الواقع الوطني ليس دعاية إعلانية
بقلم/ كاتب/رداد السلامي
نشر منذ: 15 سنة و 4 أشهر و 20 يوماً
الإثنين 29 يونيو-حزيران 2009 07:24 ص

الغريب دوما هو تحويل المثل الوطنية والدينية ، إلى أدوات ، لتدخل عملية الاستخدام السياسي ، متى اقتضت الحاجة لدى المهيمنون .

فالوحدة مثلا توظف بطريقة دعائية جذابة ومغرية ، لتتحول إلى أسطورة تجرد الشرعية ممن يحاول البناء الوطني ، آخذا في حسبانه الاختلاف المحلي ، والتنوع كسمة وطنية بارزة.

للوحدة التي تحققت في 22مايو 1990م شروطا معروفة ،كان الشريك الفاعل في تحقيقها قد أصر وبقوة عليها ، رغم أن الذين شاركوا ضربه كقوة توازن وطني هام ، رفضوها بداية ، وساندوا الذين أفرغوها من محتواها ، مع أنهم الآن مازالوا أحرارا نسبيا بفضلها.

وإشكالية الذين ضربوا التوازنات ، أنهم يلعبون دورا كبيرا في إضعاف أي حركة وطنية ، تريد العودة إلى جوهر الوحدة ومضامينها وشروطها ، لأسباب عدة ، منها أن الفاعلين فيها ينتمون إلى المركز "المقدس" كقيادات معارضة ، وهذا الإضعاف يتم بطريقة غير مباشرة غالبا ، مع أنهم يدركون أنهم لن يصلوا إلى الحكم ، لكنهم يحكمون فعلا ، كقوى تقليدية ، جمعتها جغرافيا وتاريخ وكونت حولها ثروة.

كما أن القيادات "الشكلية" التي تنتمي إلى الجغرافيا "المهمشة " مصابة بالغباء السياسي ، والتشدد ، ولديها اندفاع غبي في الاستجابة لتعاليم القوى التقليدية التي تتبعها ، وتستخدم إيمانها بالمثل والمقدسات استخداما ذكيا ، بحيث لايدركون حقيقة الصراع ومحركاته ، ولعبته المختلة التي تنمي هذا الفوضى ، وتعزز من حالة السكون العام.

كما أن تلك الجغرافيا الوطنية المهمشة ، تعاني من غياب قيادات حقيقية فيها ، كونها تقاد بواسطة شخصيات ، لديها إحساس بانتمائها للمركز المقدس ، الأمر الذي يجعلها تقودهم بوعي المركز ذاته ، فأبناء تلك المناطق لايدركون أنهم ضحية هذه الشخصيات التي تقودهم بوعي تأبيد الولاء للمركز بواسطة مقدسات مفترى عليها.

ما تقدم ليس بهدف مناطقي ، لكن تسمية الأشياء بمسمياتها مزعج للبعض ومثير لكوامن حقيقتها ، بل بهدف تفسير الأمور إلى أي حد تبدو الأمور غامضة غير مكشوفة ، لأن الذين يديرون البلاد يديرونها هكذا بوعي التشتيت وتخليق التناقضات في المناطق المهمشة التي يحتمل منها أن تكون فاعلة مستقبلا في عملية النضال والتغيير .

ودوما يتعمد النظام الحاكم ، تكريس حالة من العداء بين هذه المناطق ، ويسهر على تغذية نار الصراعات فيها وتأجيج بعضها ضد بعض كشكل من أشكال استباق أي تلاحم وطني فيما بينها ، إنه يستخدم كل ذلك بالإضافة إلى تحريك الذاكرة الماضية ، والتي غالبا ما كان شريكا في إنتاجها ، كي يضمن عدم أي وحدة وطنية حقيقية على أسس راسخة تحمل توليفة ضرورية من الإصلاحات التي تجسد مبدأ الشراكة الوطنية عمليا .

إنها سياسة العداء التي تولد حالة من العزلة ، والتي تمكنه من الاستخدام الدائم ، الناشئ عن قطيعة دائمة.

والسياسي الذي يحاول إقناعك بأن الأمور ليست كما تقول ، قد يكون مثاليا في وطنيته ، مع السياسة ليست مثاليات مجردة ، بعضهم يدرك ذلك لكنه يتبنى سياسة لاتثير المزيد من التناقضات أو ربما يفسر الأمور على نحو مختلف.

الأمور ليست على هذا النحو المثالي ، نحن بحاجة إلى لمغامرة بالحديث عن ما يستوجب الحديث عنه ، بوضوح ، الجميع يجب أن يتوفر لديهم الوعي لتقبل الحقائق كما هي أيضا ، دون أي انزعاج ، اللغة الغامضة تثير المزيد من تتويه العقل ، وتنتج وعيا غامضا ، ويخدم الأطراف المهيمنة ، ويجعل اللعبة ألذ وأشهي كـ"كشمس القمرية " و"ألو ألو سمن لتلفوني ألحقني" مجرد دعايات إعلانية ترغب المستهلك ، لكنها ليست بتلك الجودة المغرية.

الجنوب قوة وطنية حرة ، وتجاهلها ، لن يلغيها ، أكرر ذلك للمرة الألف ، إنه لديه قدرة على فرض ما يريد ، ولن يلغى من خارطة الوجود الوطني ، ولو ضحى صالح بالشمال كله وليس مليون فقط ، إنه سيظل فوهة البركان الوطني الثائر والمتأجج بالرفض والنضال ، مصدرا خصبا للمانعة لكل وضعا غير وطنيا أو إنسانيا.

  
عودة إلى كتابات
الأكثر قراءة منذ أسبوع
الأكثر قراءة منذ 3 أيام
علي محمود يامن
عشال …قائد جيش الاستقلال
علي محمود يامن
الأكثر قراءة منذ 24 ساعة
توكل  كرمان
القوة الرقمية للمرأة
توكل كرمان
كتابات
عبد الملك المثيلمن يقتل الأجانب في اليمن
عبد الملك المثيل
احمد طلان الحارثيمطار صنعاء والتطور العكسي
احمد طلان الحارثي
مشاهدة المزيد