بايدن يتخذ قراراً "مفاجئاً" لأول مرة قد يشعل الأوضاع في أوكرانيا و"يغضب" بوتين الاعلان عن هلاك قيادي بحزب الله تولى التخطيط والقيادة والسيطرة لعدد من معارك الحوثيين صحة مأرب تدشن حملة توعوية لطلاب المدارس حول وباء الكوليرا مصادر مأرب برس :المليشيا تخنق التجار بجبايات جديدة بالضالع خبير عسكري أردني:التصعيد قادم في اليمن وأمريكا قررت اتباع استراتيجية الاغتيالات التي تمس قيادات الحوثيين رئيس مجلس القيادة يطلع على خطة استئناف جلسات مجلس النواب عصابة نسائية متخصصة في الإبتزاز والنصب تقع في قبضة الأجهزة الأمنية بنوك صنعاء على حافة الكارثة.. اندلاع مواجهات مسلحة ومحاولة لاقتحام احد البنوك بالقوة تحليل غربي يطالب السعودية التوقف عن استرضاء الحوثيين.. ويتسائل هل هزيمة الحوثيين هدف استراتيجي لترامب؟ إنفجار غامض يؤدي بحياة سوق الزنداني بمحافظة تعز ... وتضارب في أسباب الوفاه
ربما قلتَ أخي القارئ كما قلتُ، وما عسى أن تخفيه صحراء قاحلة كصحراء الربع الخالي، من ثقافة أو أدب أو فن أو علم، بيد أنّ صديقي الراوي لهذه الرحلة، أخرج بين يديّ كنوزاً هائلة وثمينة، جعلتني أغيّر رأيي، وأجزم أنك كذلك ستغير رأيك بعد مطالعة هذه الإطلالة المتواضعة على صحراء الربع الخالي.
قال صديقي الراوي كنا نقرأ ونحن صغار عن الربع الخالي، أنه سمي كذلك لأنه خالٍ من الحياة والأحياء، كما قال الشاعر:
وبلدةٍ ليس بها أنيس ... إلاّ اليعافير وإلاّ العيس
قال الراوي لكن صحراء الربع الخالي لم تعد كذلك، بل باتت الآن غيرها بالأمس، فهي الآن عامرة بالحياة والأحياء، وأجزاء منها عامرة بالسكان والعمران، فتراها تعج برعاة الإبل والمواشي، مزدحمة بالسيارات الفاخرة، التي تجوب أرجاء الربع الخالي لرعي الإبل، ذات الأثمان الباهضة، فيما كثير منها ترعى بلا راع ولا أنيس، إلا من رعاية الله وحفظه.
قال الراوي في هذه الصحراء المترامية الأطراف الشاهدة بعظمة الله وقدرته، حيث الهضاب الرملية، والكثبان الترابية، إلا أنها لم تستطع إخفاء آثار الحضارة عنها والعمران، في غابر الأزمان.
قال الراوي: وبعد أن قطعنا ساعات من السير، فوجئنا بمدينة كالعروس تزين هذه الصحراء، نزلنا بها، قال الراوي، دخلنا المسجد لصلاة الجمعة، فعجبنا لشاب صغير يخطب الجمعة، وكانت خطبة في غاية الأهمية، أخذ الخطيب فيها بمجامع عقولنا وأرواحنا، فالشاب الخطيب، تحدث عن الانهيار الاقتصادي العالمي، وأثره المدمر على الحضارة الغربية والولايات المتحدة الأميركية، بوجه أخص، لم يدخر الشاب الخطيب وسعاً في التحضير الجيد والممتاز لموضوعه، ويمكن أن تقول أن الخطبة دراسة علمية رصينة عن واقع الوضع المالي العالمي، وآفاقه المستقبلية، خلص الخطيب المفوه، إلى تقرير أنّ الاقتصاد الإسلامي هو الاقتصاد المؤهل لقيادة العالم من جديد، بعد أن أثبت الاقتصاد التقليدي، فشله الذريع بامتياز، وذكر الخطيب شهادات منصفة لعلماء الغرب ومفكريه تؤكد هذه الحقيقة التي يماري فيها بعض أبناء جلدتنا.
قال الراوي ولم أنم في هذه الخطبة، كالعادة...قلتُ للراوي صدق خطيبكم، وهو ما أعلنته الوزيرة الألمانية ميركل مؤخراً، حيث قالت يجب أن يعاد بناء الاقتصاد العالمي بناءً جديداً، وفق أسس جديدة، وهو قول كثير من ساسة الغرب وعقلائه ومفكريه، من رؤساء ووزراء، وباحثين وخبراء.
قال الراوي: ومن أكثر ما لفت أنظارنا في هذه البلدة، هو حالة النساء الفضليات، اللواتي يحرصن على الحجاب الإسلامي، حتى أنه وجدنا بعض العجائز والمسنات، اللواتي يعتمدن على العصي، في مشيهن، ومع ذلك عبثاً تحاول أن تظفر برؤية إصبع منها، يمسك بمقبض العصى مثلا، إذ يرتد إليك البصر خاسئاً وهو حسير.
كما أنّ النساء في هذه البلدة لا يدخلن محلات بيع الملابس النسائية، بل خصصت لهن نوافذ خارجية صغيرة في كل محل، فتأتي المرأة، لتأخذ حاجتها من خارج المحل وتنصرف، دون الحاجة إلى دخول المحل.
قال الراوي وهي عادة حميدة وددت لو عممت وانتشرت، حفظاً للأعراض والحرمات من مرضى النفوس وسقيمات الأرواح والعقول.
قلتُ للراوي إنَ ما أدهشك سيدي لم يدهشني أبداً، فكوني أحد أبناء الجزيرة العربية أعرف جيداً، أن الحجاب الإسلامي ليس في هذه البلدة فقط، وليس عادةً لبنات الجزيرة يرتدينه، بل كل الفتيات المسلمات يعتبرنه عبادة لله، ولذا تحرص عليه الصغيرة والكبيرة، الشابة والشيخة، وستجد نفس الصورة أينما يممت أو شمألت، أو شرّقت أو غرّبت في أرجاء ونواحي الجزيرة العربية، بل وسائر العالم الإسلامي، ستجد نفس الصورة، من الحشمة والعفاف، رغم حملات التغريب وأمواجه المتلاطمة، وجيوشه الجرارة، وحملة المباخر الأميركية في كل مكان، الذين تؤذيهم وتزعجهم هذه الصورة الحضارية المشرقة لأمة الإسلام.
ثم أتبع الراوي حديثه فقال: وجدنا أنفسنا في هذه المدينة العامرة بالخير، نتجول في معرض ثقافي وعلمي، مفتوح، حيث أُعلن عن دورة علمية مفتوحة، عن معالم العقيدة والمنهج لدى أهل السنة والجماعة.
قال لي الراوي لا أخفيك سراً أنني كنت كلما أسمع مصطلح \"أهل السنة والجماعة\" كنت أفحّط بسيارتي، ليس بالطبع نفوراً من هذا المصطلح الشرعي الأصولي العقدي، كلا، عياذاً ومعاذا بالله وحاشاه، وإنما لسوء استخدامه من قبل البعض، في إلقاء تهم التبديع والتفسيق، جزافاً، بلا كيل أو وزن، وبلا تفريق بين البدع الخفيفة والبدع المغلظة، والبدع المكفّرة و البدع غير المكفّرة، ولا بين البدع الواجبة والبدع المحرمة.
قال الراوي: إلا أنني في هذه المرة اضطررت لأقرأ الإعلان كاملاً، عسى ولعلّ، وإذا بالمحاضرين المعلن عنهم، هم من كبار أساتذة الجامعات، وليس فيهم شخص واحد بغير حرف الدال.
قال الراوي ورغم توجهي الفكري، المتواضع، الشغوف بمتابعة الأخبار والتحليلات، حتى أنني في بعض الأحيان ربما أستيقظ في وقت متأخر من الليل لأشاهد قناة الجزيرة، أو لأتصفح موقع إسلام أونلاين، أو الصحوة نت، أو صحيفة المصريون أو مأرب برس، أو الشرق الأوسط أو القدس العربي...إلا أنني في هذه المرة وجدت نفسي أحضر في الصفوف الأول، لمحاضرات وندوات أهل السنة والجماعة، وعلى مدى يومي الخميس والجمعة، وفعلا شعرت بفوائد جمة وعظيمة.
قال الراوي: ومن أهم الفوائد التي استفدتها من هذه الدورة، المنهج العلمي البعيد عن النقد، المعتمد على التعريف بالموضوع ومتعلقاته، وفق المنهج العلمي الشرعي في الدراسة والتحليل، دون جرح أو تسفيه أو سباب، أو حط من قدر الجماعات الإسلامية العاملة المجاهدة - التي نغّصت على أهل الأهواء والعمالة معيشتهم، وكدّرت عليهم حياتهم- ودون الحط من قدور الأشخاص والهيئات، بل كانت كل المحاضرات رائعة وعلمية وموضوعية بامتياز، والحمد لله.
قال الراوي، آه ، تمنيت لو تكررت مثل هذه الدورات الأكاديمية.
ثم قال الراوي ملتفتاً إليّ قائلاً: يا أخي لقد ذبحونا المشايخ...حين يكون الموضوع المعلن عنه في جهة، والطرح في جهة أخرى، بينهما بُعد المشرقين، ألا وددت لو أُهّل المشايخ وطلبة العلم للتعرف على المنهجية العلمية الشرعية، في بيان الحق، وإزالة الغشاوة، ومنع اللبس، والدعوة إلى الخير والهدى وسبيل السنة والطريق الحق بعلم وحكمة، دون الهجوم على الأشخاص والأعيان والهيئات.
قلتُ: مشكلتنا أنّ لدينا جيوشا من المشايخ والعلماء وطلبة العلم، لكن حالت بينهم وبين التأهيل العلمي والدراسات الأكاديمية، أنظمة الاستبداد والتجهيل المقنن، فسُدّت في وجوههم الجامعات والدراسات العليا ومراكز البحث العلمي والأكاديمي، وحتى أبواب الرزق والتكسب الحلال.
قال الراوي: أزيدك من الشعر بيتاً، كنت أبحث في هذه البلدة المباركة، عن شخصية علمية لأعرض عليها رسالتي للدكتوراه، التي فرغت منها، فوجدت في هذه المدينة في صحراء الربع الخالي، إعلانا لدرس من الدروس العلمية الأصولية، وفيه \"الدرس لفضيلة الشيخ الدكتور القاضي بالمحكمة...الخ\" ظننته شيخاً قد علا الشيب لحيته، أو احدودب ظهره، سيما وأنه قاض في المحكمة، وحين التقيته فإذا هو في أواخر العشرينيات من عمره، أو أوائل الثلاثينات، لم يتزوج بعد، رغم حمله لشهادة الدكتوراه!!!. وقد أفادني في رسالتي كثيراً، مشكوراً مأجورا.
قال الراوي: إنّ عدم إيجاد خطة ومنهج جاد، لتأهيل وتطوير الشباب عموماً، والشباب المتدين بوجه أخص، وإشراكه في النسيج الاجتماعي والاقتصادي والثقافي، يعد كارثة اجتماعية كبرى، سيجني المجتمع كله ثمارها المرّة، ولو بعد حين.
ثم أتبع سبباً، فقال الراوي، من المهم هنا لفت النظر إلى التنوع الثقافي في هذه البلدة، ففي يوم السبت 27/12/2008م اليوم الذي ضُربت فيه غزة، سمعنا بعد صلاة العصر درس أحد الشباب عن أحكام الحيض والاستحاضة، وقد أبدع الشاب في درسه، وأفاد وأجاد، حيث تطرق مشكوراً إلى الفروق بين الحالتين، وما يتعلق بهما من أحكام، إلا أنّ الدرس كأنه ينقصه التوقيت الجيد المناسب، إلا أنه يدل أيضاً على أن ثمة تنوعاً ثقافيا موجودا.
وكدليل آخر على التنوع الثقافي في البلدة أيضاً إقامة دورات متخصصة، لمدربين أكفاء عن تطوير الذات، وهذه الدورات ليست مجانية، بل بمقابل، وتجد عشرات الشبان يتسابقون إليها.
قال الراوي وقد حضرت بعضها، ومما أحفظه منها، ما ذكره المدرب عن القدرات والمواهب المخزونة لدى كل إنسان، وأنّ كثيراً من العادات والتقاليد والقناعات يمكن تغييرها، وتطرق المدرب إلى الأثر النفسي ودوره في العلاج والشفاء، حتى من الأمراض الجسمية، كالسرطان، وقد وقف المدرب بنفسه على حالات كثيرة، شفيت، بفضل الله، ثم بفضل العلاج النفسي، والطب النبوي، وذكر أمثلة على ذلك، فذكر أنه شفي بعض مرضى السرطان حين جاءوا إلى أحد الشيوخ في صنعاء، الذي قام بدوره في المعالجة الطبية واستخدم مع الطب، العلاج النفسي، فشفي كثير من المرضى، ومنهم بعض أقارب المدرب، المصاب بمرض السرطان في المستقيم، ولم يخبره أهله بالمرض إلا بعد أن شفي، على يد الشيخ المشار إليه آنفاً، وذكر المدرب أيضا شفاء وزير ليبي كان يعاني السرطان، فجاء إلى الشيخ، في صنعاء، وشفي كسابقه، وحالات أخرى كثيرة مماثلة.
واختتم الراوي حديثه عن هذه النزهة، فذكر بعض المآسي، التي لا تخلوا منها أي رحلة، فقال: علمنا فيما علمنا، أن ثمة قرية بجوار البحر العربي، تقع في أطراف الربع الغالي، كانت تتبع دولة عربية، وبعد ترسيم الحدود بين الدولتين، شطّرت القرية اليتيمة الصغيرة إلى شطرين، كل شطر منها يتبع دولة، لا يفصل بينهما سوى تله صغيره، فإذا أراد أهل هذا الشطر –إن صح التعبير- زيارة ذويهم اضطروا للحصول على التأشيرة، وللسفر نحو 2000كم، لزيارة ذويهم، في الشطر المقابل، فيما المسافة لا تتجاوز سوى عدة أمتار بين شطري القرية!!!.
واختتم الراوي حديثه قائلاً: إن خيوراً كثيرة، في أمتنا، يعجز اللسان عن حدها وحصرها، في جامعاتنا ومساجدنا وأنديتنا الثقافية، ومؤسساتنا الاجتماعية، وحتى دوائرنا الرسمية والحكومية، ولا يزال الخير باق في أمة محمد، وإلى أن تقوم الساعة.
والحمد لله رب العالمين،،،
Moafa12@hotmail.com