التسوية الملغومة  
بقلم/ ياسين التميمي
نشر منذ: 5 سنوات و أسبوع و 5 أيام
الإثنين 04 نوفمبر-تشرين الثاني 2019 06:45 م
 

تتهيأ الرياض للتوقيع على اتفاق يحمل اسمها، وينهي ظاهرياً توتراً وحرباً بين السلطة الشرعية والقوات الانفصالية الجنوبية المدعومة من أبو ظبي، انتهت إلى انقلابٍ كاملِ الأركان على السلطة الشرعية في جنوب البلاد، بل وإخراجها نهائياً من العاصمة السياسية المؤقتة عدن، بدعم من التحالف وبإسنادٍ عسكريٍ مباشرٍ من القوات الإماراتية.

كان يفترض أن يتم التوقيع على هذا الاتفاق قبل نحو أسبوعين، ثم تأجل إلى الأحد الماضي، ولكن لم يتم التوقيع عليه في ذات الموعد، إلى أن خرج السفير السعودي في اليمن محمد آل جابر، ووزير الإعلام اليمني معمر الإرياني؛ ليؤكدا في تغريدات منفصلة قبل يومين أن التوقيع على الاتفاق سيتم في الخامس من تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، وليوضحا في الآن ذاته أن التأجيل كان لأسباب بروتوكولية، وليس بسبب الحكومة أو بسبب التطورات الميدانية التي فجرها المجلس الانتقالي الجنوبي في كل من محافظتي أرخبيل سقطرى وأبين، حيث شهدت الأولى فعاليات احتجاجية ضد السلطة الشرعية، فيما شهدت الثانية اشتباكات أدت إلى إخراج قوات الحزام الأمني من مدينة أحور جنوب محافظة أبين على يد القوات الحكومية.

اللافت فيما غرد به السفير السعودي تأكيده أن حفل التوقيع على اتفاق الرياض سيتم برعاية ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، فيما كان قد تأكد أن الحفل سيتم برعاية العاهل السعودي نفسه، وبحضور الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي.

يُعزى ذلك إلى ما كشفَ عنه السفيرُ آل جابر، وهو أن ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد سيكون حاضراً حفل التوقيع، في ما يبدو أنها محاولة سعودية إماراتية لإظهار متانة التحالف الذي بات منذ أيام يفتقد ظاهرياً إلى وجودٍ عسكري إماراتي مادي في اليمن، كانت أبو ظبي قد لعبت بفضله الدَّورَ الأبرز في مسرح العمليات القتالية، خصوصاً في جنوب وغرب البلاد، وفي توجيهها لصالح أجندة أحدثت من الخراب ما لم تُحدثهُ كُلُّ الحروبِ التي استهدفت اليمنيين في تاريخهم.

   حضور ولي عهد أبو ظبي حفل توقيع اتفاق الرياض، يشير في أخطر دلالاته إلى أن الإمارات ربما تمضي في استثمار المساحة التي وفرتها لها السعودية ضمن نصوص الاتفاق لممارسة الوصاية على السلطة الشرعية

حضور ولي عهد أبو ظبي حفل توقيع اتفاق الرياض، يشير في أخطر دلالاته إلى أن الإمارات ربما تمضي في استثمار المساحة التي وفرتها لها السعودية ضمن نصوص الاتفاق لممارسة الوصاية على السلطة الشرعية عبر مراقبة تنفيذ الاتفاق، على نحو يسلب السلطة الشرعية حقها الأصيل في إدارة البلد وترميم التصدعات التي أحدثتها السياسات الإماراتية التخريبية في البنيان الاجتماعي والسياسي للدولة اليمنية، طيلة أكثر من أربعة أعوام ونصف من عمر التدخل العسكري للتحالف.

إن وجود ولي العهد السعودي وولي عهد أبو ظبي على رأس حفل يراد له أن يُسوِّقَ للعالمِ إنجازاً وهمياً حققه هذان الرجلان على الساحة اليمنية؛ يكفي وحده لإبقاء نبرة التفاؤل لدى المراقبين منخفضةً إلى أدنى المستويات، ولإثارة الشكوك بشأن هذا الاتفاق الذي دُفعت إليه السلطة الشرعية مرغمة، وتحت تأثير الاستلاب طويل الأمد الذي تعرض له قرارُها السياسي والاستراتيجي وأولوياتها الوطنية المتوخاة من حرب التحالف على أراضيها.

لطالما تباهى السياسيون السعوديون ومعهم مسؤولون في السلطة الشرعية طيلة الأيام الماضية، بإبراز الأثر المحتمل لاتفاق الرياض على وحدة الموقف داخل معسكر الشرعية، لاعتقادهم بأن القوات الجنوبية الانفصالية المدعومة من الإمارات، والتي تفرغت طيلة العامين الماضيين لمحاربة السلطة الشرعية، ستلتحم في المعركة المشتركة المفترض أن تتجه نحو مواجهة الانقلاب الحوثي في صنعاء.

   التحركات السياسية على خط الأزمة اليمنية تكشف عن تراجع خيار الحرب إلى أدنى مستوياته، بالنظر إلى الخطوات التي تتخذ باتجاه التهدئة بين الرياض والحوثيين

لكن التحركات السياسية على خط الأزمة اليمنية تكشف عن تراجع خيار الحرب إلى أدنى مستوياته، بالنظر إلى الخطوات التي تتخذ باتجاه التهدئة بين الرياض والحوثيين، وهو توجه يرمي إلى إعادة إحياء التسوية الكارثية التي أنتجها اتفاق الخرطوم بين الرئيس المصري جمال عبد الناصر والعاهل السعودي فيصل بن عبد العزيز في ستينيات القرن الماضي، وأدت إلى حقن النظام الجمهوري بالقوى الإمامية الزيدية المدعومة من الرياض آنذاك، والتي واصلت مخطط نخر هذا النظام وترسيخ الممارسات الفاسدة في بنتيه السلطوية؛ كان من أبرز مظاهرها احتكار المنظومة العدلية التي هيمنت عليها هذه القوى، لتتحول هذه المنظومة طيلة العقود الستة من عمر الجمهورية إلى أحد النماذج الواضحة للتأثير السيئ لأداء الدولة على حياة الناس.

بل إن السفير البريطاني لدى اليمن، مايكل آرون، بادر عبر تصريحات له لجريدة الشرق الأوسط التابعة لعائلة العاهل السعودي وعلى نحو يثير الريبة، إلى التبشير بإمكانية إعادة إحياء العلاقات القديمة التي كانت قائمة بين السعودية والحوثيين، وكان يقصد بالضبط أسلافهم من أئمة المملكة المتوكلية الزيدية في صنعاء، في عقود الثلاثينيات والأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي.

ذلك يعني أن الحرب التي أدارتها السعودية بنوايا خبيثة وعانت من فشل ذريع حتى اللحظة على الأقل، ستنتهي حتما (إن مضت في المسار الحالي) إلى تكريس دولةً رخوةً ومفككةً وملغومةً بالمشاريع السياسية المتصارعة، وهذا بالتحديد ما سيضفي على الحرب السعودية الإماراتية في اليمن الصفة العدائية الكاملة، ويمنح إيران وجوداً في اليمن يصعب اقتلاعه؛ ما دامت للحوثيين سلطة قادرة على إيذاء اليمنيين وتصدير الأذى للجوار السعودي الذي فقدت سلطته البوصلة والرشد.

نقلا عن "عربي21"