعون (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ) إذا كان هذا بمن أطاعه ، فما بالك بمن أيده وصفق له وروج لاستخفافه بين العوام ؟ يقول سيد قطب رحمه الله تعالى \" واستخفاف الطغاة للجماهير أمر لا غرابة فيه ; فهم يعزلون الجماهير أولاً عن كل سبل المعرفة , ويحجبون عنهم الحقائق حتى ينسوها , ولا يعودوا يبحثون عنها ; ويلقون في روعهم ما يشاءون من المؤثرات حتى تنطبع نفوسهم بهذه المؤثرات المصطنعة . ومن ثم يسهل استخفافهم بعد ذلك , ويلين قيادهم , فيذهبون بهم ذات اليمين وذات الشمال مطمئنين !

ولا يملك الطاغية أن يفعل بالجماهير هذه الفعلة إلا وهم فاسقون لا يستقيمون على طريق , ولا يمسكون بحبل الله , ولا يزنون بميزان الإيمان . فأما المؤمنون فيصعب خداعهم واستخفافهم واللعب بهم كالريشة في مهب الريح\" انتهى كلامه رحمه الله .

الاستحمار هو الاستخفاف وهو عملية تدريجية تبدأ من حاشية الحاكم حتى تصل إلى عامة الشعب ، وللحقيقة وكي نكون عادلين فليس ما يعتقده الحاكم من استحمار الشعب مقبولا عند الجميع، ففي الأمة الكثير ممن يرفض الاستحمار ، ويجب أن نفرق بين الحمار الوحشي والحمار الأليف، فالأول في الحاشية ،والثاني في الحضر والبادية ، إن نظرة الحاكم العربي إلى شعبه بهذا الاستخفاف وقبول الفاسقين بذلك ،هو ما جلب علينا المصائب والنكبات ، والتخلف والأزمات ، والتمزق والصراعات ، إن الأمة اليوم يجب أن تتحرر من الاستحمار كما تحررت من الاستعمار، وهذا يحتاج ثورة ثقافية توعوية كبيرة ، يقودها الأحرار، متحملين مشاق ذلك ، صابرين محتسبين ، راجين الثواب من الله رب العالمين.