باليستي يقصف قريتي!
بقلم/ راجي عمار
نشر منذ: 7 سنوات و 8 أشهر و 9 أيام
الجمعة 10 مارس - آذار 2017 09:36 م

وسط المرتفعات الغربية لمحافظة تعز، تقع قريتي "المويجر"، ذات طابع جغرافي وعر، ترتفع قليلاً عن ما جاورها من قرى، فيما تحيط بها الجبال من ثلاث جهات، ومن جهة الغرب تقابلها سواحل البحر الأحمر وشواطئ المخاء والخوخة، ثغرها مبتسم للبحر على الدوام، تغازله كحبيب، وتستنشق نسماته بلطف كل صباح.

بالقرب من تلك الشواطئ أتخذ أنصار الظلام ومليشيات الحوثي والمخلوع معسكراً أسموه معسكر "أبو موسى الأشعري"، فيه ترسانة سلاح وقواعد لإطلاق الصواريخ.

ليلة السادس عشر من يناير كانون الثاني 2017م، أرخى الليل سدوله برفق وهدوء كعادته، وفي لحظة غفلة من البحر انطلق صاروخ باليستي لا يعرف إلى أين وجهته، ولم يكن يهتم لوجهته فأينما ذهب يمكنه أن يحدث القتل والدمار، وقد كان له ما أراد وما أراد مطلقوه،

استقر وسط قلب قريتي البريئة، لتعيش ليلة مرعبة نساؤها وأطفالها وشيوخها وحتى رجالها ما بين باك وفاقد للوعي، ومن صوت الانفجار كان كل منهم يظنه في منزله. 

وقع في الجنوب الشرقي للقرية، دمر منزلاً ذا طابقين يملكه مغترب في مدينة "نيبورت" البريطانية ويسكنه "شباط" بائع القات المظلوم وأسرته وأسرة أخيه.

أتجه الجميع من رجال وشباب القرية الى المكان لمحاولة انتشال الضحايا من تحت الأنقاض، وألسنة اللهب تتطاير، لكن الصاروخ كان قد أباد جميع الذين كانوا في المنزل إلا طفلاً انتشلوه بدون أطراف وحالته أخطر من الموت الذي لقيه أهله في لحظة واحدة.

القرية في مرتفع وشبه منعزلة ولا شيء فيها من وسائل الزمن الذي نعيش فيه سوى هذا الصاروخ، بجهود ذاتية وبتعاون من أهالي المناطق والقرى المجاورة تم إخراج الجثث من تحت الركام في صورة مأساوية يصعب احتمالها، استمرت من التاسعة مساءا حتى الصباح، والجميع في ذهول وراح ضحيتها أكثر من ثمانية أشخاص من أسرتين، وبين الضحايا خمسة أطفال أكبرهم لا يتجاوز عمره سبع سنوات.

مات "شباط" بائع القات المظلوم وكل أفراد أسرته وهو يفكر في دفتر الديون الخاصة بالموالعة أصحاب الفواتير الآجلة بسبب الأوضاع البائسة للبلاد، وجدت جثته وهو حاضنٌ لطفليه بين ذراعيه فيما زوجته تقطعت إلى أشلاء.

قضمتك الحياة يا صديقي ولم تنصفك وأنت شاب في عمر الزهور وفي قلبك الغفران لكل شيء.

أراك في مخيلتي عند عودتك من مدينة "البرح" وعلى ظهرك شوالة القات في عز الظهيرة، يكسوك الغبار وعرقك الطاهر يتصبب من جبينك الأسمر، وابتسامتك رغم المشقة والتعب تملأ الكون.

ماذا أكتب يا "شباط"؟! فوجعي على فراقك لن تحتمله مدونة ولا يسعه كتاب، كنت محباً لأهل قريتك كما أحبك القريب والبعيد، ما الذي نقوله لأبيك "حفيظ" والأسى يملأ عينيه وقلبه؟ 

ستلاقي القتلة يا "شباط" عند رب الأرباب، عند من لا يظلم عنده أحد، وسينصفك منهم، هم الأموات في الدنيا وأنت الحي عند ربك ترزق، وفي قلوبنا وقريتنا تعيش.

غادرتنا يا "شباط" وغادر بين أحضانك محمد وأبرار وأمهما معك.

عزائي لأهلك وهم أهلي، عزائي لكل محبيك وأصدقائك، وعزائي الكبير لقريتي المكلومة على فراقك، و"بشر القاتل بالقتل ولو بعد حين"!!