الوحدة اليمنية .. أي مستقبل
بقلم/ دكتور/محمد لطف الحميري
نشر منذ: 15 سنة و 5 أشهر و 27 يوماً
الخميس 21 مايو 2009 08:46 ص

عنوان مقالي يحمل إشارة ربما لا يستسيغها كثيرون وهي أن مستقبل الوحدة اليمنية أصبح مثار جدل وتنبؤات يقول أكثرها تشاؤما إن الانفصال قادم لا محالة وأن المسألة مسألة وقت فقط أما أقلها تشاؤما فترى أن الانجاز الإنساني والتاريخي العظيم تتهدده أخطار يجب أن يتصدى لها كل المؤمنين بأهميته وباستقرار الجزيرة العربية .. لكن السؤال الذي يجب أن يٌطرح لماذا يبحث اليمنيون والعرب مسألة الوحدة اليمنية وماهو الأنسب هل بقاءها أم العودة إلى التشطير والتمزق ؟ مع أن 19 سنة كانت كافية للبحث في مسائل أخرى من قبيل أين يقف اليمن في القرن الحادي والعشرين ؟ وما هي السبل الكفيلة للتخلص من الجهل والفقر والمرض وهو الثالوث الذي ناضل من أجل القضاء عليه رجالات الثورتين اليمنيتين 26 سبتمبر 1962 و14 أكتوبر 1963 .. لماذا كتب على اليمنيين هدر جزءا كبيرا من زمنهم الحضاري ومن طاقاتهم وثرواتهم ودمائهم للبحث في المسلمات ؟؟ ولماذا لاتزال دولتهم في ذيل القافلة وينظر إليها في كل حدث شزرا وتصنفها تقارير أجنبية بأنها دولة تسير في طريق الفشل .. رغم أن التاريخ يشهد لليمنيين بأنهم أولو قوة وأولو بأس شديد وفي المقابل أرق قلوبا وألين أفئدة ، والحكمة صناعتهم والإيمان بالله زادهم .. وإذا كانت هذه هي صفات شعب لكن واقعه كما قلت بئيس فذلك يعني أن هناك خللا بنيويا في تركيبة النظام السياسي الذي لم يستطع توظيف كل هذه الصفات الحضارية لبناء دولة حديثة عمادها النظام والقانون والمواطنة المتساوية .

كنت أتمنى أن أكتب في هذه الذكرى العطرة عن خير الوحدة وعن الأمن والتنمية وحرية الصحافة والتعبير التي ينعم بها اليمنيون مع إشارات بسيطة بالنقد البناء لمواطن الضعف والخلل ، ولكن لسوء الحظ أجدني محاصرا بين أمواج هادرة من الديماغوجية التي تعم البلاد ومجاديف تحاول رغم قلة الحيلة الدفع بالقارب إلى بر الأمان تدفعها قناعات راسخة بأن هذا الشعب العربي يستحق حياة أفضل لأن لديه كل مقومات النهوض فبلاده ليست فقيرة كما يحاول المستفيدون من إلصاق هذه الصفة لتصبح قدرا لا فكاك منه .

إذا أين الخلل ؟؟ قبل أيام كنت أتابع فعاليات المؤتمر العام السابع للحزب الحاكم ضمن نشرة الأخبار الرئيسية في قناة اليمن الرسمية وكم كانت نشرة أخبار ذلك المساء طويلة ومملة حيث أجبرت المشاهدين الفقراء الذين لايملكون خيار التحول إلى غيرها إلى متابعة خطابات السيد رئيس الجمهورية والسيد نائبه والسيد رئيس الوزراء وكلمات رؤساء تكتلات حزبية وكلها لا تخرج عن وصف الديماغوجية وحرب الكلمات فكل مفرداتها تؤسس لثقافة الكراهية والضيق بالرأي الآخر مهما كان موضوعيا حيث تبرز سطور خطابات الساسة تعبيرات من مثل " الانفصاليين ، الخونة ، المأزومين ، سنعمد الوحدة بالدم ، إنهم لهم المهزومون وإن أصحابنا لهم الغالبون " وتؤكد هذه الخطابات أنهم هم الوحدة وأنهم هم اليمن وأن نقدهم والتعرض لمصالحهم هو مساس بالوحدة .. قد تبدو هذه الخطابات والشعارات للمتابع اليمني خبزا يوميا وثقافة تعبر عن مدونة الخطاب السياسي لكن غيره سيقف على حقيقة مؤاداها هل كتب على اليمنيين أن يعيشوا أجواء محتقنة لا مكان فيها للتعايش والسكينة .

عندما يلقي رأس النظام السياسي خطاباته المرتجلة بمناسبة وبدونها معنى ذلك أن استراتيجية الفعل والخطاب الإعلامي غائبة أو أن من يرسم هذه السياسة لا يزال يعيش في عقود الستينات والسبعينات غير مدرك أن الوحدة أصبح لها جيل وأن شعارات الأمس لم تعد تصلح له بل هي بالنسبة إليه طلاسم لأن أولوياته غير أولويات الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة ، ومهما تحدث السياسيون عن الرفاهية والأمن فلن يقنعوا شعوبهم إذا لم يكن هذان العنصران مجسدين على أرض الواقع.

إن ما يعيشه اليمن بعد 19 سنة وحدة من اختلالات هيكلية في بنية الدولة وحروب في صعدة كلما أخمدت تشتعل من جديد وتنظيم القاعدة الذي استخدمته السلطة لأغراض لم يكشف عنها هاهو اليوم يتحين فشل الدولة ليعيث في الأرض فسادا، ومظاهرات واعتصامات في المحافظات الجنوبية للمطالبة بالمواطنة المتساوية ودولة القانون ولن أتكلم عن المطالبين بالانفصال فتلك مطالب مرفوضة لأنها هروب من استحقاقات المرحلة الصعبة وبحث عن خيارات أقل ما يقال عنها أنها غير وطنية وغير أخلاقية .. هذا الواقع يضع قادة الرأي في اليمن والسياسيين ومنظمات المجتمع المدني أمام خيارين لاثالث لهما إما التضحية باليمن من أجل أشخاص أو التضحية بالأشخاص أو على الأقل تقليص صلاحياتهم المطلقة ونفوذ عائلاتهم من جل اليمن ووحدته .. وهذا لا يتأت بأفعال فوضوية غير مدروسة قد تستغل لإشعال حرب أهلية تكون سببا في تمزيق البلاد وإنما من خلال البحث في أكثر مبادرات الحل واقعية والاصطفاف حولها وعندها لن يجد من ينادون بالانفصال أي مبرر للتمادي في غيهم بل إن العقل الجمعي سيكون الأقدر على احتوائهم وإدماجهم ليكونوا جزءا من المبادرة والحل على السواء.. غير أن أي مبادرة للحل يجب أن تتضمن نقاطا جوهرية تعجل بتغيير حال اليمنيين إلى الأفضل وأولى هذه النقاط :

العودة إلى الديمقراطية الحقيقية وإطلاق الحريات الصحفية واعتماد حكم محلي كامل الصلاحيات وإجراء تعديلات دستورية تضع حدا للحكم الفردي المطلق واعتماد التداول السلمي للسلطة كآلية ديمقراطية ثابتة مهما كانت الظروف .. إن على الرئيس اليمني علي عبد الله صالح مثلما قدم صيغة للوحدة العربية وتفعيل العمل العربي المشترك والتي سماها باتحاد الدول العربية لتكون بديلا عن الجامعة العربية عليه أن يتلقف أي مبادرة واقعية يقدمها قادة الرأي أو يقدم فخامته مبادرة ترفع الظلم عن اليمنيين وتضيف ألقا للوحدة اليمنية وتنهي الاحتقانات وحالة التذمر .. فاللحظة التاريخية لاتزال مؤاتية فإما أن يصنع اليمنيون له تمثالا من ذهب وإما أن يختلفوا حتى على بناء تمثال من طين .

M_hemyari_y@yahoo.com