مستقبل التعليم في اليمن على ضوء أهداف التنمية المستدامة
بقلم/ د. علي عرجاش
نشر منذ: 3 سنوات و 6 أشهر و 8 أيام
الأحد 09 مايو 2021 04:23 ص


ظهر مصطلح التنمية المستدامة في الربع الأخير من القرن الماضي، وصار بديلا لمصطلح التنمية الذي كان سائدا منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية، واستقلال الدول عن الاستعمار، ورغبتها في اللحاق بركب الدول المتقدمة، وتجاوز مرحلة التخلف.

ويُنظر إلى التنمية المستدامة (Sustainable Development) بوصفها عملية تطوير الأرض والمدن والمجتمعات والأعمال التجارية، على أن تلبي احتياجات الحاضر دون المساس باحتياجات الأجيال القادمة، وهو الأمر الذي يأخذ في الاعتبار النمو الاقتصادي المتكامل المستدام، وحماية البيئية، والمسؤولية الاجتماعية كعناصر أساسية في التنمية المستدامة.

ولأهمية ذلك فقد تمت صياغة * أهداف التنمية المستدامة*، واعتمدتها الدول الـ 193 الأعضاء في الأمم المتحدة في قمة 25 من سبتمبر 2015، وبذلك صارت تلك الأهداف بمثابة خارطة طريق ملهمة للعمل على مستوى كل الدول، ورغم أن تلك الأهداف ليست ملزمة للتنفيذ قانونا؛ د إلا أن الدول تعمل على تحقيقها كونها جاءت من أجل الناس، والكوكب، والازدهار، والسلام، والشراكة.

ويُنظر إلى تلك الأهداف بوصفها أهدافا لخطة التنمية المستدامة 2015- 2030، تتضمن في مجملها * 17 هدفا* يمثلها الشكل التالي:
ويتفرع من تلك الأهداف  169 غاية، إضافة إلى 230 مؤشرا يتم من خلالها قياس مدى التقدم المحرز في تحقيق تلك الأهداف المتعلقة بقضايا التنمية المستدامة، وتتضمن القضاء على الفقر والجوع، وتحسين الصحة والتعليم، وجعل المدن أكثر استدامة، ومكافحة تغير المناخ، وحماية المحيطات والغابات، ز

كما تضمنت وسائل التنفيذ، والشراكة العالمية، ثم المراجعة والمتابعة، آخذة في الاعتبار ما لم يتم تحقيقه من * أهداف الألفية*، التي انتهت خطتها عام 2015.

ومن المعلوم أن المعني بتحقيق تلك الأهداف الدول جميعها نامية كانت أم متقدمة، غير أن الكثير من القضايا المدرجة ضمن تلك الأهداف تتطلب جهودا مضاعفة من الدول النامية التي تعاني فجوات كبيرة في واقعها الاقتصادي والإنساني والبيئي، كما أنه – في المقابل- يعني الدول الأكثر تطورا سواء فيما يتعلق بمساعدة الدول النامية/ المتخلفة، أو الالتزام بتحقيق تلك الأهداف على مستوى تلك الدول نفسها؛ وفي مقدمتها الجوانب البيئية، وما يتعلق بها؛ باعتبار أن ممارسات تلك الدول تتسبب في تدمير البئية، والإضرار بالحياة على كوكب الأرض.

وبالعودة إلى * الأهداف السبعة عشر* التي تعد شاملة للجوانب الأساسية للعيش على كوكب الأرض، فإن المجتمع الدولي يدرك أنه لا يمكن تحقيق أهداف التنمية المستدامة دون الاهتمام * بالتعليم*، ولذلك فإن * الهدف الرابع من تلك الأهداف يتمثل في: "ضمان التعليم الجيد المنصف والشامل للجميع وتعزيز فرص التعلُّم مدى الحيا للجميع"*.

وقد تضمن الهدف * 7 غايات، وحدد 3 وسائل للتنفيذ، ويتم قياس مدى الإنجاز فيها من خلال 43 مؤشرا*، وذلك كله يمثل إطارا لخطة طموحة للتعليم تحقق المنفعة منه، وتسهم في تحقيق التنمية في جانبها الإنساني، وتعزيز السلام والتعايش والمواطنة والمساواة، كما انبثقت عنه آليات للمتابعة وتقييم الإنجاز المتحقق سواء على مستوى كل دولة، أو على المستوى الجمعي من خلال تقارير رصد تقيس مدى التقدم الحاصل في تحقيق الهدف وغاياته، والخروج بتقارير تبين ذلك بشكل سنوي، وبما يوجّه الخطط الوطنية نحو جوانب النجاحات لتعزيزها، وجوانب الإخفاقات لمعالجتها، وتوجيه الجهود الوطنية والدولية نحوها.

وعلى ضوء السرد المختصر للتنمية المستدامة وأهدافها، يظل * واقع اليمن* مختلفا في تناوله لتلك الأهداف، بعيدا عن ما يجري بشأن تنفيذها في بقية الدول، وكأن اليمن خارج كوكب الأرض معزولة عنه،
علما بأن تلك الأهداف تم إقرارها، وجزء كبير منه يقع تحت ظرف انقلاب جماعة الحوثي المسلحة، وما تلا ذلك من حروب ناجمة عنه،

وبالنتيجة فإن اليمن غير منخرط في تلك الأهداف، ولم تكن حاضرة في خططه الوطنية الغائبة أصلا منذ تاريخ انقلاب المليشيا الأرهابية المسلحة،

فقد توقفت فيه خطط التنمية، وتوقفت معها أي محاولات لربط اليمن بما يجري حولها في العالم.

وفي جانب التعليم الذي تراجع مستواه- المتدني في الأصل- بشكل غير مسبوق، وصار واقعه ينذر بكارثة حقيقية لمستقبل اليمن، نظرا لأنه أصبح التعليم خارج السياق الدولي،
وتعاني مخرجاته حالة ضعف لا يمكن معها الإسهام في عملية التنمية بالشكل الذي يساعد اليمن في طي المسافات، وتعويض ما أحدثته الحروب التي تسببت فيها المليشيا الإرهابية من دمار في بنيته التحتيتة، وتعطيل عجلة التنمية والتطور، وما نتج وينتج عن ذلك من زيادة بؤس اليمنيين، وارتفاع نسب البطالة، وانتشار الجريمة بين أبنائه، وزيادة حدة الصراع في صور عديدة أبرزها الصراع العرقي والسلالي والطائفي والمناطقي، علما بأن تأخر النصر يفقدنا شبابا وفتيات يتجهون صوب العنف والجماعات المسلحة نتيجة ما يمكن أن تسميته (حوثنة التعليم)، وما ينجم عنه من مخرجات لا تعرف سوى العنف مفهوما وممارسات، ولا تدرك ما يجري في العالم من حولها، وليست مؤهلة للالتحاق بجامعات العالم المرموقة لمواصلة الدراسات العليا، أو الانخراط في سوق العمل بمهارات منافسة لأقرانهم في الدول النامية، فضلا عن الدول المتقدمة.

وعليه فإن * استشراف مسقبل تعليمنا* خلال العقدين القادمين وفقا لمعطيات الحاضر يأخذ منحى * السيناريو التشاؤمي*- وفقا لبناء السيناريوهات في الدراسات المستقبيلة- إذا استمر الوضع على ما هو عليه، وهو ما يمثل حالة الخطر الداهم الذي يهدد مستقبل أجيالنا، بسبب ما وصل إليه التعليم من ضعف، وتدن في مخرجاته كما ونوعا، نتيجة اختلال جوانب التربية وأبعادها المختلفة فيهم، ومن ثم اختلال في إعدادهم للحياة وفق متطلبات العصر، إضافة إلى ضعف المهارات التي تلبي متطلبات سوق العمل المتغيرة بشكل مستمر، يصعب مجاراة التغير فيها من قبل الدول المستقرة الملتزمة باستراتيجيات وخطط عمل، ما بالنا ببلدنا الذي عانى ويعاني حالة نزاع طويلة الأمد.

ذلك السيناريو (المتشائم) لمستقبل التعليم لا نريد أن يصيبنا بالإحباط، بل يشعرنا بحجم المسؤولية الملقاة على كواهلنا جميعا بما يدفعنا للعمل جميعا نحو استعادة زمام المبادرة، وتحويله لسيناريو متفائل حسب وصف علماء الدراسات المستقبلية، وهو الأمر الذي نتمنى أن يدركه صناع القرار في المقام الأول ليأخذ حقه من الاهتمام، والتفكير في مآلات النزاع الحاصل، وطول أمد الحرب، وما نتج عنه من تدنّ في مستوى التعليم، وسوء أحواله، وضعف مستوى جودته، هذا فضلا عن حرمان ملايين الطلبة- أصلا- من التعليم في مراحله وأنواعه المختلفة.

إن وضع التعليم في اليمن * يعد الأخطر على مستقبلنا*، وهو بوضعه الحالي لا يمت لما يعيشه العالم من تغيرات تسعى الدول جميعها إلى مواكبتها، والعمل ضمن الأسرة الدولية لتجاوز الصعاب التي تواجهها، كما أن التعليم في بلادنا لا يمكنه- بوضعه الحالي- أن يحقق مكاسب تسهم في تحقيق التنمية والرفاه لليمنيين وفقا لتصورات ورؤى توجيهية تسمح بالمقارنة مع إنجازات الدول، وتمثل حافزا للتسابق على إحراز مراكز متقدمة في مضمار المنافسة وتحقيقها، وبجهود حثيثة تبذلها الحكومات والشعوب، وكل الفعاليات ذات التأثير في صناعة القرار؛ من قبيل الأحزاب والتكتلات السياسية، وقطاع المال والأعمال، ومنظمات المجتمع المدني... إلخ.

وفي ظل ما هو * مأمول، وعلى ضوء الواقع الذي نعيشه*، جاء تشكيل حكومة الكفاءات السياسية، لتعيد لنا الأمل في استعادة دولتنا المختطفة، من أيدي عصابات الكهنوت ومليشياته الإرهابية كهدف أساس؛ حيث سيُمَكّن تحقيقُه من العمل على إعادة ربط اليمن بخططه التنموية المحلية، والتشبيك مع المجتمع الدولي في قضايا التنمية المستدامة وتحقيق أهدافها؛ وغير ذلك من الخطط التي تشترك الدول في تحقيها.

وبما أن * الحكومة على لسان دولة رئيس الوزراء دكتور معين عبد الملك* قد حددت أن "لديها أولوية عريضة ينبغي أن تتمحور حولها كل خططنا وبرامجنا، وهي إنهاء الانقلاب، واستعادة الدولة، ونشر الاستقرار، وتحقيق التعافي الاقتصادي"، فإنها لا شك ملتزمة بتحقيق ذلك، بل ومُلزَمة به وفقا للإمكانات المتاحة؛ وتأكيدا لهذا التوجه بدأت الحكومة بخطوات عملية، حيث يلحظ المتابع ما تم خلال الأشهر الماضية من أعمال تبشر بخير، وتبعث على التفاؤل، ومن تلك الخطوات انعقاد الاجتماع الأول للمجلس الأعلى للتعليم العالي برئاسة دولة رئيس الوزراء يوم الأحد 31 من يناير ولأول مرة منذ العام 2012، وقد ناقش الاجتماع العديد من القضايا المتعلقة بالتعليم العالي، وهي خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح نحو الاهتمام بالتعليم، سيكون لها ما بعدها بإذن الله.

ومن قبيل الاهتمام بالتنمية المستدامة، وتحقيق الهدف المتعلق بالتعليم منها يمكن تشكيل لجنة عليا لرسم خارطة الطريق للتعليم، مع أهمية الأخذ في الاعتبار الهدف الرابع من أهداف التعليم، وأن تصبح واحدة من المحددات التي تحكم خطط الحكومة وسياساتها، والبرامج المنبثقة عنها، ليس بالضرورة في هذا العام تحديدا، ولكن يكفي الإشارة إليها في برنامج الحكومة، وأن تكون حاضرة في أذهان صانعي السياسات، كي تتحول إلى خطوات عملية في سبيل ربط اليمن بخطة التنمية المستدامة وأهدافها، ولتكون مرشدا للحكومات المتعاقبة للمضي نحو تحقيقها، وما يتبع ذلك من رسم استراتيجيات تطويرية تأخذ في الاعتبار الكثير من القضايا الجوهرية والأساسية في هذا الشأن، وفيها الكثير من التفاصيل في عناصر التعليم بأنواعه ومختلف مراحله.

وفي هذا الصدد لا ننسى * دور الوعي المجتمعي*، وأهميته في دعم عملية التحول التي يُفترض أن تتم في إطار حرص اليمنيين على إنهاء حالة الفوضى والانقسامات المجتمعية (المُلْهِية) عن الهدف الأهم المتمثل في استعادة الدولة من أيدي عصابة الإرهاب الكهنوتي؛ الذي يشكل أسّ الأدواء، وأم الكوارث، ومصدر البلاء لكل اليمنيين دون استثناء، وأن تحقيق ذلك الهدف سيمكننا من وضع الخطوات الأولى لبناء اليمن الجديد الذي ينشده أبناؤه، وأن كل يوم يتأخر فيه * تحقيق النصر المأمول* يتسبب في زيادة التدهور الحاصل في عملية التنمية بشتى جوانبها، وفي مقدمة ذلك تدني مستوى التعليم، واتساع دائرة الجهل والأمية والفقر والصراع.

كما أن هناك أدوارا تقع على * دول الجوار، والمجتمع الدولي* في مساعدة اليمن في اختصار المعاناة، وإنهاء الانقلاب الذي سيشكل ما بعده نقطة تحول يمكن من خلالها توجيه الدعم المباشر لتحسين التعليم وتجويده.

وفي الختام يمكن القول إن الانتظار إلى أن يتحق النصر ليس مناسبا، ومن ثم فإن المطلوب من الجميع إدراك خطورة الأمر، ومساعدة الحكومة في أن تستقر لتمارس عملها، وتقدم ما يمكن تقديمه للتعليم ومختلف جوانب التنمية بما يحقق أهدافها السبعة عشر، والله من وراء القصد.

*د. علي عرجاش*

وكيل وزارة التعليم العالي والبحث العلمي

أستاذ الإدارة التربوية الساعد- كلية التربية صنعناء