آخر الاخبار
" الوحدة الوطنية " . . مضامين دولة لا أشكال قنوات !!
بقلم/ أ.د/محمد بن حمود الطريقي
نشر منذ: 17 سنة و 3 أشهر و 26 يوماً
السبت 21 يوليو-تموز 2007 02:14 م

مأرب برس - خاص

 التصريح الأخير لوكيل وزارة الثقافة والإعلام السعودية الذي يستهجن فيه تسمية بعض القنوات الإعلامية بأسماء المدن والمناطق ، ويحذر فيه من مغبة تعزيز الإقليمية الضيقة، وتبعيات ذلك من تهديد لمفهوم " الوحدة الوطنية " هو تصريح جدير بالإحترام، ولكن في نفس الوقت هو مدعاة للنقاش الإعلامي المستفيض في واقع الإعلام السعودي ووزارة الثقافة والإعلام السعودية، وواقع الحال السعودي بصفة عامة على إعتبار أن الإعلام هو إنعكاس للخبر والحدث وتصفية تحليلية واقعية وموضوعية للوضع القائم.

 حريّ بنا قبل أن نطالب هذه القنوات بالتوقف عن المسير بإتجاه المنحى الضيق، أن نراجع سياساتنا الداخلية على كافة المستويات في هذا الإطار ، لأن أي واقع يقوم على مباديء الاحتكار والمحاصصة هو واقع دافع بهذا الإتجاه، وعدم الإعتراف بالشراكة المواطنية في قضايا التنمية هو أول خسارات النظام وغياب مباديء تكافؤ الفرص والعدالة مدعاة أخرى لمزيد من مظاهر النخر في الوحدة الوطنية.. هنا نقرر أنه لا يمكن أن يكون جزءً من الحل مَن كان أصلاً جزءً من المشكلة الرئيسية.

 نحن في زمن الإعلام المفتوح، والفضاء المعولم ، وفي حين تخلت عدد من الدول عن وزارات إعلامها واستبدلتها دول أخرى بمجالس وهيئات، نرى – والحديث على مسؤوليتي ومن تجربتي – أن عناصر الفرقة التي نخشاها جسدتها وزارة الثقافة والإعلام ضمن مفهوم " الحرمان " بمعناه الشامل، فأنا شخصياً على رأس مؤسسة إعلامية سعودية خسرت كل رهاناتها على هذه الوزارة من دعم وتوجيه أو رعاية ، بل وحتى من حضور اجتماعات رؤساء تحرير المطبوعات الوطنية في صورة إقصاء وتهميش تعد " الوحدة الوطنية " " عدوه الأول " ، لأن عدم احترام الشراكة المواطنية التنموية وخصخصتها وفق معايير غير عادلة هو التوجه الفعلي نحو الخوف على " الوحدة الوطنية " .

 كما أنه من المهم جداً أن تدرك وزارة الثقافة والإعلام أن أسلوب السلطة البيروقراطي لن يجني إلاّ مزيداً من هذه القنوات في عصر الإعلام المفتوح، وهي ليست بالضرورة قنوات هادفة أو ذات قيمة، قد تكون لتصفية حسابات أو تأجيج نعرات، أو الكشف عن مواطن الضعف لأعداء الخارج ليحسنوا استغلالها، وهكذا تكبر المشكلة وتتفاقم في ظل غياب رعاية السلطة الإعلامية الحكومية التي لو نظرت بعين العدل إلى حق الجميع في الفكر والتعبير والحرية واحتضنت هذا الحق مع صاحبه بل ودعمته ووجهته، لكانت هي المظلة الدستورية والقانونية والأدبية لهذه القنوات التي لا تملك هي اليوم أدنى سلطة عليها، وفي وقت أصبح فيه عدوك يصنع محطة ناطقة بلغتك وبشكل خبيث في الطرح وموجه في المضمون . . وهذا واقع وزارتنا التي لا تملك قرار ترخيص صحيفة وطنية يومية . . وكأنها تدعو صاحب فكرة الترخيص لأبواب الخارج، وكلنا يعلم متى يدعمك الخارج!!.

 إن شكل هذه القنوات لا يختلف كثيراً عن شكل العروض الفلكلورية التي يعرضها الإعلام الرسمي على قنواته . . وبالتالي لا خوف من تسميات هذه القنوات كما لا خوف من تسميات العروض الفلكلورية بأسماء المناطق، ولكن الخوف الحقيقي في مضمونها خاصة وأنها على اختلاف مجهول ، بين اختلاف تضاد واختلاف تنوع!!

 إذا استمر هذا الواقع ، فإن هذه القنوات بأشكالها الإعلامية المختلفة ستزداد وسيصبح لكل مدينة قناة، ثم لكل حي ، ثم لكل بيت ، ثم لكل فرد، وبأسمائهم المجردة!! خاصة وأن الجمهور يتمنى أن يسمع ما يريد ، لا أن يسمع ما يراد له!!.

 محاولة واحدة فقط لرعاية المواطن وفكره واجتهاداته واحترام رأيه وكيانه وكرامته، وإتاحة فرص العدالة بكل مقتضياتها وفي كافة المجالات .. هي التفكير بالإتجاه الصحيح من سياسات الدولة إلى سياسات الإعلام .. وبغير ذلك فإن إعلامنا مقبل على مرحلة من الفوضى التي لا سلطة فيها أو عليها ، وهنا سنشعر بقيمة " الوحدة الوطنية" التي قامت على العدالة وتكافؤ الفرص ، ولن تترسخ إلاّ بمزيد من العدالة وتكافؤ الفرص وبالمعنى الحقيقي والمفهوم الشامل.      

* الباحث الرئيسي المشرف العام على مركز أبحاث الشرق الأوسط للتنمية الإنسانية وحقوق الإنسان ورئيس تحرير العالِم للصحافة.