زيارة الرئيس لجامعة الإيمان بداية علاقة حميمة مع الفقهاء أم تصفية سياسية؟-
بقلم/ د. محمد معافى المهدلي
نشر منذ: 18 سنة و يومين
الأربعاء 15 نوفمبر-تشرين الثاني 2006 01:54 م

" مأرب برس - خاص "

رغم ما يتميز به الرئيس اليمني من أصالة للتراب الوطني منذ اعتلى عرش اليمن إلا أنه لم يكن يعير ذاك الاهتمام المطلوب بالعلماء والفقهاء طوال مسيرة حكمه الطويل الذي تجاوز الـ"28 "عاما ، فقد استبعد العلماء عن كثير من ميادين القضاء والتربية والتعليم والإعلام والصحافة الرسمية فضلاً عن الأمن والجيش إلا ما ندر ممن يؤمنون بالبلاط . ولم يجد العلماء ملاذاً لهم إلا اللهم بعض الجامعات الأهلية والمدارس والمساجد التي يقوم على رعايتها بعض المحسنين .

فَعَلم من أعلام العلم والفقه والقضاء في الأمة الإسلامية كالعلامة محمد بن إسماعيل العمراني والشيخ الدكتور/ عبد الوهاب بن لطف الديلمي والشيخ الدكتور/ صالح الظبياني ، والقاضي / محمد الصادق مغلس ، ومئات من العلماء الذين تخرجوا من جامعة الإيمان ، وغيرها من الجامعات الإسلامية ، أمثلة صارخة حية تشهد بصدق ما أقول .

ومما يلفت النظر تلك اللفتة – والتي جاءت متأخرة- من الرئيس اليمني إلى العلماء قبيل موعد الانتخابات الرئاسية وبعدها ، حيث زار "جامعة الإيمان" ووجه بتنفيذ جملة من المشاريع الحيوية والإنمائية في الجامعة ، الأمر الذي يجعلنا نضع بعضاً من علامات الاستفهام ، ولعلها سنة مستحبة لدى الرؤساء العرب جميعاً قبيل كل انتخابات ، فالانتخابات الموريتانية الحالية سبقها جملة من الزيارات الكريمة للمسئولين الموريتانيين إلى بيوت العلماء من أمثال فضيلة الشيخ العلامة / محمد الحسن الددوا العالم والداعية الجماهيري المعروف ، ولعل أيضاً من أكثر الأمثلة إيلاماً لما تشتمل عليه من خداع وتضليل صارخ ، النموذج التونسي فلم يعتلِ الرئيس ابن علي سدة الحكم إلا بعد أن قام بجملة من الإصلاحات الدينية وزار بعضاً من رموز التيار الإسلامي ، وتحدثت الصحافة عن بن علي وعن إنجازاته الإسلامية ، على أنه المهدي المنتظر ، ولم يكد يجلس على كرسي السلطة حتى قلب ظهر المجن لكل ما هو إسلامي ، وإلى هذه اللحظة . ولعل هذه المواقف السياسية تجعلنا نقف عند زيارة الرئيس اليمني لجامعة الإيمان" بعض الوقفات.

 الوقفة الأولى:

 ما هي الرسالة التي يريد الرئيس صالح أن يوجهها ؟ أعتقد أنها مجموعة رسائل إلى الداخل والخارج ، فرسالته إلى الداخل ، الأولى إلى الحزب المعارض له "التجمع اليمني للإصلاح" الحزب المنافس الذي أثبت وجوده وقوة شعبيته والذي حصد أكثر من مليون صوت في الانتخابات الرئاسية والمحلية الماضية حسب النتائج التي أعلنت عنها السلطة نفسها ، وفحوى الرسالة أنه – أي الرئيس – قادر على التعامل مع طرف دون آخر في التجمع اليمني للإصلاح ، أو إتباع سياسة شق العصا ، فالشيخ الزنداني معروف بمواقفه المعارضة ليس فقط للسلطة بل حتى لبعض التوجهات الفكرية لدى حزبه ولدى القيادة في التجمع اليمني للإصلاح من خلال بعض أطروحاته الحنبلية لبعض القضايا ذات الطابع الدعوي والتنظيمي والفكري ، والتي هي محل خلاف بين الفقهاء قديما وحديثاً ، والواقع أنه لا عيب ولا إشكال في هذه الظاهرة في تقديري إلا أن تتجاوز الطابع الفكري التنظيري إلى الطابع التنظيمي ، وهذا الأخير هو ما يعول عليه فخامة الرئيس من الشيخ الزنداني . وفي تقديري أن الشيخ الزنداني لا يؤمن كثيراً بالجوانب التنظيمية التكتيكية الدقيقة ، وأحسب أن آراءه لا تتجاوز الإطار الفكري العلمي الجماهيري ، وليس أدل على هذا من تصريحه مساء الانتخابات الرئاسية المنصرمة – بعد صمت طويل – بأنه إصلاحي وهو رئيس مجلس شورى الإصلاح رغم زيارة الرئيس لجامعته بنحو شهر ، تنزلت هذه التصريحات على نفوس الإصلاحيين برداً وسلاماً ، وعلى حزب المؤتمر كأنها ناراً تلظى .

 بيد أن الرئيس اليمني لا يزال يتوقع أن ثمة خلافاً بين الزنداني كواجهة تاريخية للإخوان المسلمين وبين القيادة الشابة للإخوان كالأستاذ/ محمد قحطان والأستاذ/ محمد اليدومي ، يحرص الرئيس على توسيع هذا الخلاف - إن وجد – لصالح المسألة المؤتمرية .

الرسالة الثانية .

الموجهة إلى الداخل هي محاولة لتهدئة الشارع اليمني الذي يلتهب من محرقة الأسعار والغلاء والبطالة لتحسين الصورة القاتمة للسلطة ، ومن المعلوم أن الشعب اليمني شعب طيب وكريم ، وكلهم سيقول انظروا الرئيس جنب الزنداني ، وآخرون يقولون الزنداني جنب الرئيس ، ويكفي هذا الأمر لدى البسطاء لتهدئة الأوضاع المتردية والتي تزداد تردياً يوماً بعد يوم ، فيما ينسون قضيتهم الغلاء وضيق المعيشة .

أما الرسالة الثالثة.

 فهي موجهة إلى الخارج وأعني به العالم الأوربي والأمريكي ولعل الرسالة هنا فيما أعتقد إيجابية حيث يريد الرئيس أن يثبت للأمريكان أن لا صحة للتهم الأمريكية للشيخ الزنداني بالإرهاب ، وهذا ما يفسر ثناء الأخ الرئيس للشيخ بأنه قطب من أقطاب اليمن ، في إشارة واضحة أن الشيخ الزنداني ليس مجرد فرد ، بل هو أمة وتاريخ .

 الوقفة الثانية:

ما أعلنه الرئيس بخصوص توظيف طلاب الجامعة . بلا شك خطوة إيجابية وهي متأخرة جداً حيث تخرجت العديد من الدفع والأفواج ولكنها خطوة تستحق الإشادة والإطراء ، فما أحوج الساحة اليمنية إلى القضاة الشرعيين والعلماء الربانيين الذين يقيمون شرع الله ودينه بلا بيع ولا شراء ، وأعتقد أن الحل لمشكلة القضاء في اليمن أوشك الأخ الرئيس أن يضع يده عليه ، وهي غياب القاضي العالم التقي الورع ، وكما قيل القضاء في ضمير القاضي ، فكم من القضايا التي مضى عليها عقود من الزمن وكأنها قضية فلسطين فيما لا تحتاج سوى إلى دقائق من العلم والحكمة والتجرد .

لكني أصارح طلاب جامعة الإيمان أن القضاء ليس مجرد استظهار النصوص بل فقه وحكمة ومعرفة بالأحوال والملابسات وإلمام بالقوانين والأنظمة القضائية المعاصرة ، وهذا ما أعتقد أن طلاب الجامعة بحاجة إليه ، ولا يكفي دورة بل لا بد من دراسة أكاديمية قضائية رسمية ، تحاشياً لأي ضحايا .

الوقفة الثالثة:

وضع الأخ الرئيس يده أيضاً على مشكلة أو قل مشكلات تعاني منها الجامعة وهي التطوير والتحديث للوسائل والمناهج ، وهو أمر يجب أن تنظره إدارة الجامعة بعين الاهتمام ، وأن تسعى جهدها لمواكبة روح العصر وتقنياته علمياً وإدارياً ، إنه من غير المعقول أن يحشر مئات الطلاب في قاعة ضيقة مع مدرس واحد ، ومن غير المعقول أن نجد أقساماً في الجامعة بدون مناهج أو مناهج غير ثابتة ، أو طغيان فوضوية نظام القبيلة على إدارات الجامعة ، وأيضاً يجب أن يقف مجلس أمناء الجامعة لدراسة وتقييم عمر هذه الجامعة الذي تجاوز ال 12 عاماً ، ومدى تحقق الأهداف التي أنشأت الجامعة من أجلها ، وإن من أهم أهداف هذه الجامعة تخريج العلماء العاملين الربانيين المؤهلين للاجتهاد ، وأن تدرس مخرجات الجامعة ومدى تحقق هذه الأهداف فيهم ، كونها أمل الأمة الباسم ، وكونها إشراقة من إشراقات الخير والنصر في سجل أمتنا المعاصر .

 أخيراً كيفما تكن الأهداف التي يمكن أن يقرأها الناظر المتأني لزيارة الرئيس اليمني لجامعة الإيمان فهي بداية لتعزيز العلاقة بين السلطة والفقيه ، وأنموذج يجب أن يحتذى به ، فقد طال أمد الانفصام والتصارع بين الطرفين ، لم يستفد من هذا الانفصام والعزلة إلا أعداء الأمة ، كما أنصح كل الأطراف السياسية في اليمن التعامل مع هذا الحدث على هذا النحو ، تعزيزاً لمعاني الخير والوحدة والسلام والحرية. والسلام .

مشاهدة المزيد