|
ما ألفناه عن أبواق الأنظمة المستبدة عامة, وأدواتها
التي تستخدمها ، كيف تقوم بصناعة عمليات التجميل لممارسات النظام وتلميع صورته ،
فتحول قمعه إلى أمن ، وظلمه إلى عدالة ، واستبداده إلى حرية ، وفساده إلى إصلاح ،
وشموليته إلى تعددية ، وقبضته البوليسية إلى انفتاح وديمقراطية
.
كما تحول تراب
الوطن وحصبائه إلى ربيع أخضر، وهضابه وجباله إلى كنوز ومعادن ثمينة، وبيدائه
وصحاريه إلى واحات خضراء ترقد فوق بحار من النفط أو الغاز, أو المياه
.
و
تحول هزائم النظام إلى بطولات وانتصارات ، ونكساته إلى أمجاد وأعياد وطنية ،
وتخلفه إلى رقي ومدنية ، وعصاباته وطائفيته وشلليته إلى مساواة وعدالة اجتماعية ،
وعمالته وتآمره وخياناته إلى تضحية وتفان ووطنية
.
وتصور فقر المجتمع وبطالته
, نهضة اقتصادية ، وانتشار الجهل والأمية قفزة
علمية . والفساد المستشري إصلاحا وتقدمية ، وتزوير الانتخابات نزاهة وشفافية
.
ويوصف الحاكم بأنه الزعيم الأوحد وملهم الأمة ، فهو هدية الأرض, ومنحة السماء
لهذا الشعب المعطاء ، الذي وهبه الله هذا القائد الفذ ليفخر به الوطن, ويتيه به عجبا
أمام الدنيا والتاريخ ، فيتشرف الشعب به ، ويفخر أمام العالم بزعامته ، حتى يسمّون
الوطن باسمه فخرا واعتزازا، كأنما حاز ملكية الوطن وحوله إلى مزرعة له ولحاشيته ،
وأما الشعب المسكين فما هم إلا عبيد وأجراء مسخرون لخدمته ، بل إنهم يتشرفون
بالعبودية لخدمة الزعيم الأوحد
.
ويصور الشعب على أنه صفوة البشرية ، وخيرة بلاد
الله في خلقه ، تمتد جذوره في الحضارة إلى آلاف السنين ، ولا تتسع الكتب والمجلدات
الضخمة لتدوين بصماته الحضارية ، وانتصاراته المجيدة ، وتاريخه المشرق ، وموقعه
الاستراتيجي المتميز، وشعبه الذكي المنتج
.
كل هذا يتم في أيام الرخاء للحاكم
عندما يكون الأمن مستتبا, والكرسي مستقرا، فإذا ما هبت نسائم الفجر, وانطلقت رياح
التغيير، وتناثرت شظايا الثورات ، وسقطت عروش المستبدين, وزملاؤه من الطغاة
والمستبدين ، وشعر باهتزاز الكرسي, وزلزلة الأرض وهي تموج من تحته ، عندها تتغير
لهجة المستبد وأبواقه من النفاق إلى دجل ساذج, وخداع ومراوغة للشعب مكشوفة وتملق
رخيص ، ليلتف على مطالب الجماهير ويثير البلبلة بينهم, ويقوم بتنازلات شكلية هامشية
تفضلا وامتنانا ، وجرعات مسكنات رخيصة موضعية ، لتقدم موضوعا تافها للأبواق ،
ليصدحوا به ويجعلوا منها الفرصة الثمينة ، وابتسامة الحظ الوحيدة للجماهير
الثائرة
.
ويبدأ أنصار النظام من المنتفعين والملتفين حوله ،
وممن ربطوا مصيرهم بمصير هذا النظام البائس ، إنهم يخافون الحرية لأن الشعب غير
معتاد على ذلك وقد تسيل الدماء ، وقد تؤدي الحرية إلى حرب أهلية .... وغير ذلك
مما يجر الخراب والدمار للبلاد
! !.
إذن لقد كان ثوار اليمن الذين استبدلوا الملكية بالجمهورية,
حتى ينال الشعب حريته مخطئون, ومتجنون على هذا الوطن، إذ منحوه الحرية وهو غير مؤهل
للثورة والجهاد والتضحية لأجلها
.
وإذا كانت اليمن بشعبها الذي
تمتد جذوره في الحضارة إلى آلاف السنين ، وبعد كل ذلك الاستبداد والاستعباد الذي
يطبق عليها ,غير مؤهلة للحرية والإصلاحات ، فهل هناك دولة من حولنا محتلة أو مضطهدة
مؤهلة للثورة ضد أعدائها حتى تنال حريتها ؟
!
إذا كان كذلك, فهي دعوة
مفتوحة لجميع الشعوب المحتلة والمضطهدة والمسحوقة أن تسارع فتصالح أعداءها وتعتذر
عن سابق ثوراتها ونضالها ، وتحمد هذا المستعمر الصهيوني لفلسطين أو الاحتلال
الأمريكي في العراق،
لما لهؤلاء المحتلين والمستبدين على هذه الشعوب الجاهلة, والمنغلقة من فضل, وأياد
بيضاء بهذا الاحتلال والاستبداد ، لأنها بمصادرة هذه الحرية تجنبها المشاكل
والخلافات الداخلية والحروب الأهلية ، وتحقن دماء المواطنين بدل أن تسير أنهارا في
شوارع الوطن
! .
أليست طرفة جميلة, ونكتة ظريفة يصدر بعضها من رأس النظام ، وبعضها
الآخر من أعوانه وأجهزة قمعه ، الذين بحسبون حساب ما بعد الثورة, وينظرون إلى
مواقعهم وما يحل بهم, بسبب ما أوغلوا في ظلم هذا الشعب وانتهاك حقوقه بإذلاله
واستعباده
.
إن ثمن الحرية الحقيقي أرخص بكثير من ثمن العبودية، إن ثمن
الحرية يدفع مرة واحدة, ويسجل أبطالها روادا للأمة, ورموزا لتاريخها المشرق, في
صفحات الشرف والعزة والكرامة
.
وضريبة الاستبداد والذل والاستعباد تدفع كل يوم ، ويسطر تنابلها, كغوغاء متخاذلين, وعبيدا جبناء في صفحات التاريخ
الكالحة السوداء ، لتبقى وصمة عار تلتصق بهم على مر الزمن..
في الجمعة 11 مارس - آذار 2011 11:54:15 ص