|
خاضت الإمارات لعبة تحالف اعادة الشرعية في اليمن وفي عباءتها جملة أهداف سياسية واقتصادية مغايرة خاصة .. وكان لابد لها التخلص من الرئيس هادي وازاحته عن مشهد السلطة في عدن تحت مبررات أمنية اقنعته بها في البداية , الى أن تكشفت حقيقة أنها سعت إلى نفيه من البلاد نهائيا.
وقال أنور قرقاش وزير الشؤون الخارجية ذات يوم بعد استنكار تعنت خصوم هادي الانتقاليين وعدم رغبتهم بوجود الرئيس وتكرار منع طائرته من الهبوط في عدن ما مضمونه (إننا مضطرون إلى إجراءات وخطوات تراعي مسايرة بعض الأمور نحو ما هو ابعد) , ليفهم أنهم يديرون الصراع على السلطة بين مراكز القوى والنفوذ في عدن بعقلية استخباراتية(مزدوجة) أما لتعقيدات الموقف نفسه واما عن سؤ تقدير وفهم للمعطيات على الأرض , او لتواطؤهم .
كان انحيازهم لمليشيات الانتقالي واضحا منذ تدخل الطيران بقصف قوات الحماية الرئاسية وقتل جنودها شرق مطار عدن في فبراير 2017 م في اولى مواجهاتها العسكرية المعلنة مع قوات عيدروس الزبيدي وشلال شائع.
حولوا المطار الى مصيدة دائمة وأداة تطفيش وتنغيص في وجه رجال السلطة ورموزها والقادة العسكريين.
لم يكن الاماراتيون على ثقة بأن الرئيس هادي سوف يمنحهم ولو بعض ما يريدون .. ففي بداية عهده بعد فبراير 2012 م ألغت حكومة باسندوة بضغط من الوزراء الجدد والبرلمان صفقة شركة موانئ دبي المجحفة الخاصة باحتكار تشغيل (تعطيل) ميناء عدن بثمن بخس , فجاءت لحظة الإنتقام المناسبة لكسر عظم هادي الذي لم يكن قراره , لأن الحكومة رفضت أيضا اتفاقية إنتاج وتصدير الغاز المسال سيئة الصيت التي وقعها رموز النظام السابق وأدخلت عليها تعديلات لصالح البلد.
تصرفت الإمارات بعدوانية خفية بتأثير أن ما حدث لشركة موانىء دبي التابعة لها نتاج ثورات الربيع العربي , وعندما يضخمون من سيطرة الإخوان على قرار مؤسسة الرئاسة والتأثير على قرار هادي فلا يقصدون حزب الإصلاح لذاته (المؤثر نسبيا) وإنما أبعد من ذلك وهو أن استمرار الوضع الثوري الجديد على زخمه في اليمن لن يمكنهم من الانفراد بصفقات فساد ربحية كثيرة كانوا يخططون لها مع النظام السابق وغيره من الأنظمة العربية الموالية , وسنحت لهم الفرصة في اليمن على طبق من ذهب إما لعودة الحكم السابق بالأنفراد (قبل مقتل صالح) أو بالمشاركة .. وإذا لم فعبر استنبات قوى محلية حليفة جديدة (مطيعة) يركن إليها وتتاح لها كل مقومات وادوات القوة والسطوة والأموال.
ونموذج تبني الإماراتيين لمليشيات الانتقالي(هاني/عيدروس/شلال) وحراس الجمهورية(طارق عفاش/ابو العباس) هو الخيار المتاح بعد أن أفشل مقتل الرئيس صالح عليهم مخطط إعادة إنتاج (نظام الربح المريح) ..
دخلت المرحلة الثانية من تقييد سلطات الرئيس الإدارية في أبريل 2017 م بعد صدمة عزل عيدروس الزبيدي من منصب محافظ عدن وباقي محافظي الانتقالي الآخرين في الجنوب , ناصر الخبجي(لحج) احمد لملس(شبوة) احمد سعيد بن بريك (حضرموت) وسالم السقطري محافظ سقطرى.
تصرفت الإمارات كوكيل لمليشياتها المحلية بتلبية رغباتهم (المشتركة) وتمادت على قرارات الرئيس التي زعمت أن دورها إعادة الشرعيه اليه ..
لكن نزعة هادي الاستقلالية(والمزاجية) ايضا افسدت ما كانوا يطبخونه , فكان المسمار الأخير في نعش سلطته بتشكيل (اللجنة الثلاثية) من اطراف (السعودية الامارات هادي) لتقييد سلطات الرجل والحجر عليه ونزع قرارات التعيين في المناصب الوزارية والإدارية العليا من صميم اختصاصه وصلاحياته .. وبدت خطوة مقنعة للكثيرين ظاهريا لأن هادي بالفعل استغل سلطاته لكسب الولآءت والمحسوبية والترضيات , وتصرف معظم وزرائه بالوظيفة العامة كأقطاعيات خاصة بالأبناء والمقربين .. تماما كما فعل محافظوا ووزراء ومدراء الانتقالي في عبثهم الموازي باملاك الدولة والوظيفة العامة.
* من الازاحة الى الاطاحة *
تصرف حلفاء الامارات وهيأتهم هي على الأرض في الجنوب قرابة خمس سنوات كبديل اصيل عن شرعية سلطات ووجود الدولة, آخرها الاستماتة في منع انعقاد مجلس النواب الذي شبع موتا لسنوات ثم بعث من القبر , واعتبر ذلك أحد أعضائه من الانتقاليين قبل شهرين إنه بمثابة عودة الاحتلال الشمالي للجنوب وطالب بطردهم من عدن ( لا يحق لكم الانعقاد فوق أرض غير أرضكم).
اكتملت حلقات السناريو وكل شيء على مايرام , رئيس منفي , حكومة صورية في عدن يدير فيها رئيسها نفسه بنفسه إلا من ثلة وزراء أحيانا , برلمان ممنوع من الانعقاد , والأهم هو الإبقاء على عنصر التفوق العسكري الضارب للمليشيات بيافطة(مكافحة الإرهاب) مقابل معسكرات حماية رئاسية ديكورية خاوية على عروشها من الجنود المنقطعة مرتباتهم لأشهر وعتاد هزيل لا يهش ولا ينش !.
اكتمل تثبيت سيطرة الإماراتيين العسكرية والامنية بأدواتهم المحلية على موانئ ومطارات الجنوب من عدن وشبوة إلى سقطرى والمكلا وباب المندب وميناء المخا ومعظم الساحل الغربي في الشمال .. وانتزعوا انتصارات الوية العمالقة الشرعية في سواحل تعز والحديدة لجيب ورثة عفاش حلفاء (الوقت بدل الضائع) .
* الممكن والمستحيل *
هل كان بمقدور الإماراتيين ثني الانقلابيين عن تمردهم مرتين او كبح تصرفاتهم المعيقة لعودة السلطة الشرعية أم انهم لا يريدون ذلك , وفضلوا سفك دماء آلاف الأبرياء قتلى ومصابين ودمار لتجريب قوة وإخلاص الحليف وصياغة أولويات وبدايل مرحلة قادمة؟.
لم تكن شبوة نهاية المطاف بعد انقلاب عدن ابين الاخير بل هي المنتصف والشراك الذي تورطوا فيه , وإذا أتيح لهم أكثر من ذلك فيعني إن مشروع (فك الارتباط) او حتى كونفيدرالية شمال وجنوب على وشك الوقوع .. لكن ما حصل اقرب الى فصل الجنوب وعزله عن بعضه !!.
كان الدعم الامارتي في التغريدات التمهيدية تشحذ همم أدواتها لفرض أمر واقع آخر / اليمن لن يعود كما كان/ من حق الجنوبيين تقرير مصيرهم/ الجنوب لن يتحقق مع وجود هادي وشرعيته ... الخ.
توقف انتصارات الانتقالي في أبين وتحطمها على أسوار شبوة
هو استفتاء (عسكري) وسياسي غير مباشر على إن الجنوب نفسه لا يقبل بالوصاية وتفرد ونفوذ وهيمنة طرف داخلي من أبنائه أيضا .. إستفتاء حاسم وقاطع ضد ضم والحاق الشريك المخالف بالغلبة والقهر ومدرعات واسلحة الاشقاء .. وأن خيار قيام دولة يمنية فيدرالية أيضا قد يكون خيار جزء من الجنوب نتيجة تهور أدوات مشروع الاستقلال التي عاد الانقلاب عليها في أبين , شبوة ..
وكما فرض الجنوب وحدة اندماجية سابقا فإنه يثبت في شبوة حضرموت وغيرها ارضية الدولة الاتحادية الجديدة !!.
* الفرص الضائعة والاتهامات *
سيناريو انقلاب أغسطس الجاري الدموي كان محاولة استماتة وفرصة اخيرة ثبت للاماراتيين فيه استحالة تقسيم اليمن بأدوات المشروع المحلية نفسها التي تتحمل تبعات ذلك بمفردها بمعزل عن الشريك الخليجي الذي استنفذ معهم واتاح لمشاريعهم كل الامكانيات وشرب معهم الكأس حتى الرمق الأخير.
وكان لابد أن يصل المخطط إلى ذروته ليقتنع أصحاب (المقاولات الصغيرة) أنهم مسؤولون أيضا أمام حلفائهم عن إهدار الأموال والعتاد والسلاح والرجال والأضرار بالمدنيين وممتلكاتهم في رهان خاسر.
* عودة من الباب الخلفي *
-- سوف تبقي الإمارات على ذريعة حماية مصالحها في اليمن بواجهات عديدة أولها مكافحة ظاهرة الإرهاب ولو بتبنيها عندما تجفف.
-- تحجيم مراكز القوى الدينية بضرب التيارات السياسية الاسلاموية ببعضها وتوظيف اطراف منها لضرب أحزاب وكيانات قبلية وعشائرية غير الموالية.
-- الإبقاء على دعم اذرعها العسكرية المسلحة وغيرها تحسبا لمتغيرات وسوانح مواتية.
-- تثبيت اقدام حلفائها الداخليين وتمكينهم كأطراف فاعلة في التسويات والمعادلات السياسية ضمن الحل النهائي( النسبي).
-- التمدد المجتمعي اكثر بداعي الأعمال الإنسانية ألتي تحتاج اليها الشرائح الفقيرة بفعل الحرب وعوز الحكومة وقلة ذات اليد والفساد.
* الآم الانتصار *
الإمارات التي تزعم إنها أنجزت مهمتها في اليمن ,اي( انتصرت) إن صح ذلك فإنها لن تنسى معاناتها النفسية وهي أقسى كثيرا من أي فشل عسكري , بل إنها فقدت بأسلوب تماديها ما كان لها من شعبية وسمعة حسنة في أوساط اليمنيين قبل الحرب.
وعلى الرغم مما بدر هذا اليوم من تحسن ظاهري مفاجئ في البيان الإماراتي المشترك مع السعودية لصالح الشرعية في اليمن بعد التلويح بطردها من التحالف , إلا إنها سوف
تعود دوليا تحت واجهة مكافحة الإرهاب والتطرف بأدواتها التي أنشأتها لاهداف أبعد بكثير لتبقى مسيطرة على جزء كبير من خيوط اللعبة الداخلية في اليمن.
ويظهر اهتمام الإمارات الجغرافي بباب المندب والساحل الغربي والمخا , وهي تدرك أن طارق صالح إذا كتبت له الحياة فلن يتمكن من العودة إلى صنعاء فهيأت له إمارة جديدة لإقامة دائمة في الساحل الغربي وتهامة.
ولعل خارطة جديدة سوف تتشكل لليمن الاتحادي مهد الاماراتيون لها تضم بموجبها بعض مناطق الساحل الشمالية من الحديدة الى باب المندب الى اقليم عدن أبين لحج , ثم إقليم جنوبي آخر بين شبوة , حضرموت , المهرة , وسيناريوهات وبدائل عديدة لرسم جغرافيا الأقاليم اليمنية وربما على أساس الدولة الاتحادية.
ويظهر انهم مهدوا إعلاميا بكثافة في الأشهر الأخيرة لتقسيم اليمن لقبول الرافضين في النهاية بخارطة جديدة صاغها لهم الإنجليز والأمريكان وتراعي فلسفة الأقاليم الخمسة او الستة , وهذا هو ربما مغزى إن اليمن الموحد لن يعود كما كان بعد الآن !!.
وقد تعجل أحداث الجنوب في تسريع وتيرة الحل والتسوية السياسية الشاملة في اليمن بعد التخلص من أعباء انقلاب عدن وتجاوز مخاطره على حسم المعركة مع دولة الولي الفقيه في صنعاء.
ولكن من الحكمة أيضا تجريد المليشيات الفئوية من اسلحتها طوعا بدلا من خيار سيناريو استنزاف بعضها البعض بما يشبه حروبا أهلية مصغرة او أسوأ تديرها أصابع التحالف !!.ن
في الثلاثاء 27 أغسطس-آب 2019 04:38:24 م