الحج مابين العبادات .. وافتعال الأزمات
بقلم/ ابو الحسنين محسن معيض
نشر منذ: 15 سنة
الثلاثاء 17 نوفمبر-تشرين الثاني 2009 07:26 م

الحج الركن الخامس في الإسلام لمن استطاع إليه سبيلا .. أداء المناسك تقربا إلى الله .. اجتماع المسلمين السنوي العالمي من كافة الأقطار .. عربية وأعجمية .. غنية وفقير .. قوية وضعيفة .. فيه المساواة والتجرد لله وهو يوم العودة إلى الله والرجوع كيوم الميلاد نقيا من الخطايا والذنوب ... وهو كذلك موسم نشر الأفكار والمعتقدات والتعريف بالتوجهات السياسية والجماعات التنظيمية ... وهو موسم لم يغفل عنه النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بل كان يستفيد منه في مكة للتعريف بدين الإسلام للقادمين من خارجها ولنشر مبادئه السامية وما يدعوا إليه من مكارم الأخلاق ومحاسن المعاملات .. وعلى الطرف الأخر وقفت قريش متأهبة فقد وعت أهمية هذا الموسم وما سيجلبه من ضرر وأذى فاجتمعت في دار ندوتها لتقرير المصير وكيف تواجه الخطر القادم على معتقداتها من محمد ( صلى الله عليه وسلم ).. ومع الفارق في القياس تقف اليوم المملكة العربية السعودية في مواجهة التحدي الخطير الذي تخشى تفشي أثاره وانتشار أضراره في هذا الموسم الكريم وهو ما تسعى المملكة جاهدة ومشكورة أن لا يحدث فقد نصبت من نفسها ( وحق لها ذلك ) أن تكون خادمة لبيت الله الحرام ولمسجد النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وللقادمين لأداء شعائر الحج أو العمرة فيه .. ومن تكرم من الناس بأدائهما يلمح جليا الجهد الكبير المبذول لتحقيق تلك الغاية السامية.

والتحدي في هذا العام يكمن في أمرين : أولهما وبائي المتمثل في أنفلونزا الخنازير وهو أمر تستعد له المملكة باللقاحات والفحوصات اللازمة , والثاني هو التخوف من افتعال الأزمات السياسية والاعتقادية عبر فئات قليلة قادمة تظهر حجا وعبادة وتبطن رجسا وعداوة وساعية لنشر فكر ومنهاج تنتهجه دولة أو فئة وتهدف من خلال هذا التجمع العظيم إلى نشره والتعريف به ولفت أنظار العالم إليه إضافة إلى إحراج الدولة القائمة على أمر الحجيج , وهو أمر قد سبق حدوثه في مواسم سابقة ففي 1407هـ شهد الحج تجمعات و تظاهرات للحجيج الإيرانيين رفعوا خلالها صورا للخميني ، هتفوا باسمه ونادوا به زعيمًا للعالم الإسلامي وكانوا يخفون تحت ملابس الإحرام سكاكين وخناجر استعدادًا لاقتحام الحرم المكي ومبايعة الخميني في قلب الكعبة زعيمًا لعموم المسلمين ووقع الصدام بين قوات الأمن التي أدركت المخطط الشيعي الإيراني، وسالت الدماء بأرض الله الحرام وفي موسم 1409 هـ ـ قامت مجموعة شيعية جعفرية بتفجير عبوات ناسفة بمكة أدت لمقتل بعض الحجاج الأبرياء وغير ذلك من المناوشات والتدافعات على مر التاريخ واليوم يتجلى الخطر أعظم وأوسع وخاصة في ظل تعدد الجهات التي تسعى جاهدة لإثبات وجودها والإعلان عن مدى قوتها وطول باعها في الوصول إلى قلب اكبر حدث إسلامي تشرف عليه المملكة مباشرة .. كمنظمة القاعدة التي لم تنس بعد الضربات الموجعة التي وجهتها لهم قوات الأمن السعودية فيما مضى وتحاول الرد عليها ولو بقتل حجيج بيت الله الحرام فذلك مباح في منهاجهم مادام الأمر سيؤدي إلى ضرر على الدولة السعودية ,وهي جماعة ظهرت بثوب جديد بتوحدها مع فرع اليمن لتكوين ما يعرف بتنظيم القاعدة فرع جزيرة العرب وهناك جماعة الحوثيين اليمنيين اسما وجنسية والإيرانيين معتقدا وفكرا .. والذين يعيشون في خضم مواجهات عنيفة على الحدود الجنوبية بينهم وبين قوات المملكة... وهي قد تسعى إلى نقل ساحة الصراع إلى العمق بدلا من الحدود وفي موسم الحج فرصة ذهبية لا تعوض لتحقيق ذلك .. ويتجلى الخطر ربما بتمكن هذه المجموعات سابقا من الدخول وتكوّين خلايا نائمة في الداخل تنتظر يومها الموعود , وخاصة في ظل تواجد لا يستهان به لفكر القاعدة والأمامية الأثنا عشرية داخل أراضي المملكة في العديد من المناطق جنوبا وشرقا , ولا ننسى وجود من يحمل هذا الفكر في دول مجاورة وكلها أطراف محيطة تسعى لتحقق بعدا استراتيجيا وتواجدا فاعلا طالما خططت له ولكن لم يحن الوقت المناسب لتنفيذه, "والحوثيون وغيرهم من النظائر المحيطة والساكنة ارض المملكة لا يختلفون عن القاعدة بل لديهم الأهداف ذاتها التي تستهدف المملكة خدمة لقوى تحاول تهميش دور السعودية بثقلها الاقتصادي والسياسي والديني" وعليه فقد تستغل هذه الجماعات هذا الموسم العظيم والتجمع الكبير وبالتعاون والتخطيط المسبق مع امتداداتها الإقليمية الأخرى في المنطقة لتحقيق أهداف لطالما سعت إلى تحقيقها ولن تجد وقتا أفضل ولا زمانا أنسب من هذا العام وبوسائل مختلفة فقد يكون بإراقة الدماء أو بتوزيع منشورات هادفة وهادمة أو بهتافات معبرة عن رأي محدد , وكل ذلك في نظرها يحقق هدفا مرسوما يتوزع ما بين العمومية والجزئية .. فهل يا ترى قد دبرت هذه وتلك أمرها بليل حالك الظلام لتعلن عن ضربتها الكبرى في موسم الحج 1430؟! ولتقول أنا هنا فاسمعوني .. أنا هنا ولن يكون احد بمنأى عن يدي الطولى .. أنا هنا فإليكم ردي وجوابي ..فلا اعتبار للزمان ولا للمكان في إيقاف تنفيذ مخططي .. فان حصل ذلك فهو بمثابة انتحار سياسي وديني لمن سيقوم به .. ولكنه غير مستبعد لما وصلت إليه هذه الطوائف من جنون العظمة وقوة المعتقد الخاطئ والطاعة المطلقة العمياء لمن ترى فيه العصمة والولاية .. والتقرب إلى الله بسفك دماء المسلمين .. والغاية تبرر الوسيلة .. ومن لم يكن معي فهو عدو لي .. وعليه فتجد المملكة نفسها في تحد جديد يضاف إلى العديد من التحديات الأخرى كالزحام والحوادث المتفرقة والأوبئة وغيرها ولكنه تحدي من نوع أخر .. إثبات ذات لحاكم متمكن واثبات قدرة لدولة قوية وكل ذلك في ظل وجود العديد من الخصوم والمتآمرين وبتربص خفي لمن يتمنى فشلها أو تهاونها ليبدءا مسيرة الاستعادة وتعريب ارض الحرمين سياسيا .. وهو أمر لن تتخلى عنه حكومة المملكة .. فأساس وجودها مكة والمدينة وعنوان تواجدها خدمة هذين الحرمين الشريفين .. ومما ليس فيه شك أن المملكة تدرك هذا جيدها وحتما قد استعدت له بكل قوة وقدرة .. ولكننا نخشى من الثغرات البسيطة و الهفوات الصغيرة وان تأتي الإصابة من جهة موصوفة بأنها آمنة وساكنة .. فلا بد من مراجعة جديدة قبل يوم التروية وإصلاح الخلل وسد الفجوات .. وان كان من كلمة أخيرة فإننا نتمنى عدم حدوث شيء من ذلك فيكفي امة الإسلام صراعها وسيلان دمائها ومهاتراتها على الحدود وفي أروقة السياسات المحلية والدولية ولا حاجة لنقلها إلى أفضل مكان وأقدس بقعة على هذه البسيطة وان كان لا بد من سيلان دماء فلتكن دماء الهدي والأضاحي تقربا إلى الله بدلا من دم الأخ المسلم الذي حرمه الله تعالى .. وان كان من صوت سيرتفع ويعلو فليكن هو صوت التهليل والتكبير والله ولي المتقين .