العلماء....وهموم الناس؟
بقلم/ الشيخ جمال بن عطاف
نشر منذ: 15 سنة و 3 أشهر و 13 يوماً
الثلاثاء 04 أغسطس-آب 2009 04:38 م

إن رواحل العلماء الربانيين هم أولئك الذين يتقدمون الناس ويتصدرونهم ويقضون حوائجهم ويصلون المقطوعين و يغيثون الملاهيف ويعيشون هموم الناس.

وإلا فما حكمة التقدم والتصدر وهل كان العلماء من الرسل والمصلحين وأتباعهم في تلاحق الرسالات إلا قائمين بِهمّ الناس مشاركين، يسهمون في رعاية مقاصد الناس ومصالحهم ومنافعهم، أو دفع ما يلحق من مفاسد ومضار بهم.

فالرسل الكرام عليهم الصلاة والسلام لم يكونوا يتقوقعون في حصون يحرسهم أتباعهم أو ينظرون من وراء جدر بل كانوا يخرجون إلى الناس يعيشون بينهم ويأكلون طعامهم ويمشون في أسواقهم ويتعرفون على أحوالهم ليعيشوا كما يعيشون، فيراهم الناس فيقتدون بهم ويتأسون بحالهم.. إنهم كانوا علماء حق بصدق رواداً في أقوامهم يحبون الخير لشعوبهم ومن هو كذلك لا يتهرب عن مشاكلهم ويتوارى عند تلاطم الهموم ويقول أنتم وشأنكم أو يميل عنهم وإنما يقدم نفسه وعقله يتبنى هموم قومه يذلل ويدفع ويزيل وكذلك كانوا.

وهنا أقف وإياكم على سنة بعض الأنبياء الكرام في تبني هموم الناس ومطالبهم والدفاع عنهم:

يوسف عليه السلام: فإنه ما فتئ أن مكن الله له في قلب الملك إلا صَدّر مطلبه بالسعي في تبني هموم الناس ممن هم في حاجة إلى نصرتهم ورعاية مصالحهم التي لولا تبنيها ستهضم وتلقى عن البال وتهمل فكان عليه السلام في أول مطلب له لدى الملك أن طلب الولاية ليكون بها قادراً على تبني هموم قومه؛ فقال: "اجعلني على خزائن الأرض" يوسف 55. وما كان طلب يوسف عليه السلام الولاية في عهد ملك كافر وفي ظل دولة كافرة إلا لأنه علم أنه لا أحد يقوم مقامه في العدل والإصلاح وتوصيل الفقراء إلى حقوقهم فرأى أن ذلك فرض عين عليه.

 يقول سيد قطب رحمه الله: " لم يكن يوسف يطلب لشخصه وهو يرى إقبال الملك عليه.. إنما كان حصيفاً في اختيار اللحظة لينهض بالواجب المرهف الثقيل بالتبعة الضخمة في أشد أوقات الأزمة وليكون مسئولاً عن إطعام شعب كامل وشعوب كذلك تجاوره طوال سبع سنوات لا زرع فيها ولا ضرع، فليس هذا غُنماً يطلبه يوسف لنفسه فإن التكفل في إطعام شعب جائع سبع سنوات متوالية لا يقول أحد أنه غنيمة إنما هي تبعة يهرب منها الرجال لأنها قد تكلفهم رؤوسهم والجوع كافر وقد تمزق الجماهير الجائعة أجسادهم في لحظة الكفر والجنون".

موسى عليه السلام: هو وهارون بادرا فرعون بمطلبهما الجماهيري.. أن يحرر بني إسرائيل من أسره و استضعافه واستغلاله واستعباده فلم يكونا لينسيا هم جماهيرهم من بني إسرائيل وهم يرزحون تحت سلطان فرعون الباطش المستعلي والمستعبد وإنما قدما ما يهم الناس في حين الإرسال على مسائل الدين وقضايا الدعوة المحضة، ليعلم فرعون أن هموم الناس من صميم قضايا الدعوة الواجب مراعاتها بل الواجب تقديمها على قضايا الدين المحضة.. قبل الدعوة إلى التوحيد وإصدار البيانات؛ يسارع الدعاة إلى رفع الظلم وتخفيفه على الناس.

محمد صلى الله عليه وسلم: رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام كان أول المسلمين قياماً على أمر الناس ومشاركةً لهم في همومهم مخفف عنهم وطأة الاستضعاف المعيشي والاضطهاد الاجتماعي ويزيل فيهم الظلم الطبقي ويمشي في حاجة المحتاج ولو كان محتقراً أو أمة مسلوبة الحرية بل وإن كانت امرأة في عقلها شيء من خرف أو جنون وهكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وبذلك وصفه ربه تعالى هاماً بأمر الأمة قائماً عليها بنفي الشر عنها حريصاً على نفعهم وصلاحهم يعنت لحال من يشقى وتضيق به السبل، يقول تعالى: " لقد جاءكم رسولٌ من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريصٌ عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم".

 وهناك جوانب في هذا العصر وفي واقعنا اليومي صارت ملحة تناديكم أيها العلماء و الدعاة والمصلحين إلى أن تسارعوا إلى الناس وتدركوهم وتقفوا معهم في خندقهم تخففوا عنهم ويلات وتسكتوا أنات وترفعوا مظالم تقيموا جسور المحبة و الولاء بينكم وبينهم.

فأين أنتم من الهمّ المعاشي التي صار اليوم ظاهرة عالمية يشترك في الاغتنام بها الناس دون إنحصار بحدود دولة أو فقر دولة وهذه الهموم توازي حيازة الدنيا لمن تأرق بها وأغتنم لها فلا بُد أن تسهموا في تبني هموم الناس في هذا المجال بتبني مشروعات تخفف وطئتها عليهم وإن من أعظم الأسباب التي أوصلت الناس إلى هذا الهم هي: الفساد المالي والإداري، والغش، والاحتكار، وانتشار الربا، والرشوة، والمحسوبية، والتلاعب في أقوات الناس، فما موقفكم منها.

وأين موقفكم من هَمّ تعليم الجماهير ما يبصرهم أمور دينهم ودنياهم حتى انتشرت الأمية والجهل في أوساط الجماهير به يستعبدون و به تمرر عليهم القوانين فلا يفوتكم هذا الهم فقد فدا النبي صلى الله عليه وسلم أسرى من أسرى بدر من أهل مكة ممن كان يكتب يدفع إليه عشرة غلمان من غلمان المدينة يعلمونهم القراءة والكتابة، فإذا حذقوا كان فدائهم كما تروي كتب السيرة.

إن كثيراً ممن صاروا أولياء لهذه الأمة لا يستطيعون التوقيع عن أسمائهم ولا كتباتها وإنما يلجئون إلى البصمة عوضاً عنها فإذا كان هذا حالهم فكيف بمن اختارهم؛ "والطيور على أشكالها تقع".

وأين أنتم من الهمّ السياسي فلا ينبغي لكم أيها العلماء أن تغفلوا عن هموم الناس في السياسة والحكم وأعظم هم يسارع الدعاة إلى مشاركة الناس فيه وتبنيه عنهم هو هم إرجاع الأمة إلى الشورى وتوفير العدالة وتقرير الحريات السياسية وعدم الإنفراد في الحكم فإنها من مقاصد الشرع وغايات الدين وكليات القرآن. فالناس يجب أن يكونوا أحراراً في اعتقادهم واختيار ما يدينون به واختيار من يمثلهم خصوصاً عندما يختلط الأمر و تسال الدماء وتستباح الأموال فلا بد من إرجاع الأمر إلى أهله، قال تعالى:" ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم" ،قال المفسرون هم العلماء.

إن كثير من أبناء المسلمين في بلداننا يشكون من الظلم الاجتماعي، حيث لا يزالون يرزحون تحت الاستعباد والرق، الاستعباد الطبقي والرق الاجتماعي وإن لم يكن رق بشراء وبيع فإنه لمجرد اللون أو الضعف القبلي أو لمواقف موروثة أو لقلة المتاع الدنيوي الزائل أو عدم وجود وساطة ليسترد بها حقوقه، وإن شريعتنا لا تقر مثل هذه الأوضاع فمعيار التكارم البشري في منطق الشرع ومنطق الوحي هو تحصيل التقوى والصلاح فالواجب على الدعاة حمل هذا الهم الاجتماعي المشكل ليرجعوا هذه الفئات والطبقات إلى موقعها في الحياة الاجتماعية و السعي لإرجاع حقوقها المسلوبة وإذابة الرواسب الجاهلية ورفع المظالم عن أهلها.

علمائنا الأفاضل إن لدى أي سلطة من الأبواق والوسائل الإعلامية التي تدافع عنها الشيء الكثير فلا تكونوا كروتاً تستخدم لإعطاء الشرعية للفساد و الظلم في وقت الناس و الجماهير هم بأمس الحاجة إليكم لتقولوا كلمة الحق وأعلموا إن سيد الشهداء رجل قال كلمة حق عند سلطان جائر فقتله، فأنتم أمل الضعفاء ومنبر المظلومين بهم ترزقون وبهم تنصرون، وإذا وسّد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة.