الحوار والجوار
بقلم/ محامية/ليندا محمد علي
نشر منذ: 11 سنة و 7 أشهر و 14 يوماً
الثلاثاء 02 إبريل-نيسان 2013 10:27 ص

يستمد مؤتمر الحوار الوطني في اليمن مشروعيته من المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومن قراري مجلس الأمن الدولي رقم 2014، 2015 وهو ما يعني أن مهمة انعقاد المؤتمر وإنجاح أهدافه ليست فقط مناطة باليمنيين وحدهم بل أن للشركاء الدوليين والإقليميين دورا مهما وأحيانا حاسما في الوصول بمؤتمر الحوار إلى غاياته المنشودة.

نقول هذا ليس ابتزازا لأحد ولا بحثا عن صدقة من أحد لكن أصحاب المبادرة يدركون جيدا أن الشعب اليمني الذي قبل مبادرتهم وتجرع مرارة منح الحصانة لمن أساءوا إلى تاريخه واستباحوا دماء أبنائه وعبثوا بثرواته وشوهوا معاني الانتماء إلى هذا البلد الكريم، هذا الشعب لم يفعل ذلك إلا تقديرا لمواقف أشقائه الذين يعتقد أنهم سيكونون له عونا في لحظات الشدة الناجمة عن سياسات أنتجها النظام الذي أنقذوا قادته بمبادرتهم.

اليوم انطلقت أعمال مؤتمر الحوار الوطني في لحظة تتجه أنظار العالم كله إلى اليمن ويتوقع اليمنيون أن يكون الجوار العربي والخليجي على وجه الخصوص منشدا إلى ما تشهده اليمن من تفاعلات سياسية، ولم يكن أحد يتصور أن يتزامن مع بد أعمال المؤتمر البدء بتلك الحملة الواسعة التي تشهدها المملكة العربية السعودية ضد المهاجرين بمختلف الحجج التي لا ذنب لليمنيين فيها سوى أن من يحكم بلدهم قد جعلهم يتحملون كل الإهانات فقط ليدبروا المعيشة التي فشلوا في تدبيرها من ثروات بلدهم.

إن جيلا كاملا من اليمنيين قد قضى شطرا كبيرا من عمره يخدم المملكة ويساهم في بناء منشآتها وبنيتها التحتية ومرافق الخدمات فيها، ويساهم بما أمتلك من قدرات في النشاط التجاري والخدمي والاقتصادي، لقاء تدبير معيشته وأفراد أسرته مما يتلقاه من أجور أو يتحصل عليه من فوائد من عمل مشروع ليس فيه ما يضر بالمملكة وأهلها.

يتوقع المتابعون أن تطال الحملة السعودية عشرات وربما مئات الآلاف من اليمنيين المقيمين، الذين قد يخسرون فرص عملهم بحجة مخالفة نظام الكفيل، . . .ليس لدى أحد اعتراض على أنظمة المملكة الشقيقة، ولن نتعرض لما تتناوله المنظمات الحقوقية الدولية من مطالبات بتغيير هذا النظام، باعتباره شأن يخص المملكة والدول الذي تتبعه، لكن ما يمكن قوله هنا أن معظم تأشيرات الدخول التي يحصل عليها الوافدون إلى المملكة (واليمنيون على وجه الخصوص) تتم عن طريق كفلاء لا عناوين لهم ولا يمتلكون مرافق تشغيل بل يتم تسويق هذه التأشيرات عن طريق سماسرة ولا تصل التأشيرة إلى مستخدمها إلا بعد أن تكون قيمتها قد بلغت عشرات الآلاف من الريالات السعودية، بينما تكون صادرة من السلطات الرسمية السعودية التي تعلم هي أن من منحت لهم تلك التأشيرات هم مجرد كفلاء وهميين أو تجار تأشيرات ودائما ما يكون ضحايا هذا النوع من التجارة المغشوشة هم الوافدون اليمنيون.

يعلم الإخوة في المملكة السعودية أن الآلاف من الأعمال الصغيرة، والمتوسطة كالبقالات والبوفيتات والمطاعم والسوبر ماركتات والورش وخدمات السيارات وما شابهها مسجلة بأسماء الكفلاء، وهي في حقيقة الأمر أملاك لغير الكفلاء لكن النظام السعودي لا يسمح لغير السعوديين بامتلاك مؤسسات تقوم بأعمال كهذه ولا حتى غيرها وهو ما يضطر هؤلاء للتفاهم المبطن مع ملاك وهميين تسجل تلك المرافق باسمائهم، وهذا يكلف الملاك الحقيقيين الكثير من المتاعب، ومن حسن الحظ أن الحالات التي تمرد فيها الكفيل على المالك الحقيقي واستولى على ملايين الريالات التي كونها المالك على مر عقود ليعود إلى داره صفر اليدين لا تتكرر كثيرا، لكنها حصلت.

الملاحظ هنا أن العقوبات القاسية تكون من نصيب المهاجر المسكين وهو الضحية وقد تصل العقوبة إلى إغلاق المحل والطرد بينما الكفيل الوهمي بمنأى عن أي مساءلة وهو ظلم مضاعف حينما يعاقب الضحية ولا يساءل المتسبب في المشكلة وهو الكفيل السعودي الذي استورد العمالة دون أن يتحمل مسئوليته في تنفيذ العقد بينه وبين المكفول.

 *   *  *  *   *   *

من أطرف ما دار في جلسات مؤتمر الحوار الوطني التي تناولت الحملة على المغتربين اليمنيين في السعودية موقف رئيس الجالية اليمنية في الرياض طه الحميري الذي كان يتصدى لكل من يحاول تناول تلك المظالم وبدا سعوديا أكثر من أي ضابط استخبارات سعودي وكان آخر ما قاله، تحريفه للحديث الشريف بالقول" من اراد منكم أن يتكلم فليقل ما يرضي الشعب السعودي أو ليصمت" . . .يبدو أن سعادة رئيس الجالية: الذي يفترض به أن يكون مدافعا عن حقوق العمالة اليمنية لا يعلم أن بعض المغتربين يقضون أشهر بحثا عن الكفيل الذي قد لا يجده، ويبدو أن السيد رئيس الجالية ومثله العشرات من رؤساء الجاليات الذين اختارتهم أجهزة الاستخبارات اليمنية لا يعلمون أن العامل اليمني قد يدفع للكفيل آلاف الريالات لقاء أصغر معاملة حيث لا تقبل من العامل أي معاملة إلا عبر الكفيل، وقد لا يعلم سيادته أن العامل يدفع 2500 لمكتب العمل و700 ريال تأمين صحي مقابل خدمة لا يحصل عليها، و1500 ريال لتجديد الإقامة، كما يدفع مئات الريالات لمكاتب التعقيب التي لا تقبل أي معاملة إلا عبرها، وإذا ما اضطر إلى نقل الكفالة وهي حاجة دائمة للوافدين الجدد فإنه يدفع 2000 ريال للنقلة الأولى و4000 للنقلة الثانية وهكذا دواليك، وسيادة رئيس الجالية مشغول بـ"ما يرضي الشعب السعودي" الذي قد لا يكون له أي علاقة بتلك الإجراءات الظالمة بحق ملايين اليمنيين الذين أمضى بعضهم أكثر من نصف عمره في خدمة المملكة.

وقد لا يعلم سيادة رئيس الجالية أن الكثير من هؤلاء قضى شهورا وسنوات يكد ويكدح حتى يسدد ثمن التأشيرة التي يمكن أن تنزع منه بغمضة عين لمجرد عدم وجود الكفيل الذي استدعاه ولم يوفر له عمل، وبدلا من معالجة قضايا هؤلاء ينشغل معاليه بـــ"ما يرضي الشعب السعودي".

*      *      *      *

 يتساءل الكثير من السياسيين اليمنيين والمتابعين للشأن اليمني: هل إجراءات المملكة الشقيقة ضد المهاجرين اليمنيين (المخالفين لنظام الكفيل) هي هدية المملكة الشقيقة للشعب اليمني بمناسبة مؤتمر الحوار الوطني بمقابل هدية الحصانة التي قدمتها المملكة وشقيقاتها للطاغية المخلوع الذي أهان الشعب وحول نصفه إلى متسولين في بلدان الشتات؟

في هذه الحالة سيكون من حق اليمنيين المطالبة بإلغاء الحصانة التي منحتها المملكة وشقيقاتها لناهبي أموال الشعب اليمني والبدء بحملة استعادة الأموال اليمنية التي نهبها الطاغية وحاشيته وهي كفيلة بتعويض ضحايا الهجرة القاسية إلى المملكة الشقيقة وتحويل اليمنيين من متسولين إلى مليونيرات.