ما بين حوارين .. النجاح والكساح
بقلم/ أ.د/محمد بن حمود الطريقي
نشر منذ: 16 سنة و شهرين و 16 يوماً
السبت 30 أغسطس-آب 2008 07:37 م
مأرب برس ـ خاص
" تهاني القلبية .. ألف مبروك سعادة البروفيسور .. لقد لاقى اختراعك الأخير أفضل القبول والاستحسان من (مكتب براءات الاختراع والعلامات التجارية في الولايات المتحدة الأمريكية ) وتمّ منحك براءة اختراع أمريكية رقم : (7416565 ) بتاريخ 26/8/2008م عن ابتكارك الجديد في مجال تصميم جهاز متقدم لتطوير حركة القدم الاصطناعية في الأطراف الاصطناعية للمبتورين "
قبل أن يقول لي مرحباً ( كما عودني دوماً) وقبل أن يسألني عن صحتي وعملي كانت تبريكاته تسبق كلّ كلامٍ من أبي الكلام ..كان السيد روبرت.. وكيلي في مجال حقوق الملكية الفكرية وبراءات الاختراع التقنية من ولاية تكساس بالولايات المتحدة الأمريكية ...
لكن هذه المرة لم أشعر أن محاميَّ كان يجاملني .. أو يزيّن لي أمراً .. هذه المرة هزّ وجداني وأراق دمع قلبي ومقلتي .. كان يتحدث وكأنه هو صاحب الاختراع أو كأنه سيستفيد (على الأقل) من هذا الاختراع في المراحل القادمة.. حماسه كان منقطع النظير ولهفته تتغلغل في نبرات صوته وكلها كانت توحي بحبٍ كبير.. " إختراعك يا دكتور سيفيد الملايين من المعاقين وسيدخل البهجة والأمل إلى نفوسهم وإلى ذويهم ولن يكونوا عالةً على غيرهم " .
" دكتور .. كم أنا فخورٌ بمعرفتي بك .. دكتور كم تمنيت أن أكون سعودياً لأفتخر بك ( رغم أن للأمريكي ميزات لا يتمتع بها أحد هذه الأيام ) ، فقط لأقول للناس إن هذا الشعب معطاء .. حرّ مفكر مبدع .. شعب ذكي بعقول مُتّقدة متنوّرة .. شعبٌ ينتج إبداعات لمساعدة الضعفاء من الناس كل الناس دون تمييز .. شعبٌ لا ينتج سوى الخير والحب والسلام " .
" دكتور .. ليتني أستطيع التحدث مع كل فردٍ من أبناء مملكتكم الغالية لأبارك له إنه إنجازٌ فريد يستحق التكريم والرعاية ".
استمر المحامي المحترم في مكالمته الهاتفية التي خففت عليّ ولو من الناحية النفسية - على الأقل - عبء أتعابه المالية الباهظة .. هذه المكالمة التي بشرتني بخير قادم – بإذن الله - وشعرت أنه يتحدث من قلبه .. لم يكل ولم يمل .. لم تعد أذني تسمع سوى كلمة دكتور .. لكثرة ما رددها.. استمر هو في حواره .. واستغرقت أنا في حوارٍ آخر يختلف كثيراً عن هذا الحوار .. قبل حوالي عقدين من الزمن كنت في الولايات المتحدة الأمريكية أتابع تحصيلي العلمي العالي وأبحاثي العلمية التطبيقية في هندسة تقويم الأعضاء وتأهيل المعوقين .. لم أكن متطفلاً في هذا البلد فقد تعلمت فيه وعلّمتُ فيه بصفتي أستاذاً زائراً لكلية طب جامعة نورث ويسترن في شيكاغو بولاية إلينيوي.. لم ترسلني بلادي العزيزة الكريمة الغالية للفسحة ولا للمتعة.. وإنما تطبيقاً للمأثور من الأقوال : " الحكمة ضالة المؤمن .. أنّى وجدها التقطها " و " أُطلب العلم ولو في الصين ".. ذهبت لأعود محملاً بعلوم وتكنولوجيا العصر الحديث لعلّي أُسهم ولو بقدرٍ ضئيل في نهضة بلدنا المقدس المبارك الآمن المطمئن .. أثمرت دراساتي عن أبحاث علمية وبراءات إختراع.. واليوم هذه هي براءة الاختراع الثالثة .. وكلها لمصلحة المعاقين ممن بُترت أقدامهم وسيقانهم .. وهؤلاء الناس يشكلون شريحة كبيرة من المجتمع ومنهم :
1- المعاقون بسبب الحروب والطلقات النارية .
2- المعاقون بسبب حوادث المرور.
3- بعض العمال في المصانع والمناجم .
4- مرضى السكري بسبب إصابتهم بالقدم السكرية .
5- مرضى انسداد الشرايين والغانغرين والتهاب الوريد الخثري.
6- مرضى الأورام الخبيثة ( السرطانات ).
آلمني رؤية هؤلاء يستعملون العكازات التي تخلع الكتف .. ورؤية الأطراف الاصطناعية التقليدية الثابتة وهي تحد من الحركة وتعيق المعاق في حركته وسيره وجلوسه .. صرفت كثيراً من الوقت والليالي في دراسة حركة مفاصل الإنسان وآليات حركتها .. ودرجة دورانها ومحاورها المختلفة .. رسمت الكثير من المخططات .. حللت الكثير من المعادلات الرياضية والهندسية.. والحمد لله فقد وُفقت فأنجزت تصميماً ميكانيكياً من شأنه تطوير حركة الأطراف الاصطناعية السفلية.. وقبل هذا الاختراع كان هناك اختراعين آخرين لخدمة المعوقين لاقت القبول والاستحسان والتقدير في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا وحصلتُ ( بسببها) على عدد من الأوسمة وشهادات التقدير ".
 المملكة العربية السعودية وطني الغالي وبلدي الحبيب هو مصدر فخري وإلهامي .. أرض النبوة بلد العطاء والوفاء والسلام .. شعب المملكة العربية السعودية إخوتي .. أبناء بلدي ( ومن ليس فيه خيرٌ لأهله وبلده .. لا خير فيه للآخرين ) .. أما مليكنا الغالي فهو حبيب القلوب .. كبيرالعقل والروح .. ملك الإنسانية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود وسمو سيدي ولي عهده الأمين الأمير سلطان بن عبدالعزيز هو رمز العطاء بلا حدود – يحفظهما الله ويرعاهما – حيث قبل حوالي عامين تكرم عليَّ والدي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز بوسام الملك المؤسس – طيّب الله ثراه – وهو من أرفع الأوسمة التي تمنح في مملكة العزّ والإيمان والسلام .. فكان تكريمه لنا كرماً منه وفخراً لنا وشمعة وقنديل نورٍ في طريق نهضتنا وتقدمنا.. وألهب فينا مشاعر الفخار .. وأطلق في نفوسنا الأمل .. وحفزنا لمزيد من العطاء والعمل .. وهذا هو فعلاً ما حفزني على إنجاز هذا الابتكار الثالث الذي حصلت من أجله على براءة اختراع أمريكية والحمد لله.
مليكنا المفدى وسمو ولي عهده غرسا أروع الغراس .. وهناك مسؤولون وأصحاب قرار من الصف الثاني والثالث مكلفون بسقايتها ورعايتها.. أين هم ؟! هل تسمّروا في مكاتبهم ؟!! هل من البرود تجمدوا ؟! أم أنهم معاقون أيضاً يسيرون بساقٍ واحدة ؟! لذا فهم يفضلون أن يبقى الجميع بساقٍ واحدة؟! لقد اختط خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين أروع الخطوط والطرق المستقيمة القويمة في سبيل نهضة البلاد وإعلاء شأن الأمة ودفعها على طريق الازدهار والتطور فأين الجنود الآخرون ؟! أليسوا أصحاب قرار ؟! فإن لم يكونوا أصحاب قرار فلماذا يبقون في مناصبهم ؟! .
 لماذا حبسوا أنفسهم عن ركب الحضارة.. لماذا وضعوا العصي في العجلات فلا هم يتقدمون ولا يريدون لأحد أن يتقدم ؟!.. لماذا حبسوا الإنجازات والاختراعات وأغلقوا عليها في الملفات والمصنفات والأوراق ؟! .
الحوار الأول مع المحامي الذي لم يتوقف عن الحديث إلى الآن .
الحوار الثاني مع المعوقين والمعوِّقين الحقيقيين الذي لا زال مستمر أيضاً .
 انتظروا حواراً ثالثاً .. حواراً حراً صادقاً من شخص سعودي مسؤول متفتح القلب والعقل ليغير هذا الواقع المرير .. فهل من مُحاور ؟! .