علماء تحت الطلب
بقلم/ د. عيدروس نصر ناصر
نشر منذ: 13 سنة و شهر و 12 يوماً
الثلاثاء 04 أكتوبر-تشرين الأول 2011 02:24 م

كنت حتى وقت قريب ما إن أستمع إلى مفردة علماء (جمع عالم، أو رجل علم) حتى أشعر بالمهابة والتقدير العاليين تجاه الموصومين بهذه الصفة التي ليس بمقدور كل امرءٍ أن يحوز عليهاـ مع إقراري المسبق أن مفردة عالم تعني كل متخصص في علم من العلوم المعقدة التخصصية التي يستغرق الإلمام بمبادئها (فقط) عشرات السنين، ولا يكفي العمر كله لبلوغ عوالمها اللامتناهية، سواء كان ذلك العلم من العلوم الشرعية أو العلوم الطبيعية، كالفيزياء والفلك والرياضيات والبيولوجيا وتفرعاتها، أو العلوم الإنسانية التي غدت اليوم تتفرع إلى عشرات الأفرع،. . . لكنني اليوم بدأت أشعر بالألم وقد تمت استباحة هذه المفردة المهابة والمحترمة لتتحول إلى سلعة يستطيع أن يشتريها كل من يرغب ويوجهها كما يبتغي ويدفع لأصحابها ما شاء نظير شرائه تلك السلعة ، وهو ما يجعلنا نراجع موقف التوقير الذي ظللنا نتعامل به تجاه من ندعوهم بالعلماء.

بالفتوى التي أصدرها عدد من يسمون أنفسهم بجمعية علماء اليمن نكتشف أننا أمام أنواع من (العلماء): علماء العلم وعلماء السلطان، الأولون يحترمون قيمة العلم، أي علم كان ليسخروه فقط في مجال تخصصه لما يخدم البشر والأوطان ولا يخلطون به أمورا لا علاقة لها بهذا العلم، والآخرون يحولون هذا العلم إلى بضاعة تحت الطلب يسخرونها لمن يدفع قيمتها حتى وإن كان من قتلة الأطفال والمجرمين ومستبيحي دماء الأبرياء وبذلك فإن قيمة ما لدى هؤلاء من علم قد تدنت إلى أسفل درجات العلاقات السلعية.

لو أن هؤلاء لديهم علم يريدون به إصلاح أمور الدنيا لكان بإمكانهم منذ اليوم الأول لاندلاع الثورة أن يقولوا رأيهم، ونحن نعتبره رأي لا علاقة له بالدين والشر ع باعتبار الدين يمتلك درجة من السمو والقدسية لا ينبغي إنزالهما إلى درجة الأشياء الدنيوية المدنسة والمتغيرة والقابلة للتعديل والتحسين والتطوير أو حتى للتشويه، لكن هؤلاء انتظروا حتى طلب منهم الحاكم تقديم ما لديهم من بضاعة ليشتريها منهم في سوق المزاد ويسخرها في حربه الإجرامية ضد الشعب وأبنائه.

العلم أي علم سواء كان طبيعيا أم إنسانيا، ينبغي أن يخدم الإنسان في مواجهة متلطبات الحياة وتعقيداتهاـ أما عندما يغدو العلم أداة من أدوات القمع والاستلاب والتنكيل والقتل فعندئذ ينعدم الفرق بينه وبين الممنوعات والسموم وأي بضاعة غير شرعية من تلك التي تسوقها عصابات المافيا وتجار المهربات.

يا هؤلاء: هل سألتم أنفسكم وأنتم تقفون أمام ضمائركم (على افتراض أن لديكم ضمائر تعمل ومشاعر تحس) هل سألتم أنفسكم أي كوارث ستترتب على ما قدمتم من مبررات للقتل والتنكيل وقصف القرى وتصفية الخصوم السياسيين بحجة الخروج على ولي الأمر وهل نسيتم قول الرسول الكريم: "أن من أعظم الجهاد عند الله قول كلمة حق أمام سلطان جائر"؟ وهل هناك جور أكثر من قتل الأطفال وتدمير المنازل فوق ساكنيها، وتجويع الشعب على مدى أشهر، واستباحة دماء المسلمين، وفتح أجواء وأراضي الوطن للأجنبي يفعل ما يشاء دونما حسيب أو رقيب، والأهم من هذا هل تحول الجهاد إلى مروق يجب أن يقتل كل من يتبناه؟ وأخيرا، إذا ما صحت فتواكم هذه هل المطلوب من ثوار سبتمبر أن يعتذروا لآل حميد الدين بسبب الوقوف في وجههم، والإطاحة بهم في العام 1962م باعتبار ذلك خروج عن طاعة ولي الأمر؟، وإذا كانت المظاهرات محرمة فكيف سمح لأنصار الحاكم بالتظاهر وتحريمها على خصومه؟

يا هؤلاء هل تعلمون أن فتواكم ستغدو مبررا لكل عملية قتل أقدم عليها نظام علي عبد الله صالح، منذ مقتل الحمدي وعيسى محمد سيف، حتى حرب 1994م على الجنوب وحروب صعدة الست فحادثة جمعة الكرامة ومذبحة الأسبوع الأخير من سبتمبر 2011م، والسؤال الأهم أين ستذهبون عندما تواجهون أولادكم وأحفادكم الذين منهم من يؤيد الثورة الشبابية السلمية، ويرفض أن يأكل من الريالات التي حصلتم عليها لقاء فتواكم الحربية هذه؟

برقيات:

* زج الدين في السياسة برهن على أن هناك من يستطيع أن يستخدم الدين لتبرير الشيء ونقيضه وهنا تبدو أهمية عدم الزج بالدين في قضايا السياسية.

* بفتوى العلماء يبرهن هؤلاء إنهم علماء تحت الطلب وإنهم مستعدون اليوم أن يفتوا بما يطلب منهم وسيفتون بالغد بما يطلبه منهم من سيأتي إلى كرسي الحكم حتى وإن تناقض مع ما قالوه اليوم.

* قال الإمام الشافعي رحمه الله:

كلما أدبــــني الدهر أراني نقص عقلي

وإذا ما ازددت علما زادني علما بجهلي