علي صالح ليس طاغية والثورة لم تبلغ مداها
بقلم/ د.فيصل الحذيفي
نشر منذ: 13 سنة و شهر و 16 يوماً
الخميس 29 سبتمبر-أيلول 2011 10:41 م

يتخلل الخطاب السياسي الثوري والمعارض في اليمن بعض الصفات التي لا يصدقها الواقع ولا تتطابق بين الصفة والموصوف، ومن أكثر الصفات سيئة الاستخدام هي وصف علي صالح بالطاغية، وهذا خطأ فاح في التوصيف، إذ أن الطاغية يتسم بصفات متفردة لا وجود لها في سلوك علي صالح. وكذلك الخطأ الفادح في مفهوم الحسم الثوري وأدواته. فما هي صفات الطاغية وما هي الصفة التشخيصية لعلي صالح ؟ ولماذا لم تبلغ الثورة مداها بالرغم من فداحة التضحيات ؟

أولا : مواصفات الحاكم الطاغية

1- الاستفراد الشخصاني بالرأي والقرار : يستفرد الطاغية كلية بالقرار دون أن يشاركه أحد بينما علي صالح يقوم حكمه على شراء الولاءات وتجميع أسوأ أشكال البشر نفاقا وقابلية للاستعباد لكي يحافظ على السلطة ويستمر في الحكم، فهو يشتري ولاءات قبلية وعسكرية ووجاهات اجتماعية وكتاب ومثقفين ونخب سياسية طيعة خادمة له ، ولا غرابة أن تنشر الصحف رسائل وبرقيات باسم علي صالح إلى نظرائه وهو طريح الفراش وخارج الوعي لان هناك من يقوم مقامه بهذا الدور بل ويوقع بدلا عنه وبالتالي فان وصف علي صالح بالطاغية كثيرة عليه. والطاغية بصفته الفعلية لا يقبل من ينافسه حتى في هذا أو يعاونه.

يتخذ علي الآنسي في حكم علي صالح دور رئيس الظل فهو يسيِّر الجهاز الإداري للدولة ويرأس جهاز الأمن القومي وتجميع المعلومات الاستخباراتية عن المؤسسات والمواطنين، ويوقع بالنيابة عن صالح بما يخدم صورته ويعزز حضوره ، والطاغية لا يقبل ذلك لأنه إن قبل ذلك يكون تعبيرا عن ضعفه وعجزه عن الحكم ، والطاغية لا يكون ضعيفا في أصعب حياته وأشدها بؤسا.

إن وسائل الإعلام التي تستخدم هذا وصف الطاغية لا تجد قبولا لدى المتلقي ، وكذلك الواعظ المناهض لحكمه في خطاب الجمعة أو خطاب ثوري في الساحات يظهر التكلف على مضمون الصفة التي تطلق صفة الطاغية على من حكم اليمن 33 عاما وهو علي صالح ، إن الخطاب الحصيف والعلمي هو الذي يسمي الأشياء بمسمياتها ، ويصف الأمور بما يطابقها لكي تجد الأذن قبولا لمضمون الصفة واستساغة قوالب الخطاب كي يتصف بالمعقولية والرزانة والمصداقية والموثوقية.

2- الطاغية لا يعرف الضعف : لم يكن صالح طيلة حكمه 33 عاما يمارس دور الطاغية صراحة أو ضمنا، بينما الطاغية لا يعرف الضعف، أما علي صالح فهو رجل ضعيف متقلب يتحول بمواقفه حسب المصلحة والهدف وهو بقاؤه في السلطة ولو اضطر إلى الشراكة المحدودة مع الغير والتنازل ودفع الأثمان الباهظة لكي يبقى في الصورة حاكما لليمن، ولذلك منح الامتيازات لبعض القبائل والمقربين منه ولبعض الحلفاء الذين كانوا ضمن حكمه وترك لهم مساحة من الحركة والشراكة السياسية بشرط أن يكون لهم قائدا ينعتونه بالحكيم والزعيم والداهية ويمطرونه بالكلمات الناعمة ويلينون له القول والخضوع ليرضى عنهم مقابل إطلاق بعض الامتيازات المحدودة لهم ، في هذا السياق يندرج وضع عبد الله بن حسين الأحمر رئيس الحزب المعارض رئيسا لبرلمان السلطة ومنح حميد الأحمر امتيازات تجارية استثنائية احتكارية في تصدير النفط واحتكار سبافون للاتصالات وفسح المجال للإخوان المسلمين في بعض مفاصل السلطة خاصة في التعليم والجيش والأمن... وأمثلة كثيرة . والطاغية لا يقبل شريكا له حتى من أبنائه.

3- الطاغية يتسم بالبطش وليس بالمكر : بينما علي صالح يتسم بالمكر والخبث أمام بعض خصومه، والمكر لا يعبر عن الطغيان وإنما يعبر عن الضعف ، ولذلك كان المكر صفة لصيقة بالثعلب من فئة الحيوان، وصفة لصيقة بالأنثى المستضعفة من بني الإنسان التي تلجأ إلى الحيلة والمكر لتنال من الرجل، لذلك يبحث عن فتوى بالقتل على الطريقة الإسلامية من بغال السلطان، وهذا يدحض وصف الطاغية الملقاة في وجه صالح. الطاغية عندما يمارس القتل لا ينكره بل يستلذ به ويفخر ويهدد ويتوعد جهارا نهارا كل من تسول له نفسه مخالفته ويفعل حين يقول ولا يوارب.

4- الطاغية شجاع همجي متوحش: الطاغية تجتمع فيه صفات تجسد شخصيته من أهمها:« الهمجية و الفروسية والتوحش» وعلي صالح لا يعترف صراحة بالقتل ولا يتباهى به لأنه لا يمتلك صفة الفروسية التي تجعله شجاعا في إعلان الحقيقة ، كما أنه جبان والجبن لا يلتقي مع صفة التوحش، قد يكون همجيا نظرا لبداوته التي تنشا عليها، لكن الهمجية التي يتمتع بها أي طاغية تجعله يقدم على فعل عنيف غير متوقع أمام الملأ دون رادع أو تردد أو خوف ، وقد نقل عن أن صدام حسين كان يشهر مسدسه في أي اجتماع ليمارس القتل المباشر دون خوف، هذا إذا صحت الرواية، وهكذا فعل القذافي مع خصومه، مثل هذا الفعل هو من يجسد همجية الطاغية التي لا نجدها عند علي صالح الذي يستعمل الغدر والخديعة في التخلص من خصومه والطاغية لا يحبذ هذه الدناءة السفلية .

إذا كان علي صالح ليس طاغية بالرغم من القتل والتمترس بوسائل العنف والإفراط باستعمالها، فما هي الصفة المناسبة له كحاكم فريد من نوعه ؟ .

صفة صالح : حاكم « مريض » بالسلطة

إن علي صالح تنطبق عليه صفة المرض ، فهو – أي علي صالح - وباء سياسي حل على اليمن منذ العام 1978 ، فهو مثل أي مرض خبيث يشبه « السرطان أو الايدز أو الملاريا ، أو الابولاي أو الجذام أو الغرغرينا » وبالتالي فان المرض مهما كانت قسوته على الإنسان لا نصفه بالطاغية ، بل نسميه باسمه الحقيقي كما وصفه الأطباء « مرض خبيث». علي صالح هو ذلك المرض السياسي الخبيث الذي أهلك الحرث والنسل طيلة بقاءه في الحكم ، وبالتالي لم تنفع معه لقاحات الوعظ والإرشاد التي استعملها وعاظ حزب الإصلاح في تقويمه وإرشاده ، ولم ينفع معه لقاح الزمن حيث لم يكتف بطوال الفترة 33 عاما، ولا لقاح المال فلم يشبع منه بالرغم من التكدس حد الشبع الذي لايطفئ معه النهم والرغبة. إذن هو مرض فشلت معه اللقاحات، وعلاجه الوحيد هو الاستئصال ، ولعدم تشخيص الداء من الثوار فقد فشلوا بتوصيف الدواء ، ولهذا السبب وحده لم تبلغ الثورة مداها ولم تحقق أهدافها . بينما توصيف ثوار ليبيا للقذافي كطاغية حدد لهم الكفاح المسلح كطريق وحيد للتخلص من الطاغية الذي لا يرحم .

ثانيا : تشخيص المرض السياسي كفيل بنجاح الحسم الثوري

من يشك في أن علي صالح ليس مرض ووباء سياسي ويصر على انه طاغية فليراجع نفسه ومواقفه، فبسبب المرض السياسي لم يتعظ المريض ، لقد منحه الله الخروج المشرف بالمرض فعاد إلى حتفه بإرادته انه مرض السلطة القاتل، من يظن أن علي صالح سيسلم السلطة بالمفاوضات أو الضغط الداخلي أو الخارجي أو الثورة السلمية الناعمة بالمظاهرات والهتافات فهو لم يفهم نفسية علي صالح ، علي صالح باعتباره « مرض خبيث » هو بحاجة إلى استئصال جراحي هو وبقية عائلته بعمل عسكري جراحي محدود ، وكل من يخوف الناس بحدوث حرب أهليه جراء ذلك هو يغرد خارج السرب. علي صالح وحّد المتناقضات في الساحات الثورية ليقف الجميع ضده وفي وجهه لإسقاط حكمه الفاشل ، وبالتالي فان أي عمل عسكري محدود يستهدفه هو ورموز العائلة بهجوم كاسح مشبع بإغراق الهدف حتى النهاية هو العلاج الملائم لمرض علي صالح بمرض السلطة المزمن الذي لا ينفع معه أي علاج.

علي صالح على استعداد – بالمكر والخديعة والحيلة - أن يدمر اليمن حجرا حجرا وبشرا بشرا وان يفني الناس طفلا طفلا وامرأة امرأة على أن لا يسلم السلطة. ومن المضحك إغراء علي صالح بدخول التاريخ إن هو خرج طوعا من السلطة ، انه يا بقايا من عقلاء على عداء مع التاريخ فهو يكره التاريخ أصلا وبالتالي لم يترك لنفسه أثرا تاريخيا ، حتى المسجد الذي بناه اغتصب أرضه واختلس أموالا من الشعب والتجار ليبني مسجدا باسمه ، سيصبح مسجد الشعب بمجرد رحيله ولن يبقى له أثرا .

نقول لمن يخوف الناس بالحرب الأهلية جراء المواجهات المسلحة نقول له هناك فرق بين مواجهات مسلحة بين فريق الشعب وفريق المغتصبين للسلطة والاحتراب الأهلي الذي يتسم بالطابع الاجتماعي والمحلي للصراع، فالسلطة في مواجهة مع الشعب ، فأين الحرب الأهلية إذا كان كل أهل الوطن في صف واحد ضد فريق مغتصب مريض بالسلطة ولا يتخيل نفسه خارجها.

أخيرا : العلاج المطلوب من الشعب الثائر وليس ممن استمرأ العبودية

أن يتم تقسيم الأدوار بين الثوار – حسب طبيعتهم ومؤهلاتهم - على النحو التالي :

1- المعتصمون السلميون: يظلون في سلميتهم ولكن عليهم أن يتبعوا برنامجا للتصعيد فيه الكثير من التضحية الضاغطة والإصرار دون توقف وهذا يتطلب أمرين فقط :

الأمر الأول : الخروج من ساحات وشوارع الاعتصام إلى تسيير المسيرات والاحتجاجات في كل شوارع المدن وأزقتها وكسر الحصار المضروب عليهم، لأنها شوارع الشعب وليست حكرا على السلطة وأزلامها وبلاطجتها ، وذلك تزامنا مع الإعلان والتوعية عن سلمية التظاهر وعدم نية المتظاهرين السلميين لاقتحام أي منشاة كما تدعي السلطة كمبرر لاستعمال العنف ، فنحن لم نشهد حتى الآن مسيرة في شارع الزبيري باب اليمن ، وفي شارع تعز وفي شارع خولان ، وفي شارع حدة ، وفي شارع السبعين ، إذا لم يكن ثمة برنامج تصعيدي على هذا النحو نقول للثوار روحوا عند أمهاتكم وعاش الرئيس صالح زعيما للمعارضة والمعوقين.

الأمر الثاني : تفعيل العصيان المدني ولو بالإكراه الضمني بحكم الأمر الواقع، بحيث تصاب الحياة كلها بالشلل دفعة واحدة حتى تتعطل كل مفاعيل السلطة وينتفض المجتمع دفعة واحدة، ومبرر العصيان موجود في قطع السلطة يوميا للكهرباء ورفع أسعار المحروقات وآخرها الغاز، وارتفاع أسعار كافة السلع، حتى لو اضطر الناس بإعاقة الناقلات وإغلاق المحطات التي تبيع المحروقات بالسعر المرتفع ولا يستجيب أصحابها للتوقف.

2- الجيش الثوري: عليه أن يمارس حماية المنشآت العامة ووضع اليد عليها باعتباره الجيش الشرعي للشعب، وهذا يستدعي أن تتوجه كتائب أو مجاميع عسكرية لوضع اليد بالقوة على المؤسسات العامة وحراستها ومنع استعمالها من قبل السلطة غير الشرعية الخارجة على الشعب، وتعزيز الحراسات المشددة حولها، ففي شمال صنعاء : « المطار والكليات العسكرية والوزارات ورئاسة الحكومة ومكتب رئاسة الجمهورية والقصر الجمهوري والبنك المركزي ومؤسسات أخرى.... ». ينبغي إغلاق كل الشوارع ومنع حركة السيارات نهائيا حتى يسقط النظام ، ثم التوجه إلى جنوب العاصمة لوضع اليد عليها شارعا شارعا وبناية بناية وتمشيطها من البلاطجة والجنود المرتزقة مع النظام في مواجهة الشعب، إذا لم يكن البرنامج هذا قيد الدراسة لدى الجيش الثوري منذ التحاقه بالثورة فالأفضل لهم أن يعودوا إلى طاعة ولي أمرهم وولي نعمتهم الزعيم علي صالح و لا نحتاج حمايتهم ولا يكذبوا علينا وعلى أنفسهم.

3 - القبائل: عليهم قطع الطرقات بين المدن وقطع أوصال البلاد، وكل يبقى في موقعه حتى رحيل النظام وحصار المعسكرات التي تقع في نطاق القبائل وهم رجال يستحقون التقدير، بما في ذلك إيقاف الكهرباء التي توقفها السلطة عقابا جماعيا فكيف يحق لها ذلك ولا يحق للشعب أن يفعل بممتلكاته ما يريد، وهذا يستوجب أيضا إيقاف أنابيب النفط والغاز المستعمل مجانا لدى أتباع السلطة ، لابد أن تشتد الثورة إلى مرحلة الانتصار والوصول دفعة واحدة إلى درجة الانفراج، أما أن نرفع سلمية سليمة والسلطة تجبي من المواطنين فائضا نقديا من رفع أسعار الوقود ومشتقاتها وتعطيل الحياة لكي تبقى فكيف يجوز لها ذلك ولا يجوز للشعب أن يتصرف بممتلكاته وحقوقه.إن هذا الفائض النقدي من جراء رفع أسعار المشتقات على المواطنين فقط يحقق للسلطة قدرة في توفير رواتب موظفيها وصرف مكافآت البلطجة والرشاوى والاستمرار بنهب المال العام في الوقت الضائع.

4- الخارج الإقليمي والدولي : إن من يراهن على الخارج هو أحمق ، لا تتخاطبوا مع الخارج كشركاء للثورة ، لا تسبوا الخارج ولا تستعدوا أحدا ، الخارج تتحكم به ترجيح ميزان القوى في الداخل وترجيح الكفة على أخرى، في السياسة الدولية لا توجد صداقة دائمة ولا عداوة دائمة ، السياسة الخارجية في أسوأ حالاتها يجسدها البيت الشعري لأبي الطيب المتنبي :

ومن نكد الدنيا على الحر أن يجد ْ ......... عدوا له ما من صداقته بد ٌ

نحن الآن خلال ثمانية اشهر من الثورة حافظنا على التوازن الداخلي مع السلطة التي ندعي زوالها وهي تمارس كل أشكال الحكم مع ما تواجه من عوائق ميدانية وأسرفنا عتبنا على الخارج وكأنهم شركاءنا، وأظهرنا أننا غير قادرين على الحسم ، وان السلطة تمتلك حضورا شعبيا لا يستهان به بسبب تلكوئنا وتباطوئنا ، وهذا بسبب سوء قيادة الثورة ، وعدم قدرة قيادة الأحزاب من تبني خطط بديلة لفشلها في التفاوض السياسي السهل منذ أربعة اشهر.

السلطة تعلن بكل وضوح أنها لن تسلم السلطة إلا عبر الصندوق ـ والصندوق في ظل هذه السلطة مبرمج سلفا بالنتيجة لصالحها ، ولن تحل القضية إلا بالاستئصال العلاجي للضرورة لان طبيعة المرض السياسي لا تنفع معه اللقاحات وإنما البتر والاستئصال.

الخاتمة : نقول للشباب والعسكر الثوريين والقبائل والمستقلين والأحزاب : إن لم يكن عندكم برنامجا للحسم السريع فهنيئا لعلي صالح زعيما أبديا لليمن وهنيئا لعائلته وريثا شرعيا بالقوة على جميع الرقاب.

سننتظر خلال شهر واحد ما لم يتم الحسم قبل عيد الأضحى، وهو متأخر بشهرين عن عيد الفطر الذي سبقته تصريحات عنترية فارغة من بعض المهرجين الحزبيين الذين بشروا بالحسم قبل نهاية رمضان، فإن الانكفاء والاعتزال المؤلم يبقى خيار الكثير من الثوار، ولتذهب السلطة والمعارضة والشعب المنبطح إلى الجحيم ، مع الاعتذار فقط للطليعة من أحرار هذا الشعب في الميادين والساحات طيلة هذه الفترة وفي مقدمتهم الشهداء والجرحى والنساء الجسورات من حرائر اليمن اللواتي أخجلننا، ولا عزاء للجبناء والعبيد. فكفاكم كذبا علينا وعلى أنفسكم فتلك من آفات علي صالح « الرجل المريض » الذي نثور عليه لذات السبب.