منع الملكية يبدأ من هنا
بقلم/ دكتور/محمد القاهري
نشر منذ: 17 سنة و 9 أشهر
الأربعاء 14 فبراير-شباط 2007 06:45 م
يم

مأرب برس - خاص

شاخ جيل السلطة الحالي وغدا الناس يهتمون بتوقعات مستقبلها في جيل الأبناء. بالنسبة لمنصب الرئيس فإن أغلب تكهنات الناس تصب في احتمال توريثه في عائلة علي عبدالله صالح. لكن لأن التوريث سيمثل مهزلة جمروكية ومشكلة مستقبلية لليمن فإن هناك حاجة لتوجيه مستقبل السلطة وجهة تغيير، مؤتمر حزب الإصلاح القادم يمثل الخطوة الأولى في ذلك.

في الديمقراطيات الناضجة تبحث الأحزاب على الدوام عن قيادات جديدة تمثل رؤى وقدرات وحلولاً أكثر جرأة ونجاحاً، وقد يصل بها الأمر أن توظف ما يسمى بصيادي الأمخاخ كي يعثروا على عناصر قيادية جديدة بتلك الصفات تسلمها القيادات القديمة الراية طواعية لأن المصلحة جماعية وهي إنقاذ السفينة من غرق محتمل. أحزاب المشترك تعتبر محظوظة لأن لديها شخصيات من هذا الطراز ومنها حميد الأحمر، وبالتالي من المنطقي أن يكون مؤتمر الإصلاح فرصة لتصعيد قيادة جديدة يكون محورها حميد. لو فعل الإصلاح ذلك فإنها ستكون الخطوة الأولى في تحديد مستقبل رئاسة الجمهورية في التغيير لا التوريث.

أما إذا أورد الشيخ عبدا لله الأحمر مبررات لعدم تصعيد القيادة الجديدة للإصلاح فأن تلك المبررات ستصب إجمالا في احتمال ما يمكن أن نسميه عقدة الدور الثاني لدى المشايخ الذين تعاملوا مع السياسة من الصفوف الخلفية تاركين الدور الأول للأئمة قبل الجمهورية وللضباط بعدها. الشيخ عبدا لله الأحمر نفسه ساند الرئيس علي عبدا لله صالح دون أن يطمح إلى الرئاسة وربما يفكر بنفس الشيء لابنه حميد. لكن حميد مؤهل لأن يكون رئيساً وبالتالي يتعين على أبيه أن يسنده في ذلك بل وأن يعتبر أنه قد جاء الدور على الرئيس لرد الجميل ومساندة حميد كمرشح تغيير بدلاً من احتكار الرئاسة في عائلته. هناك احتمال أخر قد يدفع الاصلاح للإبقاء على القيادة القديمة وهو أن تصعيد قيادة جديدة محورها حميد سينظر إليه كتحد لتوريث رئاسة الجمهورية ينطوي على مخاطر. لكن الحديث عن مخاطر يفتقد للأسس لأن الأحزاب بما في ذلك الإصلاح تلتزم بقاعدة النضال السلمي ومن حقها اختيار ما تراه مناسباً من وسائله.

عموماً خيارات الاكتفاء بدور ثان أو تجنب مخاطر التحدي تلغي فائدة معارضة الإصلاح وستلغي بالتالي وجوده الفعلي، فالمؤشرات تدل على أن الإصلاح وحتى لو هادن محكوم عليه من إستراتيجية السلطة أن يتكبد خسائر انتخابية إضافية تقضي على طموحه في التأثير كقوة ذات قاعدة عريضة. وبالتالي فإن عدم خوض الإصلاح تحدي التغيير الآن ابتداء من قيادته يجعله في موقع من يرفض العوم فينتهي بالغرق. هناك احتمال إضافي هو أن الإصلاح قد يرى عدم توفر عوامل النجاح اللازمة لرفع التحدي وبالتالي سيطوي شباكه دون خوض البحر. والأمر هنا لن يرتبط بتقدير واقعي لانعدام عوامل النجاح وإنما ربما بمحدودية المعلومات أو بعدم سلامة تأويلها. مشكلة المعلومات قد تفسر إبقاء بعض أجنحة الإصلاح على تحالفها مع الرئيس رغم أن التحالفات القديمة قد فقدت فائدتها لأن احتكار السلطة دخل طوراً جديداً يخدم فقط مصالح أسرة الرئيس، والتوريث بالذات سيقوم على تحالفات جديدة لامكان فيها للحلفاء القدامى ولا لمصالحهم. وبدلاً من مراوحة المكان يمكن للإصلاح معالجة مشكلة المعلومات هذه وتقييم جدية مخاطر رفع التحدي بالاستعانة بخبراء ومستشارين كما تفعل السلطة في مواجهة معارضيها. 

الاحتمالات السابقة لو تحققت ستؤدي إلى الاستنتاج المعتاد أن ليس بالإمكان أبدع مما كان وبالتالي فإن التوريث سيغدو أمراً وارداًً وسيخرج مؤتمر الإصلاح بقيادة قديمة لاتعارضه. لم يبق لنا إذاً إلا أن نقيم التوريث لو تحقق فعلاً من خلال مقارنة جدواه بجدوى التغيير المأمول.

في حالة التوريث في عائلة الرئيس فإن ابنه الأكبر هو المرشح كما يبدو، وهناك عوامل عديدة تسوغ التوريث ماعدا عامل منغص واحد هو وجود معارض مثل حميد الأحمر يمثل بديلاً معقولاً عن التوريث ومرشحاً جدياً للتغيير يحظى بعوامل مساعدة عديدة، لذلك أصبح "الكبش المرادع" الذي تحرص السلطة على ربطه. عموماً، التوريث في حكم المكروه وليس المحرم وبالتالي فإن التحيز للتغيير دون التوريث سيقوم فقط على تقييم المرشحين. فما هو تقييمهما؟ من خلال تحليل المحتوى للنصوص والخطاب الصادر عن حميد الأحمر حتى الآن فقد أبرز مواهب قيادية منها : رؤيا سياسية مستقبلية، كفاءة خطابية ومشاعر إنسانية تجعل الناس يطمئنون إليه ويثقون به وسيقبلون بالتالي إتباعه. كما أنه أصبح شخصية معروفة للعامة ولوسائل الإعلام والمحللين وللخارج. وهو فضلاً عن ذلك سياسي ذو خبرة أكتسبها في البرلمان وفي الإصلاح ومن خلال الحملة الانتخابية لعام 2006، ويتوفر على سند إضافي يتمثل في اللقاء المشترك الذي يمثل توجهات متنوعة ستسمح له بتوسيع قاعدته الجماهيرية بسهوله حال وصوله إلى السلطة. كما أنه مؤهل في العلوم الاجتماعية وذو خبرة كرجل أعمال وكل ذلك يؤهله لفهم الناس والتفاعل معهم بشكل سيخلق تجاوب الجمهور معه للحكم بصورة جديدة عنوانها الثقة والنجاح في حل مشاكل التطور الاقتصادي والسياسي لليمن. ومن الناحية الموضوعية يتوفر الرجل على كل العوامل والأدوات السياسية اللازمة للنجاح في الحكم. نشير بهذا الصدد إلى أن تحالف السلطة في اليمن وكما في بلدان أخرى يعتمد على فئات الضباط، المشايخ، التيار الديني وبعض التجار والتكنوقراط والمثقفين. وحميد الأحمر شيخ وتاجر وقيادي في تيار إسلامي وسيمكنه أن يضم هذه الفئات إلى تحالفه، كما سيتحالف معه الضباط والتكنوقراط والمثقفون بسهولة.

لكن هناك بعض المعوقات، فاستمرار تحالفات والده أو الزنداني مع الرئيس ستضعف موقفه العائلي والحزبي. وهناك احتمالات منافسة الشخصيات الشابة من العائلات القبلية الأخرى، فالرئيس مثلاً هب لضم ممثل المشائخ الشباب في بكيل محمد علي أبو لحوم إلى صفه ولا ندري هل يتواصل معه حميد أم لا. كما لا ندري ما حظوظ حميد الحالية في العلاقات الخارجية. 

بالنسبة لأحمد علي عبدالله صالح مرشح التوريث، فقد أوكل له والده مهام أمنية-عسكرية، وبطبيعة عمله فإنه لا يخرج للجمهور ولا يتحدث لوسائل الإعلام بشكل كاف وبالتالي فإن الجمهور لا يعرفه، كما لا يمكن للمحلل تقييم شخصيته القيادية من خلال تحليل محتوى النصوص أو الخطاب الصادر عنه. وعكس ابني القذافي ومبارك المرشحين للتوريث والذين عرفهما الناس من خلال مواقعهما الحزبية والاجتماعية تنحصر خبرة ابن الرئيس في المجال العسكري. ولذلك يتميز عليه حميد الأحمر بالخبرة السياسية والمدنية المتنوعة وهي مهمة للحكم بينما ليس شرطاً أو ميزة أن يكون الرئيس عسكرياً في النظام الديمقراطي.

من الناحية الموضوعية يتوفر ابن الرئيس على كل عناصر تحالف السلطة التي اشرنا إليها سابقاً مما يقوي موقفه. ويتوفر على شروط إضافية يفتقدها حميد الأحمر الآن مثل الأغلبية في البرلمان والعلاقات الخارجية القائمة التي وطدها والده.

من العوائق التي ستواجهه أنه سيرث عملياً كل الصعوبات السياسية الموجودة وطابور الفساد الذي سيساوم في تأييده ومخاطر المنافسة من داخل الأسرة كما حدث للإمام احمد، فميل بعض أبناء عمومته إلى الظهور في الفترة الأخيرة ينبئ بمشاكل بينما لا ندري ماهي مواهبه الشخصية في إدارة السياسة. بل أن خفوت صوته رغم احتدام الجدل السياسي من حوله قد يفسر على أنه افتقار لرؤيا سياسية فعالة للحاضر والمستقبل. وسيواجه عاملاً سلبياً آخر هو أن التوريث مكروه في الجمهوريات وفي الديمقراطية خاصة أن أباه قضى فترة طويلة في الحكم مما سيجعلها ملكية بعلم جمهوري وهو أمر معيب سيضعف طمأنينة ألمرشح النفسية خاصة أنه بسبب الفساد والمنافسة من الأسرة سيعجز عن إنجاز أي إصلاح وبالتالي فإن السلطة كهدية مورثة ستتحول إلى نقمة وعدم رضا شخصي بينما الجوانب الشخصية مهمة للأداء الناجح.

خلاصة : التغيير محبذ وله شروط النجاح لكن تبدأ خطواته من مؤتمر الإصلاح القادم، فماذا سيرى مندوبو المؤتمر؟