اليمن وخطر شرعنة المليشيات خارج مرجعيات العملية السياسية واستعادة الدولة
بقلم/ د. عبده سعيد مغلس
نشر منذ: 5 سنوات و شهرين و 14 يوماً
الأربعاء 04 سبتمبر-أيلول 2019 04:16 م
 

ملشنة المنطقة منهج وهدف استراتيجي لمشروع تفتيتها وتدمير هويتها الوطنية والدينية.

وفي سبيل ذلك يتم توظيف الفقه المغلوط، والعصبيات المذهبية والقبلية والمناطقية، وشراء الذمم والولاء للخارج، ويقود كل ذلك الحقد والغل والكراهية والجهل، وسلوك السقوط الإنساني لخدمة هذا الهدف.

فمن مظاهر إنحطاط الأمم وسقوطها تغييبها للعقل في الحكم على الأشياء واستبدال العقل بالغريزة البشرية الحيوانية، وهذا التغييب يصل بالأمة إلى انحطاط وسقوط أدنى من المرتبة الحيوانية، فغريزة الحيوان تتوقف عند الإشباع، فمثلاً عندما يشبع الأسد لا يصطاد مجدداً ليأكل، بينما السقوط والإنحطاط الإنساني ينطلق بغريزة مدمرة دون توقف، حينها يصبح الإنسان بلا دين وبلا عقل ولا ضمير ولا وازع ولا قيم ولا قانون، أعماله وسلوكه تتجاوز العقل والغريزة الحيوانية ، وبهذا السلوك يسقط من العلو والسلوك الإنساني إلى مرتبة أدنى من السلوك الحيواني، فيخرج من منزلته كإنسان ليسقط إلى مرتبة أدنى من الحيوان، وأدق وصف لهذا السقوط والإنحطاط وصفه الله سبحانه في كتابه بقوله (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ ۖ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا ۚ أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ) الأعراف ١٧٩.

(أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ ۚ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ۖ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا) الفرقان ١٤٤.

فما يحدث اليوم في اليمن من خلال بشاعة الجرائم التي تناقلتها وسائل التواصل، هو ممارسة لهذا السقوط والإنحطاط الإنساني، الذي تقوده مليشيات لا تمتلك عقل لتدرك به وتقدر عواقب عملها وارتهانها، ولا تعرف نتائج سوء نهجها وأفعالها، ولا تمتلك حتى غريزة البقاء والمصلحة كالحيوان الذي يحافظ على قطيعه ومنطقة صيده، وحده الغل والكراهية المحدد الأوحد لسلوكها، الساعي لخدمة وتنفيذ مخططات أعداء الوطن، فهي تمارس كل ما وصفته قواميس وقوانين الجرائم ضد الإنسانية، دون وازع من دين أو قيم أو عرف أو أخلاق، لا تُميز بين قريب وشقيق، ولا بين ماضي أو حاضر أو مستقبل، وحده الموت والفناء والدمار عقيدتها وماضيها وحاضرها ومستقبلها، تبحث لنفسها عن غطاء -تبرر به عدوانها وهمجيتها- بمسميات عدة من الدين إلى الوطن والشعب، ترفع بذلك كلمات حق وتريد بها باطل.

هي لا تؤمن بدين فالدين يمنح الحياة والأخوة، ويمنع العدوان والهمجية والتشتت، ولا تؤمن بالوطن فالوطن يمنح التعايش والمحبة ويمنع تمزيقه وبيعه، ولا تؤمن بالشعب فالشعب أصل واحد ودين واحد وثقافة وأخوة واحدة.

هذه المليشيات ليس لها علاقة بأي علم ترفعه أو شعار تنادي به أو هدف تسعى له، هي في طبيعتها وسلوكها ومنهجها مليشيات للموت والدمار ، انقلبت على الوطن وباعته بماضيه وحاضره ومستقبله، خرجت من الدين وجوهره وسماحته وخرجت من الوطن بتعايشه وروابط أخوته، نحن أمام وحشية تجاوزت وحشية الحيوان كما قال الله.

هذه المليشيات تم تشكيلها بتمويل خارجي ولأهداف خارجية، إذ أعلنت مليشيا الحوثي المدعومة والممولة من إيران إسقاط الجمهورية وعودة الإمامة بصنعاء لصالح المشروع الإيراني، وأعلنت مليشيا الإنفصال المدعومة والممولة من الإمارات إسقاط الوطن وعودة التشطير من عدن لصالح المشروع الإماراتي، وكليهما تعملان لإسقاط مشروع الدولة الإتحادية خيار اليمنيين ومستقبلهم، وتسعى هذه المليشيات من خلال رُعاتها لإجبار دولة الشرعية للتفاوض معها خارج العملية السياسية ومرجعياتها المتفق عليها، فعلى ماذا تفاوض الشرعية أعلى شرعنة مليشيا الإنقلاب ومشاريعها، أم على إسقاط الجمهورية وعودة الإمامة، أم على اسقاط الوحدة وعودة التشطير، أم على اسقاط الدولة الإتحادية بأقاليمها الستة، وماذا يبقي حينها من العملية السياسية ومرجعياتها، التي هي أساس التفاوض، وهي العملية التي التقى تحت سقفها ومشروعها اليمنيون جميعاً وارتضاها الجميع لبناء يمن المستقبل تحت سقف المواطنة الواحدة وليس العصبيات، وما انقلب على اليمن الإتحادي غير عملاء الخارج الذين لا يؤمنون باليمن ومستقبله.

يعلم الجميع أنه على أساس إعادة الشرعية والمشروع قدم تحالف دعم الشرعية لليمن والإمارات جزء منه، وليس من مهام الإمارات فرض مليشيات عميلة لها علي الدولة اليمنية وشرعيتها، وليس من مهامها تقسيم اليمن، ولا من مهاما فرض مفاوضات تهدف شرعنة مليشيات خارج العملية السياسية لليمن الإتحادي، وليس من مهامها ولا من حقها وصف الجيش الوطني بالإرهاب، وهو المكون من كل ابناء اليمن وأطيافه المجتمعية المؤمنين بشرعيته ومشروعه، وعلى أيدي تحالف دعم الشرعية تم تدريبه وتمويله، كما أنه ليس من حق الإمارات منع الجيش الوطني من تحرير الأرض اليمنية من الإنقلاب الحوثي والإنفصالي، ومن المؤكد أن الإنقلاب الأنفصالي هو الذي سيمنع الشرعية وتحالف دعمها من القضاء على المشروع الإيراني.

والمتابع والمراقب يجد أن تأجيل حسم القضاء على المشروع الإيراني في اليمن كان بسبب اهتمام الأمارات ببناء مليشياتها ومشروعها لتقاسم اليمن مع المشروع الإيراني.

وعليه تبرز تساؤلات جسيمة أمام اليمنيين وتحالف دعم الشرعية أين ستذهب تضحيات الشعب اليمني؟ وأي وطن إسمه اليمن سيبقى بعد إسقاط الجمهورية وعودة الإمامة أو إسقاط الوحدة وعودة الإنفصال؟ أو إسقاط المستقبل ومشروع دولته الإتحادية؟ أو إسقاط دور التحالف وهدفه؟ لن يبقي لكم أيها اليمنيون من وطنكم غير الكراهية والصراع والموت والدمار الذي سيكون نكبة على اليمن والمنطقة والعالم فمن يسعى لذلك؟

الصمت أمام هذه الجرائم جريمة وخيانة،الصامتون هم الأجراء والخونة، الذين باعوا شعبهم ووطنهم وهويتهم وتاريخهم ومستقبلهم بأرقام بحسابات بنكيه، فألسنتهم مقطوعة وأقلامهم مكسورة وسلاحهم يقتل الوطن فلا كلمة لهم منطوقة أو مقرؤة.

وهاهي معالم يمن المليشيات ودويلاتها نراها بصائر بأعيننا، من أثار للكراهية للدمار والخراب والموت، لقد عبثت هذه المليشيات وما زالت تعبث باليمن بمسمياتها المختلفة القاعدية والداعشية والحوثية والمناطقية والإنفصالية، وما زالت تمارس التوحش في القول والفعل، هي مليشيات ليس لها دين ولا وطن ولا هدف، تسعى لتغيير الدين وتدمير اليمن خدمة لمشاريع غير وطنية ودول أجنبية.

إن شرعنة المليشيات خارج مرجعيات العملية السياسية واستعادة الدولة هو قضاء على اليمن واستقراره وقضاء على محيطه وجواره تنفيذاً لمشروع تفتيت المنطقة.