كلام مباح عن شهرزاد المغتصبة!
بقلم/ عبدالله عبدالكريم فارس
نشر منذ: 15 سنة و شهرين و 17 يوماً
الثلاثاء 01 سبتمبر-أيلول 2009 02:12 م

بإختصار شديد: "شهرزاد" الأرض - و "شهرزاد" الإنسانة، يتحدن عضوياً وفيزيائياً في زمن اليمن الراهن!

مرت ثلاثة عقود من الزمن و "شهرزاد"، - تلك الحرة الأبية وسليلة منابع الشرف -، لا تزال تحاول الهروب من أحضان "شهريار الجبار" الذي يمعن في الإلتصاق بجسدها الغض ليعبث به كيفما شاء.

من أول ليلة وشهرزاد لاتزال في شهور الحداد، أخبرها شهريار الجبار بصراحة أنه لن يعيلها... وبأنه لن يسبغ عليها مسبحة الأمان قط... وأن عليها تكفل أعبائه المادية بسبب عجزه عن التكسب المشروع، وأن لابد لها من أن تقبل به قبل إنقضاء شهور العدة شاءت أم أبت... واعرب وهو يشحذ سكينه عن رغبته في إمتلاكها والإنفراد بها - في عقر دارها هي -، وعن نزعته للإستحواذ على كل ما تملكه، ومصادرة كامل إرثها.

شهرزاد،- تلك المرأة الجميلة التي كانت بريئة وطيبة -، كانت لاتزال في عز شبابها، فهي آنذاك لم تطرق أبواب العشرينات بعد، كان ذلك يوم أن هجم شهريار الجبار على خصوصية مخدعها وأجبرها بالإكراه على القبول بقضاء حاجاته البيولوجية عندها وإفراغ مخلفاته في جوفها وكأنها بيت خلاء!.. - قبله كانت تعشق شاب يحبها، يعاملها بذوق وكانت حالتهما ميسورة، ربما لأنه كان يجيد فن الإقتصاد المنزلي وترتيب الأثاث الداخلي وزراعة فناء البيت وصنع ماتيسر له من الغذاء، لكنه قُتل غدراً في إحدى مؤامرات الحارة، فخلّف ورائه المكلومة والمظلومة شهرزاد وصغارها الرُضّع.

شهريار الجبار، لا يمت إلى طبقة النبلاء بِصلة، قرر ذات يوم أن يتمرد على محراثه وعلى ثور قريته، فأشهر منجله في يوم مأتم وغزا به قصر شهرزاد والناس في سراديق العزاء، مستعيناً ببعض العاطلين عن العمل وبعض المقطوعين من الرجاء أو الأمل، لكن العيب الأكبر أنه أستقدم معه سادية الطباع المكتسبة في الطريق إلى القصر، ما جعل شهرزاد، - كإمرأة -، لا تطيق معاشرته، وتقرف من رؤيته، وتنفر بشدة من سلوكه الهمجي في الفراش.

فهو من صنف الرجال الذين لا يؤمنون بالغزل في النسآء، ولا يعرفون أبجديات الرومانسية، من فئة الذين يتلذذون بممارسة العنف ويستمتعون بإستخدام القسوة ضد شريكة الحياة، والتخاطب معها بلغة الضرب، فتصرفاته وتعامله كانت وما تزال مؤذيه لها وللغير، والكلام المرتجل الذي يصدر عنه ينفر الزوار ويجفل الضيوف، - الأمر الذي أدى إلى تجفيف ينابيع إبداعاتها وتثبيط همتها وفرملة دواليب إنتاجها.

فمن أجل ان تبعد عن عنقها سيفه المتربص بها والذي سلبها حقها في الحياة، لاتزال حتى هذه اللحظة مرغمة لأن تستمع إلى ثرثرات شهريار الجبار وهو يتحدث في حين هي صامتة وتتثائب... نفس التكرار الممل كل ليلة... أكثر بكثير من الف ليلة وليلة... - ليالي شهرزاد المنهكة تواصل إيقاعاتها المعهودة كأنها دهور سحيقة، لقد طالت وطالت لتصل إلى آلاف مؤلفة من الليالي المليئة بالملل والإحباط.

تحكي لنا شهرزاد عن مصيبتها، وهي تبكي من شدة المرارة الذي تعانيه، وعن الأقدار التي ساقتها إلى محنتها...، تقول شهرزاد: «أنها لم تكن تعلم أن شهريار الجبار رجل يفتقر إلى النخوة...»، - وذلك عنصر مهم في الرجولة عند المرأة -... لتواصل القول: «رغم أنها أدركت من اللحظات الأولى أن الرجل "دخل على طمع"، لكنها لم تتصور أبداً بأنه سيغدر بها على نحو آخر»... فلم يدر بخلدها على الإطلاق أنه سيمكن أقربائه وأعوانه وحاشيته وأنصاره وزوّار ليله وبعض جيرانه من "التمتع" بها، وبوطء شرفها وتمريغ عفتها كلما فرغ هو منها. - تقول كان ذلك كافياً، أرجوكم دعوني... لاأستطيع... تخنقها العبرات، تتوقف عن الكلام المباح... تصمت برهة، ثم تنفجر باكية وناحبة... - على مايبدوا أن ذلك الأمر أصابها في مقتل منذ اليوم الأول.

- ورغم خصوبة خيال شهرزاد الذي عرف عنها، إلاّ أنها كانت على يقين خاطئ بعجز كل العصور مجتمعة عن إنجاب ذلك الكم الهائل من الشهريارات الشبقة في آنٍ واحد، - بالعين المجردة يمكنك رؤيتهم وهم منتشرين في أروقة القصر، يفترشون كل شبر فيه، في شبابيكة وعلى جدرانه، وينزوون بأعداد مفزعة في أركان كل بقعة أو زاوية معتمة منه. -- شهريارات مستنسخة طبق الأصل من شهريار الجبار، لا يفارقونها لحظة ولا يغيبون عنها ليلة.

وكون شهريار الجبار من الطائفة التي تنتحل أي صفة، فإنه ومن معه من كبار الشهريارات عقدوا إجتماع طارئ ليلة ذات خميس، فأستلهموا في تلك الليلة التاريخية قانون "الإغتصاب مقابل الغذاء"، وهو القانون الذي أجاز لهم الحق في تجويعها وضرب عنقها وسبي صغارها، في حالة رفضها الإستجابة لرغباتهم الشاذة أو المهلكة... - وذلك القانون أيضاً حدد بشكل واضح ان لشهرزاد ممارسة حقها في التمدد والإنبطاح ورفع الأيدي والأرجل وإشاحة بصرها عن رؤية أشخاصهم وهم يولغون بها.

- كم هي مسكينة تلك الشهرزاد؟... نحن نعرفها عن قرب، ربما تربط القارئ صلة قرابة بها... بك أنت... وإذا كان ذلك، فأنت تعرف حميّتها حق المعرفة وإستعدادها لأن تُنحر دون عرضها وشرفها...، فهي لا يمكن أبداً أن تقبل بذلك الوضع فقط من أجل ان تتمكن من تربية صغارها على ماتبقى من فتات مائدة شهريار الجبار... - لكن لأنه لم يعد لديها خياراً آخر في ظل نصال الشهريارات المغروسة في خاصرتها وصولاً إلى موطن عفتها...، والأكثر إيلاماً، أنه حتى وهي مستسلمة لذلك المصير المؤلم الذي يرق له ألد الأعدآء، لم يشفع لها ذلك عند شهريار الجبار وأعوانه، ولم تنقذها كل تلك التنازلات هي وصغارها من الجوع والقتل والتشريد.

... أليست هي نفس الشهرزاد - ذات الأصل والفصل، وبنت الحسب والنسب - التي عندما كانت مكبلة بقيد واحد فقط، فجرت بركان غضبها ذات يوم على الجهل وتبعاته الموحشة؟... لكن لتقع دون أن تدري في مصيدة أبشع، ولتصلب بين مخالب منظومة متكاملة من الشهريارات المغروسة أسنة رماحهم وسط جسدها، وفي راحة يديها، وعلى حافة أطرافها.

كانت شهرزاد تعتقد أنه حالما يمل شهريار الجبار من واحدة يتخلص منها ويأتى ببديلة عنها... لكم ابتهلت المسكينة، متمنية وصول ذلك اليوم المخلّص إلى أن بح صوتها وتيبست أوردتها... لذلك لم تعد شهرزاد تحكي...، لم تعد تسرح بخيالها بعيداً، ولم تعد تخترع أو تبدع قصصاً شيقة... ليس فقط لأنها لاتريد، بل أيضاً لأن كضمها للغيض أدى عندها إلى إنفجار سويداء الكبد، ما أصابها بدآء التهتهه، فأصبحت من فرط حزنها تبتلع لسانها مع بلع ريقها، وعليها أن تجر اللسان بأصابعها إن هي أرادت لعق شيء ما... لذا فتلك الشهرزاد الحالمة والقاصة، الفصيحة والشاعرة، لم تعد تهوى ولا تستطيع أن تحب ولا قادرة على القول، لا شعراً ولا نثراً ولا قصة بعد.

 

- كم هي منهكة؟... لقد تحولت شهرزاد إلى بلهاء محبطة، ذات نظرات شاردة، وعيون غائرة، تحوم حواليهما دوائر الحزن والهم والسواد.

 

شهرزاد المعاقة هي الآن من يصغى مكرهة... لأن شهريار الجبار أصبح هو الذي يحكي... وهو من يهذي ويثرثر... وهو الذي يصرعها كل ليلة بكذبة في حجم كتلة براز الفيلة من الوزن الثقيل... حتى وهو ينبلج من فرط وصف منجزات أو معجزات ليس لها على الواقع أثر، هي تعي واقع أن تلك الإدعاءات ليست سوى مجرد تبخير بروث، - لذلك تتعمد شهرزاد حذف الصوت من المشهد وهو يخاطبها ويديه تتحركان مخاطبة إياها معه - يعني تطنش كلامه، ليس فيه ما يهم على كل حال -، تتذكر مايقوله علماء النفس من أن حركة اليدين الغير عفوية أثناء الخطاب تدل على مراوغة المحتال... تشرق بكتفيها، وتهز رأسها وهي تراقب شفتية تتحركان، تماماً كما في الأفلام القديمة الصامتة لتشارلي شابلن.

- لماذا ياترى تفعل ذلك؟... الجواب لأنها ببساطة تعرف مايكفي، فبعد كل رغي رسمي، هي لوحدها وبدون منظرين أو تنجيم تعرف ما هو مقبل وما هو آت...

... فما أن يمتزج لون الصبح بلون الظلام، حتى يتلون جلد شهريار الجبار وتحمر عينيه وتبدءآن بالزغللة والزوغان... تلك هي إشارة بدء الإنطلاق لدى المحترفين... إشارة لجموع الشهريارات ليبدأ زحفهم، وشن هجومهم الوحشي المعتاد على جسد شهرزاد، يعرونها بجنون وكأنهم حيوانات ضارية وصلت للتو وهي تتضور جوعاً لإلتهام لحم فريستها... بعضهم يبدأ القضم بقوة في مناطق مختلفة من جسدها وهي تصرخ مستنجدة بهم إن بقى فيهم أثر لنخوة، - لكن ذلك لايزيدههم إلاّ توحشاً وهيجاناً -، بينما آخرون يشدونها من شعرها ويُمعنون فيها صفعاً وخدشاً على وجهها وعلى كامل نتوءات جسدها، البعض يستمرء لوك حلماتها حلباً إلى درجة الجفاف ولو كان مايدره ثدييها دماً.

هرج ومرج في ليالي تشبه تلك الطقوس المتبعة عند عبدة الشيطان... الكل، جَماعياً يطأوها بعنف وشهيق مستهتر، ليتم تثبيتها بعد ذلك من أطرافها حتى ينال منها أيضاً "صغار" الشهريارات في مخالفة صريحة للنهي الشرعي الذي لايجيز للإبناء ماوطئه الآباء!!! - كل ذلك يتم وهي تندب وتبكي بكاء الأيتام وتستجدي الرحمة دون جدوى، ليتبدد صوتها في أروقة الدهاليز المظلمة، وتتلاشى أحلامها الوردية كتلاشي حمام السلام من على فوهات مدافع المعركة.

... وهكذا دواليك، تستمر مشاهد إغتصابها وإيلامها كل يوم... وكل ليلة... حتى تكل أجسادهم من التعب وينهار جسدها من الإيذآء... لكن على أساس تكرار ذلك المشهد بتلك الطقوس في اليوم التالي، في نفس المكان، على ذات الجسد، وفي نفس الموعد.

اليوم، "شهرزادنا" ليست بحاجة إلى فتح كتاب، ولا رقيها عند مشعوذ أو دجال... والركون إلى "شهريار الجبار" لإسعافها، سوف ينتهي بها حتماً ودون مواربة عند "عوبلي رداع"، ليبصق بركاته في وجهها، ويبخرها من شر حاسد إذا حسد، معلقاً حول عنقها كيس من حبات البركة السوداء لدرء العين، وعلى ضوء الشموع ودخان البخور المضاد للسحر سوف تبدأ دفوف الطار بالمولد تيمناً بالحضور الخفي للولي أحمد إبن علوان، وصولاً إلى الإنتهاء من عمل اللاّزم في تطهيرها من فلول الفئة الضالة من عفاريت الجن التي تسللت إلى شرايينها، - كما تسلل شهريار الجبار إلى مخدع قصرها!

- وعندها سوف تهز معاقلنا وتصم آذاننا مدفعية المراسم وهي تدوي واحد وعشرين طلقة إبتهاجاً بالعودة المظفرة "لشهريار الوطن الجبار" وهو يتقدم الموكب ويستقبل المهنئين بسلامة عودته وبشفآء شهرزاد الأزلي في بث تلفزيوني حي ومباشر... - بينما شهرزاد لاتزال محمولة في نعشها على الأكتاف خلف موكبه وهي تنازع في غيبوبتها بين الحياة والموت.

"شهرزادنا" اليوم بأمس الحاجة لإسعافها ونقلها إلى غرفة رعاية مركزة، من أجل عناية طبية فائقة في بيئة معقمة ونقية... وهي بحاجة لأن يغرب عن وجهها شهريار الجبار ورهطه حتى تستعيد توازنها النفسي... وهي بحاجة إلى فزعة شعبية لتنظيف مخدع نومها من الأوبئة والأدران والمخلفات البشرية المتعفنة في جوانبها... والقصر بحاجة إلى أن يقطنه عاقل ذو رجاحة من محارم "شهرزاد" يحمي شرفها، لا أن يقوم بإغتصابها، ونحتاج كذلك إلى إعادة "الديكور والدهانات" بشكل بهي وناصع من الداخل ومن الخارج، بدءاً بترميمه من الكسور والتصدعات والعبث الذي اصابه بفعل إحتلاله من قبل شهريار الجبار وأعوانه لأكثر من ثلاثين سنة، في سوء نية وعن سبق إصرار وترصد وبدون وجه حق.

- والأهم من كل ماسبق، هي ذاتها، وليس غيرها بأشد الحاجة المدقعة لإعادة ريع أملاكها إلى جيبها وحسابها الخاص - وليس إلى جيوبهم أو حساباتهم الخاصة - حتى تستعين بها في رحلة الشفاء والتعافي.

... لا تلام "شهرزادنا"، إن هي غائبة عن الوعي وفي حالة إنهيار عصبي تام، لأنها لم تعد ترى أمامها سوى نفق معتم وطويل لسنين مديدة قادمة من الرضوخ للإغتصاب الموغل في الوحشية من قبل رهط مصابون بالـ "الأنا" المفرطة، ورجل يعاشرها في إكراه بائن، في حين أنها لم تعد تطيقه وتبغض كل شيء فيه.

abdulla@faris.com