أمةٌ بين جلد حكامها، وقصف أعدائها
بقلم/ د. محمد معافى المهدلي
نشر منذ: 15 سنة و 10 أشهر و 5 أيام
الإثنين 12 يناير-كانون الثاني 2009 07:20 م

تتألم الشعوب الإسلامية والعربية، وكل أحرار العالم وحتى أحجاره وأشجاره وجماداته، لما يجري ويحدث من مجازر وتصفيات دموية وعرقية، للشعب الفلسطيني، في غزة، وزاد من عمق الألم، استخدام الصهاينة للأسلحة المحرمة دوليا، في حربها ضد الأطفال والنساء والشيوخ العزّل.

على أنّ الجميع يعتبر كل هذا إنما هو فاتورة ضرورية للنصر والعزة والكرامة، وإن كانت فاتورة باهظة الثمن وعظيمة التضحيات.

بيد أنّ الألم الأكبر الذي يفتّ في العضد وينكأ في الجرح، ويتسلل إلى أغوار النفس، هو ما يرتكبه بعض الحكام العرب من جرائم لا تقل عن أخواتها من جرائم صهيون، في هذا الوقت والظرف الاستثنائي الذي تعيشه الأمة اليوم.

ففي الوقت الذي يتحدث فيه بعض الساسة العرب عبر وسائل الإعلام، بقولهم لن نتخلى عن غزة، وأن الدم الفلسطيني ليس رخيصاً..الخ إذا بهم يمنعون حملات الإغاثة، ويمنعون الأطباء والممرضين والمساعدات الإنسانية، من الوصول إلى مشافي غزة للمساهمة في إنقاذ ما يمكن إنقاذه من المرضى والجرحى، وتتركهم الأنظمة العربية ذات الطابع الإنساني الصرف، يموتون بالعشرات والمئات في المستشفيات التي فرضوا ويفرضون عليها الحصار، ولا يتجاوز معبر رفح من الأطباء وفرق الإغاثة، إلا من وهبهم الله صبراً فولاذيا معجزاً، حيث ينتظرون ليالي وأياماً على أمل عبور المعبر، ولا يعبرون حتى تعطيهم إسرائيل الضوء الأخضر، عبر وكلائها المخلصين في المعبر.

ويزداد دور بعض الحكومات العربية في المؤامرة، حيث تقوم بعمليات القمع، للمظاهرات المنددة بالاحتلال وجرائمه ومذابحه ومجازره اليومية، وهي ليست مظاهرة مؤلفة من بعض الشخصيات، أو الأعداد القليلة، بل رأيناها مظاهرات هادرة عارمة من مئات آلاف، ولكن مع ذلك جوبهت بالقنابل المسيلة للدموع والعصي وخراطيم المياه، والأمن البوليسي، وكل أعمال القمع ووسائل التشويه والحرب الإعلامية.

وما يقع من قمع للحريات في مصر والأردن، نرى أنه في البعض العربي الآخر، لا مكان فيه حتى لمجرد التعبير عن الرأي الشعبي أو الجماهيري.

يقع مثل هذا أو أكبر منه في اليمن، حيث تصر الدولة على تمرير الانتخابات رغم أنوف الملايين الهادرة بضرورة تعديل السجل الانتخابي وتصحيح العملية الانتخابية برمتها.

ورأينا كذلك بعض السلطات العربية وفي هذه المحنة العصيبة التي تتطلب رصّ الصفوف وجمع الكلمة، وإيقاف كل أعمال الحروب السياسية والإعلامية الداخلية، شاهدنا استمرار الاعتقالات لعدد غير قليل من الأحرار، كالذي يجري في مصر الكنانة، من اعتقالات لشبان جماعة الإخوان المسلمين، وغيرها من التيارات الحية في المجتمع المصري، الرافضة لسياسة الخنوع والتطبيع، ولم يخطر ببال أحد أن النظام المصري سيظل على هذه المنهجية البوليسية، رغم أنَ الطيران الإسرائيلي يحلق فوق أجوائه، ويعربد فوق أراضيه!!.

ومن الحرب الإسرائيلية على غزة والقصف المدفعي على الأطفال والنساء والشيوخ، إلى القصف الإعلامي العربي والذي تمارسه بعض الصحافة اليعروأميركية، من إدانة للمقاومة، ووصمها بالعبثية، وتحميل الضحية كل الجريمة، دون الإشارة إلى المجرم الباغي العاتي المحتل الغاصب، ودون أن تنهج هذه الوسائل لغة الدعم والمساندة التي يجب أن يقفها كل إنسان، على اعتبار أن نصرة المظلوم مما أجمعت عليه كل الديانات السماوية، والأعراف الدولية، وهو ما رأيناه من التضامن العالمي المنقطع النظير مع شعب فلسطين وحركة حماس.

ويستمر القصف الإعلامي العربي حيث نشاهد بعض القنوات العربية الرسمية، منشغلة على آخرها بالمباريات الكروية، والرقصات الشعبية، وبطولات الفاتحين الجدد، على أقل تقدير، وكأن هذه القنوات لا وجود لها على الخارطة العربية، أو أنّ الوضع العربي برمته لا يعنيها في شيء.

إن الواجب في هذا المنعطف الخطر من تاريخ أمتنا، أن تحترم الحكومات العربية إرادة شعوبها، وأن تلتحم بها، وأن تشاور وتسمع وتصغي لقيادات الأمة، لا أن تردهم من على الأبواب، تحت حجج وذرائع واهية.

والواجب على الحكومات العربية ضرورة تغيير سياستها الإعلامية والثقافية، على الأقل في هذه الملحمة التاريخية، التي يسطّرها رجال المقاومة الفلسطينية، وأن تنتقل من إعلام يكرس الهزيمة والاستسلام، إلى إعلام إسلامي مقاوم، معبر عن هموم الأمة وآمالها في النصر والتمكين والتحرر والاستقلال والسيادة.

والواجب كذلك أن تعيد الحكومات العربية والإسلامية النظر في سياسة بناء الإنسان، وإذا كان البعض من الحكومات يتحدث عن أن الإشكال الأكبر لديه، هو في بناء الإنسان العربي، بناءاً سليماً وصحيحاً، فالحل إذن هو إعادة النظر في برامج التأهيل والتطوير والتربية والتعليم والتوجيه، وإعادة النظر في المناهج التعليمية، التي تكرس ثقافة السلام والاستسلام، إلى إعادة صياغة مناهجنا حتى تتوافق مع فقه المقاومة الشاملة والنصر المبين، لتشمل هذه الثقافة كل المراحل والمستويات التعليمية.

وإذا كان للعلماء الصلحاء الأحرار كلمتهم المسموعة في الأمة، ولهم تأثيرهم في الكيان الإسلامي، فيجب أن يضطلع العلماء بدور الترشيد والتوجيه، لأفعال الأمة وتحركاتها، وهو ما نراه بحمد الله على طول وعرض الساحة الإسلامية، من أمثال العلامة القرضاوي والعودة والقرني، وغيرهم، لكن لا ينبغي أن يكون هذا، عملا موسمياً، ينتهي بإيقاف الحرب على غزة، لأن الحرب بين الحق والباطل لا يمكن أن تتوقف، إلا بتوقف الحياة.

والله أكبر والعزة لله ولرسوله وللمؤمنين، والحمد لله رب العالمين،،

Moafa12@hotmail.com