دولة القبيلة في اليمن..!؟
بقلم/ دكتور/طلال صالح بنان
نشر منذ: 18 سنة و شهرين و 3 أيام
الخميس 14 سبتمبر-أيلول 2006 05:57 ص

ليس هناك مجتمع عربي خَبِر أنماط التنمية السياسية العصرية، بأبعادها الليبرالية ( الديموقراطية الرأسمالية ) والاشتراكية ( الثورية الشمولية )، مثل المجتمع اليمني. وللمفارقة، ليس هناك مجتمع عربي لازالت أنماط الثقافة الأبوية التقليدية ( في شكلها القبلي ) تهيمن على ثقافته السياسية وحركته الاجتماعية، مثل المجتمع اليمني. تناقضات تنال أبعاد الحراك السياسي وخلفيته القِيَمِية، تجعل من المجتمع المدني نموذجاً لتصور إمكانية وأبعاد التحول السياسي في المجتمعات العربية، بما لا يتوفر في أي مجتمع عربي آخر.

أيضاً: من أهم معالم التحول السياسي في المجتمع اليمني، ذلك الفارق في الممارسة السياسية والخلفية التاريخية والثقافية لشقي المجتمع اليمني ( الشمال والجنوب ). في الشمال، وفي فترة ما قبل ثورة سبتمبر 1962، كان المجتمع اليمني أبعد ما يكون عن الممارسة السياسية العصرية، لمجتمع الدولة القومية الحديثة، من أي مجتمع عربي آخر. لا يضاهي المجتمع اليمني في سيادة قيم وحركة المجتمع الأبوي التقليدي، في العالم العربي، سوى المجتمع العماني، قبل حركة 23 يوليو 1970، التي قادها السلطان قابوس. بينما في الجنوب، فإن الحياة السياسة هناك، كانت لا تختلف كثيراً، عن المجتمعات العربية التي كانت تحت التاج البريطاني، في فترة الاستعمار، وإن كان من حيث الحراك السياسي والثقافي كان المجتمع اليمني الجنوبي، أكثر حيوية من مجتمعات عربية أخرى، خبرت تجربة الاستعمار بكل أبعادها الثقافية والسياسية العصرية.

هذا أدى إلى اختلافات في الممارسة السياسية، لدى مجتمعي الشمال والجنوب، في أول فرصة لهما للاطلالة على آفاق الممارسة السياسية العصرية، في مجتمع الدولة القومية الحديثة. في الشمال حدثت قفزة عصرية قوية في المجتمع اليمني على مستوى حركة مؤسساته السياسية، بعد ثورة سبتمبر 1962، حيث بدت مظاهر “العصرنة” في حركة المجتمع اليمني، في الشمال، وكأنها أهم مظاهر النظام “الثوري” الجديد في صنعاء. ولكن، هذه القفزة النوعية، التي حدثت على مستوى حركة المجتمع اليمني، في الشمال بعد الثورة، تطورت في فراغ مؤسساتي وقِيمي في المجتمع اليمني، في الشمال، لاستيعاب هذه التحولات الكبيرة التي رافقت سقف التوقعات من نظام الثورة الجديد، في صنعاء. لقد تضافرت بنية المجتمع القبلي، بقيمه وحركته التقليدية، مع عدم توفر بُنى تحتية لاستيعاب مدخلات نظام الثورة الجديد في صنعاء، في رد فعل عنيف من قبل المجتمع اليمني في الشمال تمثل في اندلاع حرب أهلية، بين نظام الثورة الجديد في صنعاء.. وواقع المجتمع اليمني، بأبعاده القبلية الأبوية، استمرت لثماني سنوات، حتى أن ثبت أن التاريخ يأبى بأن تعود عقارب الساعة إلى الوراء.

ولكن، من حيث تأثير قيم وحركة النظام الأبوي التقليدي، في شكله القبلي، في مقابل نظام الدولة العصري، بحركة مؤسساته الجديدة، لا زال التفوق، من الناحية الواقعية، لقيم المجتمع الأبوي ( القبلي )، على نظام الدولة، ظاهراً للمراقب، حتى بعد أن نجح اليمن في بناء مؤسسات سياسية عصرية، تأخذ بشكل الممارسة الديموقراطية، دون ما توفيق يُذكر، في الأخذ بجوهر الممارسة الديموراطية، في أبعادها القِيمية الليبرالية الواسعة. حتى إنجاز الوحدة، بين شطري اليمن، في نهاية النصف الأول من عقد التسعينات الماضي، أتاح الفرصة لواقع تفوق نظام القبيلة في اليمن، على نظام الدولة، لكي يمتد إلى جنوب اليمن، الذي حقق إنجازات عصرية مهمة، على المستوى السياسي والاجتماعي والثقافي، بعد الاستقلال، بغض النظر عن توجه النظام في الجنوب العقائدي، الذي لم يخرج عن أشكال التنمية السياسية والاجتماعية العصرية، سواء في شكلها الليبرالي الرأسمالي.. أو في شكلها الاشتراكي ( الشمولي ).

اليوم بعد أكثر من أربعة عقود على ثورة سبتمبر في الشمال.. وأقل من أربعة عقود على استقلال الجنوب عام 1968.. و 12 سنة على الوحدة، نلاحظ أنه بالرغم من الإنجازات السياسية الكبيرة، التي حققها اليمن، على المستوى السياسي والتنموي العام، إلا أن اليمن، قد يكون البلد العربي الوحيد، الذي يواجه عملية التحول الاجتماعي والسياسي العصري، مشاكل لها طبيعة اجتماعية ثقافية، بعيداً عن توفر إرادة النخبة السياسية الحاكمة، من عدمها، في قضايا التنمية، بأبعادها السياسية والاجتماعية والاقتصادية المختلفة.

اليمن، بعد الوحدة، تقدم خطوات كبيرة، في مجال “عصرنة” مؤسساته السياسية.. والأخذ بأشكال المظاهر العصرية للممارسة الديموقراطية، بأبعادها المؤسساتية والقِيَمية المختلفة، إلا أنه لا يختلف كثيراً، عن ما هو متفاعل، من ناحية الشكل لا الجوهر، في ما يخص التحول “الديموقراطي”، في مجتمعات العربية الأخرى. بل قد لا نكون مبالغين أن اليمن، من ناحية تحري الأخذ بشكل الممارسة الديموقراطية، قد يكون متقدماً عن كثير من الدول العربية الأخرى، التي اختارت طريق الممارسة الديموقراطية، بأبعادها الليبرالية المختلفة. في اليمن، هناك مجلس نواب منتخب، له صلاحيات رقابية وتشريعية واسعة.. تطور، مؤخراً في اليمن الأخذ بآلية التنافس الحزبي لتقلد منصب رئيس الجمهورية، كما يحدث هذه الأيام.. في اليمن، إلى حدٍ كبير، مجال واسع ومتنامٍ لحرية الصحافة، وإبداء الرأي، وحرية الانتماء الحزبي، وممارسة المعارضة الحزبية والمستقلة، وتنامٍ في أعداد ودور مؤسسات المجتمع المدني.. في اليمن، أيضاً، توجه لخيار دولة سيادة القانون، بآلياته وقنواته العصرية، مع احترام ظاهر لمؤسسات الدولة لدور القضاء واستقلاليته، كأحد مؤسسات النظام السياسي الأساسية، على الجانب مؤسسة الرئاسة والبرلمان. كل تلك مظاهر للتنمية السياسية العصرية، في اليمن، تطورت خلال الأربع عقود الماضية، ولكنها لم تصمد أمام معاقل المجتمع التقليدي القبلي ( القِيَمية ) الاجتماعية والسياسية الراسخة جذورها في ثقافة المجتمع اليمني بخلفيته التاريخية الممتدة. لا يمكن القول بأن هناك مجتمعا سياسيا تعدديا تطور في اليمن، يؤكد على الاتجاهات السياسية للناخب، بعيداً عن حركة وقيم المجتمع القبلي، بخلفيته التقليدية. ما يحدد خيارات الهيئة الناخبة، في المجتمع اليمني، ليس الاعتبارات السياسية للمرشحين، بقدر ما هو انتمائهم القبلي.

مما يؤثر على نجاح الممارسة السياسية وتطور المؤسسات السياسية العصرية، في الفصل بين رموز مؤسسات الدولة الرسمية، وشخوص المجتمع الأبوي التقليدي. كما هو في كثير من الأنظمة الجمهورية، في العالم العربي، في اليمن هناك توجه لتكريس مبدأ الخلافة السياسية، في رموز الحزب الحاكم،... مع تردد، للرموز الحاكمة الحالية، في مغادرة السلطة. الرئيس علي عبد الله صالح، استجاب لـ “طلب” الجماهير في البقاء في سدة الحكم، لفترة ثالثة قادمة، الأمر الذي أُخذ في الاعتبار عند كتابة الدستور الحالي..!؟ قد يكون الرئيس اليميني، مخلصاً في إعلان عدم ترشحه للانتخابات الرئاسية القادمة، عندما أعلن عن ذلك وأصر عليه، قبل عدوله عنه “استجابة” لرغبة الجماهير، ولكن المشكلة هنا: أن حركة المجتمع اليمني وتوجهاته، لا زالت تسيطر عليها تقاليد وأعراف وقيم المجتمع الأبوي، في صورته القبلية الراسخة. المشكلة، تكمن في فشل تجربة التحول السياسي، في اليمن، في ترسيخ دعائم قيمه الليبرالية، في مجتمع تقليدي، وإن نجح في القضاء على رموزه السياسية الأبوية، إلا أنه أبقى على قيم القبيلة، لتطغى على حركة سلطة مؤسسات وقيم الدولة.

قد تكون تلك مظاهر لمشاكل التنمية السياسية “العصرية” في اليمن، يشترك فيها اليمن مع كثير من المجتمعات العربية، التي ركزت على شكل، دون جوهر، الممارسة الديموقراطية، بأبعاد القِيَمِية اللبرالية الواسعة. ولكن، ما يجعل اليمن ـ إلى حدٍ كبير ـ مختلفاً، عن بقية نماذج التحول السياسي العصري، حتى في تلك المجتمعات العربية التي لم تتطور فيها حركة مؤسساتية عصرية، لا في شكلها الرأسمالي الغربي ولا في نموذجها الاشتراكي الشرقي، أن حس الدولة، على حساب مكانة القبيلة، لم يصل بعد، إلى ضمير وجدان المجتمع اليمني، حتى عند مستوى نخبه السياسية والاجتماعية.

في النهاية، ولاء “المواطن” اليمني ليس للدولة ومؤسساتها ورموزها السياسية الرسمية، ولكن للنخب التقليدية الفاعلة في “مؤسسة” القبيلة. شيخ القبيلة، وليس النائب في البرلمان.. الذي يتمتع بولاء “الفرد” في القبيلة، بغض النظر عن حمله لوثيقة “المواطنة” للدولة. الدولة ـ في اليمن ـ بالرغم من مظاهر “العصرنة” المتقدمة في شكل وحركة مؤسساتها السياسية والاجتماعية، لم تنجح في الحصول على ولاء المواطن وانتمائه السياسي لها، في مواجهة “مؤسسة” القبيلة، لدرجة أن المنتمي للقبيلة، لا يتحرج في إبداء ولائه للقبيلة وشيخها، على حساب الدولة ورموزها، متحدياً وسائل الردع المنظمة مؤسساتياً عند الدولة، حتى لو كلفه ذلك حياته وحريته...!؟ ظاهرة اختطاف السائحين الأجانب، لتسوية مشاكل وخلافات بين الدولة والقبيلة، حول الصراع بينهما في ما يخص ولاء “المواطن” وامتيازات “السيادة” لكلٍ منهما، من أهم مظاهر التناقض، بين ما نراه من تطور “شكلي” في مظاهرة التنمية السياسية في اليمن، بعيداً عن الاهتمام بجوهر الممارسة الحقيقية للديموقراطية.

صعب أحداث تطور حقيقي في مجال التنمية السياسية في مجتمع تطغى فيه قيم القبيلة على حركة مؤسسات الدولة العصرية.. وصعب، أيضاً، ضمان استقرار نموذج الدولة، في مجتمع تهيمن عليه قيم القبيلة. هذه هي مشكلة اليمن السياسية الأولى

د.مروان الغفوريالحاكمُ إرهابيّاً
د.مروان الغفوري
مساعد الموسايالأقلام المستأجرة
مساعد الموساي
مشاهدة المزيد