|
نكابر في عالمنا العربي ولا نعترف بالحقيقة، وغالبا ما نوجه اللوم في الجهة الخطأ، وقد نأخذ الضحية بجريرة الجاني..
بعضهم يقولون ، الآن، سخرية وتهكما : ما يسمى بالربيع العربي، وهناك من يذهب بعيدا ويقول: الربيع العبري..! مع أن كل البراهين والأدلة تؤكد بأن إسرائيل ، لا تريد ربيعا عربيا، ولا حرية ولا وديمقراطية ولا عدالة ولا وحدة في العالم العربي.. تريد إسرائيل أن تكون وحدها واحة الديمقراطية في منطقتنا، ويتمتع شعبها اليهودي وحده بالحرية والكرامة..
مثل ربيع براغ الجميل، الذي كان محاولة نحى فيها الحزب الشيوعي التشيكوسلوفاكي عام 1968، منحى إصلاحيا، لم يدم الربيع العربي طويلا، حتى هبت عليه العواصف من كل حدب وصوب..
ما ساد الكثير من أقطار العالم العربي في العقدين أو الثلاثة الأخيرة، من فساد واستبداد وإفقار قيمي وأخلاقي واقتصادي، كان يتطلب إصلاحا شاملا وكبيرا، ونادت بِه المؤسسات الدولية، مرارا وتكرارا، لكن دون استجابة تذكر.. وعادة فإنه ما لم يأت الإصلاح في الوقت المناسب ، فلا بد من الإنفجار، وقد يكون بلا سابق إنذار، وقد يكون في شكل ثورة حاسمة ومنظمة نسبيا، على غرار ثورة أكتوبر العظمى في الإتحاد السوفيتي ، أو زلازل مثل الثورة الفرنسية، وقريب من ذلك الحالة التي أسفرت عن الربيع العربي حتى الان..
كان الربيع العربي في أصله مطلبيا وإصلاحيا وسلميا، ولم يجنح للعنف في بعض حالاته إلا عندما فُرض عليه ذلك من قبل ثورات مضادة وأنظمة لا تجيد سوى القمع والعنف.. وفِي حالات مثل مصر وتونس، واليمن، بقي الحراك الشعبي سلميا إلى النهاية، وانفجرت الحرب في اليمن بعد ثلاث سنوات من انبثاق الربيع، بسبب تحالف الثورة المضادة التي جنحت إلى العنف واجتياح المناطق حتى سقوط العاصمة صنعاء في يد مليشيات الحوثي، ولم يكن النظام الحاكم في اليمن، الذي انبثق عن الربيع مهيئا للحرب ولا مستعدا لها، ولذلك تدخل التحالف العربي..
في حالة اليمن، كان يتحدث العالم من خلال مؤسساته الدولية عن توقعات الدولة الفاشلة في اليمن، منذ أكثر من عقد من الزمن، قبل الربيع في 2011، وكانت أوجه الفشل في إدارة الدولة في اليمن، متعددة الجوانب، فمن الفشل في حسم حروب صعدة التي اندلعت قبل الربيع العربي ، بحوالي سبع سنوات، إلى الفشل في معالجة الوضع في الجنوب، وكان من نتيجة ذلك الحراك الإنفصالي، الذي نزل الشارع بقوة من 2007، إلى الفساد البشع والجشع الذي صار طريقة حياة، إلى اضطراب الأمن وتفشي الجرائم وعمليات القتل والإرهاب، دون اكتراث من قبل أجهزة الأمن..
كان التغيير في اليمن بالذات، حتميا وضروريا، حتى قال بعض المراقبين، إن اليمن أكثر بلد في العالم بحاجة إلى التغيير.. وكان التغيير في اليمن، في النهاية، إصلاحيا وتوافقيا، ونتج عنه حكومة وفاق ورئيس منتخب بالتوافق والإجماع، ورئيس سابق محصن بالقانون من كل ملاحقة.. لكن ذلك كله لم يشفع للربيع في اليمن، مع أنه كان آخر محاولة لإنقاذ اليمن مما هي فيه الآن، وكان مخرجا مشرفا للجميع، بما في ذلك الرئيس السابق صالح، وللحوثيين الذين منحهم الحوار الوطني حيزا يضاهي أكبر الأحزاب، لكنهم جنحوا للاجتياحات الغاشمة وإغراق البلد في الدم والعنف والدمار..
من خلال الربيع العربي، عبر الشباب العربي عن حلمهم، في العدالة والحرية والوحدة، وأن يعيشوا مثل بقية أبناء المعمورة بعزة وكرامة، وتلك الأحلام من حقهم بل من واجبهم في هذا العصر.. وعلى الأرجح ستكون للربيع جولات قادمة وعودات أخرى، ربما في صور وأشكال مختلفة، وآمل أن يكون إصلاحيا وتدريجيا وسلميا بعيدا عن العنف والفوضى ..
ومن الأفضل دائما أن يتم الإصلاح المتدرج، في الوقت المناسب، بيد القادة الكبار وتفهم وإسناد النخب المستنيرة ومؤازرة الشعوب..
وفِي حال نجاح دولة عربية، رئيسية، أو أكثر في الإصلاح المتدرج ولكن الحاسم، ستكون نموذجا يقتدى، فهذه الأمة واحدة في الحقيقة.. تتقدم معا، وتتراجع معا.. وعندما يصاب أحد أجزائها بحالة سوء، تطال الجميع، وإن على تفاوت.. ونلاحظ ذلك الآن..
في الأحد 11 فبراير-شباط 2018 06:59:17 م