ألسنا أولى بالمبادرات؟!
بقلم/ د.رياض الغيلي
نشر منذ: 14 سنة و 7 أشهر و 19 يوماً
الأربعاء 31 مارس - آذار 2010 12:12 ص

من المتعارف عليه أن ي دولة في العالم لا يمكن لها التفكير بتصدير أي سلعة من سلعها أو خدمة من خدماتها إلا بعد أن تحقق الاكتفاء الذاتي منهما كما هو شأن التجارة الدولية، غير أن هذه القاعدة تستثني (الجمهورية اليمنية) التي ما تنفك تنثر مبادراتها ذات اليمين وذات الشمال، بالرغم أن نظامها وشعبها بأمس الحاجة إلى مبادرة جادة.

وقد سبقني كتاب مرموقون إلى نقد هذه الظاهرة الغريبة، فمرة قرأت مقالاً ساخراً ناقداً بعنوان (يا موزع المرق .. أهل البيت أحق)، وآخر بعنوان (جحا أولى بلحم ثوره)، ومقالاً ثالثاً بعنوان (باب النجار مخلع) ... إلخ، وذلك عقب إعلان النظام مبادرته الأولى للوفاق الفلسطيني، والتي فشلت فشلاً ذريعاً لأنها تمت بصورة قبلية، يعني (دلهفة) على طريقة (الراعي).

وفي رأيي أن النظام قد أفرط إفراطاً كبيراً في تسويق مبادراته (العقيمة)، ويستخدم إستراتيجية (إغراق السوق) كأنه يعمل في مجال التسويق لا في مجال السياسة الدبلوماسية، فمرة يتقدم بمبادرة لإصلاح الجامعة العربية (رغم الخراب الذي يعانيه البلد من شرقه إلى غربه ومن شماله إلى جنوبه)، ومرة يقدم مبادرة لوقف نزيف الدم الصومالي (رغم شلالات الدم المتدفقة في صعدة وحرف سفيان)، ومرة يقدم مبادرة تصالح بين الفصائل الفلسطينية (رغم خصام الحزب الحاكم لكافة أحزاب المعارضة)، وإذا ما انفجرت مشكلة على أي أرض عربية يكون أول من يدعو لقمة عربية ويكون أول المتخلفين عنها أحد، ثم يتبعها بدعوة لقمة إسلامية لا تجد لها صدى من قريب ولا من بعيد، ثم يعلن مبادرة يمنية جديدة للوفاق الفلسطيني رغم فشل مبادرة الأولى!!

عجيب أمر هذا النظام!! يبعثر مبادراته يميناً وشمالاً، ويبخل على شعبه ووطنه بمبادرة من هذه المبادرات الإنقاذية؟!

لا أخفيكم أنني مكثت أياماً أبحث عن تفسير علمي لظاهرة (سباق المبادرات)، بحثت عن تفسير منطقي يفسر لي (ثراء النظام) الفاحش ومخزونه الهائل ورصيده الضخم من المبادرات السياسية فلم أجد إلا كتب علم النفس تفسر لي ذلك، وإليكم تحليل علم النفس لهذه الظاهرة:

التفسير الأول: الشعور بعقدة النقص

 فعندما يشعر الفرد بعقدة النقص، فإن هذا الشعور يلازمه إلى درجة قد تؤدي به إلى ما يسمى بـ(جنون النقص) غالباً، وتنشأ هذه الحالة عندما يكون الفرد (حالة شاذة) وسط مجموعة من الناس يتميزون بأشياء عجز هو عن الحصول عليها، وتظهر أول علامات هذا النوع من الجنون عندما يحاول الفرد استكمال ما ينقص شخصيته بأشياء عجز الآخرون عن تحصيلها، ليلفت إليه الانتباه، ويستأثر ولو بشيء بسيط من الثناء والإعجاب من قبل الآخرين يعوضه عن شعوره الدائم بالنقص.

التفسير الثاني: جنون العظمة

وتنشأ هذه الحالة عندما يشعر الفرد أنه قد بلغ حد الكمال (الذي لم يبلغه ملَكٌ مقرب ولا نبيٌّ مرسل)، فيظن أن مفاتيح العلم بيديه، وخزائن الأرض تحت قدميه، والناس كلهم دونه في الشأن والعلم والمنزلة والذكاء، وهذه الحالة هي التي وصل إليها (فرعون) الذي قال (ما علمت لكم من إلهٍ غيري) وقال: (أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي؟)، وعندما يتمكن هذا الشعور من صاحبه يظن هذا أنه ما من مشكلة في الأرض إلا وعنه حلها، رغم إحاطة المشاكل به إحاطة السوار بالمعصم!.

التفسير الثالث: الشعور بالفشل

وتنشأ هذه الحالة عندما يفشل الفرد في حل مشاكله والتي تكون في غالبيتها مشاكل بسيطة غير معقدة وسهلة الحل، فيحاول الفرد أن يهرب من فشله القريب إلى حل مشاكل بعيدة وتتميز بالتعقد والصعوبة، وذلك في محاولة يائسة أن يثبت لكل من عرفوا فشله في حل مشاكله البسيطة أنه على درجة من الذكاء تؤهله لحل أعقد المشاكل، وأن مشاكله البسيطة التي عجز عن حلها ليست من مستوى ذكائه ودهائه، ولذا تجده غالباً يوكل حل مشاكله البسيطة لغيره حتى يحملهم كل عواقب الفشل.

لكن وبالرغم من هذه التفسيرات العلمية إلا أنني ألتمس للنظام سبعين عذراً، فلعله يرى ما لا نري (إني أرى ما لا ترون)، وسوف نجاريه في مبادرته على أن يتصدق علينا ولو بمبادرة واحدة (إن الله يحب المحسنين)، ولذا سوف أخاطب الرئيس مباشرة وأقول له:

سيدي الرئيس .. مولاي وتاج راسي (صميل مش برضاي).. أرجوك.. أتوسل إليك أن تنظر بعين العطف والشفقة والرحمة والإحسان إلى شعبك المسكين الذي يراك توزع مبادراتك للآخرين بالمجان (هذا إن ما كنتش بتدفع علشان يقبلوها) متجاهلاً كل ما يعانيه ويكابده ويقاسيه شعبك ووطنك من فقر وجوع وضنك.

سيدي الرئيس: إن أي مبادرة تقدمها لشعبك ستجد من الحفاوة والترحاب ما لم تجده عند الغير، ونعاهدكم يا سيدي أننا لن نغضب من تقديم أي مبادرة كما غضب الآخرون، ولن نسخر كما سخر الساخرون، ولن نطنش كما طنش المطنشون.

سيدي الرئيس:

نحن بحاجة إلى المبادرات التالية:

- مبادرة للخروج من حالة الاحتقان الجنوبية التي تكاد تذهب بنصف الوطن.

- مبادرة للوفاق الوطني بين الحكم والمعارضة، والنظام والشعب.

- مبادرة لإنقاذ الوضع السياسي الذي أصبح على جرف هارٍ بسبب استئثارك وآلك وحزبك بالسلطة والثروة وأراضي الدولة.

- مبادرة اقتصادية لإنقاذ العملة الوطنية من التدهور أمام العملة الأجنبية.

- مبادرة لانتشال البلد من الوضع الاقتصادي الخانق، الذي حول غالبية المواطنين إلى فقراء ومحتاجين يلهثون وراء الصدقة من جولة لجولة ومن جامع لجامع ومن شارع لشارع.

- مبادرة للحد من البطالة التي طالت حتى حملة الدكتوراه والماجستير فضلاً عن حملة الشهادتين الجامعية والثانوية.

- مبادرة لإنقاذ التعليم الذي يمشي على ثلاث أرجل (كسيحة).

- مبادرة لإنقاذ الوضع الصحي في البلد الذي يهدد بكارثة لا تحمد عقباها.

- مبادرة لحل أزمة المياه، وأخرى لحل أزمة الغاز، وأخرى لحل انقطاعات الكهرباء (ما نشتيش مبادرة نووية.. بعدين المبادرة تطلع خرط).

- مبادرة ... يا فخامة الرئيس: الله يخلي لك أولادك كلهم، ويبلغهم مراتب أعلى من المراتب التي قد وصلوا إليها، الله يحاجي عليك وعلى أسرتك، ويحميكم من عيون هذا الشعب الحاسد الحاقد.

 سيدي الرئيس: إننا بانتظار لفتة كريمة من فخامتكم، لعل مبادرة من مبادراتك تنقذ هذا الوطن مما هو فيه، فنحن أولى من غيرنا .. والله المستعان!!